الأمل والصبر والصمود
بهذه الكلمات الثلاث، وبلغته الواحدة، الواضحة والبسيطة، التي لا تعرف التلون الاستهلاكي أو الاستعراضي ولا بأي شكل من الاشكال، افتتح الرئيس أبو مازن حديثه لحشد من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، في مقر الرئاسة برام الله مساء السبت الماضي.
ثلاث كلمات عامرة، بالثقة واليقين الأمل والصبر والصمود، هي أبعد ما تكون عن أنها مجرد كلمات، بقدر ما هي مفاتيح ومسارات برنامج النضال الوطني في المرحلة المقبلة، وليس أمامنا سوى التمسك فيها وبها، والحقيقة لطالما ظلت هذه الكلمات، بتجلياتها البطولية في أرض الصراع والمواجهة، هي واحدة من عناوين الإرادة الفلسطينية الحرة، العصية على الكسر أبدا، مثلما هي دلالة الحقيقة الفلسطينية التي لا يمكن تجاوزها، حقيقة الصبر والصمود قبل كل شيء، فنحن هنا باقون على أرضنا ولن نرحل، صامدون مهما كان حجم التحديات، وباللهجة الفلسطينية الجميلة، وضع الرئيس أبو مازن هذه الحقيقة في جملتها الحاسمة "إحنا هون ومش راح نطلع" كما أن الأمل في هذا الحديث وفي هذا الإطار، ليس محض كلمة في قول عابر، ولا هو ضرب من ضروب الرغبات أو التمنيات أو التعلل بروح القصيدة وخيالاتها، وإنما هو خيار واقعي حر، قائم على العمل، ويتعزز به، ولهذا استعرض الرئيس أبو مازن في مستهل حديثه، جملة الانجازات الوطنية التي تحققت بفعل الصمود والأمل، من اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة بصفة مراقب، مع ملاحظة أن لها من الوزن السياسي والأخلاقي في الأمم المتحدة ما يفوق هذه الصفة، إلى رفع العلم الفلسطيني هناك، إلى الانضمام للعديد من المنظمات الدولية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية التي تطلب الانضمام لها مواجهة تهديدات وضغوطات تعددت وتنوعت أشكالها ولغتها، وإلى جانب ذلك تزايدت اعترافات برلمانات العالم بدولة فلسطين، ثم وعلى الصعيد الداخلي التوجهات باتت واضحة وجلية، نحو تمكين الشباب الاضطلاع بدورهم في صناعة حياة حرة وكريمة لهم وللوطن، بتفعيل طاقاتهم ورعاية ابداعاتهم، وثمة صندوق وطني لدعم مشاريعهم الانتاجية والتنموية، وضع الرئيس أبو مازن فيه وديعة مالية منه، لدعم هذا الصندوق وتفعيله على نحو عاجل، وهناك توجهات وقرارات عملية، لتنمية القطاعات الانتاجية، الصناعية والزراعية، مع اهتمام جدي وخاص، بقطاع الصحة (سيكون هناك مستشفى خاص لعلاج السرطان) وبالمناهج التربوية، أن تكون مناهج علمية وعصرية، قادرة على تخليق جيل المستقبل بالتطلعات التي تريدها لهم فلسطين، بناؤون منتجون في دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وعن الوحدة الوطنية ما زال موقف المسؤولية الوطنية بمصالحها العليا راسخا، لحركة حماس أن تأتي الى حكومة وحدة وطنية، وانتخابات بعد ثلاثة اشهر من تشكيل وعمل هذه الحكومة بكافة صلاحياتها، ولأن غزة بأهلها المكلومين تعاني الأمرين، مر الحصار، ومر سياسة العسف والقمع والضرائب التي باتت تتنوع حسب أهواء لا علاقة لها بالقانون، فإن معبر رفح ما زال ممكنا لو تستجيب حركة حماس لمبادرة الفصائل الوطنية، وتفك ارتباطاتها مع أوهام "الجماعة" وأحلامها التي لم تعد ممكنة ولا بأي حال من الأحوال.
وفي الشأن الداخلي، أيضا، التحضيرات لعقد المؤتمر السابع لحركة فتح جارية ومتواصلة وقاعة القائد الوطني الكبير أحمد الشقيري في مجمع الرئاسة جاهزة لاستقباله، وكذلك الأمر بالنسبة للمجلس الوطني.
وصابرون وصامدون على الدوام، ولن نقبل لا بدولة مؤقتة ولا بأي حلول مجزأة، وخائن من يقبل بدولة دون القدس عاصمة لها، والخلاصة التمسك بالأرض والتثبت فيها وفوقها بالزراعة والصناعة وبالتمييز الإبداعي، التمسك بالأرض بالبناء والعمل والانتاج، ودائما بالصمود والصبر، وبقوة الأمل التي هي روح الإرادة الفلسطينية، فنحن ذاهبون من السلطة الوطنية، إلى الدولة المستقلة بعاصمتها القدس لا محالة، ولا حل سوى هذا الحل، ولا مصير سوى هذا المصير.
والكلمة الأخيرة كانت للإعلام والإعلاميين، وطنيون ومناضلون أنتم في مهنتكم المتعبة، ومعركة الكلمة هي الأخطر والأصعب، كلما تمثلت الروح الوطنية وتمسكت بها واستجابت لمسؤلياتها بعيدا عن غوايات "المناشيت" الاستهلاكية والمصادر المجهولة الهوية والاسم، هكذا ولأكثر من ساعتين تواصل الرئيس أبو مازن بحميمية لافتة مع صناع الرأي العام في فلسطين، الذين خرجوا من هذا اللقاء بابتسامات الرضا البادية على وجوههم، وبالثقة أكثر بالمستقبل طالما ظل هناك الأمل والصبر والصمود.