الموقف: ماجد فرج بين احابيل الهجوم ونوايا الدفاع - حسن سليم
مقابلة موقع الإنترنت الأمريكي " ديفنز نيوز"، مع اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة التي أثارت ضجة كبيرة بعد نشرها الرأي، فدخل الساسة والعامة على حد سواء في حالة جدل كبيرة، أكثر من التي تحدث بخصوص العاصفة الثلجية، وما يمكن أن تحدث من دمار، إلا أن ذلك الجدل لم يكن يتطلب غرق الكثيرين في شخصنة المقابلة، بين غارق في التخوين واللعن، وبين مدافع عن شخص اللواء فرج، والتسابق بتوصيفه بأوصاف وصلت في بعض الأحيان لمستوى النفاق والتملق الأمر الذي كان مسيئا وليس نافعا له.
اشك أن الغالبية، إن لم يكن الكل، ممن اجتمعوا للهجوم على اللواء فرج، أو ممن تجمهروا للدفاع عنه، بأنهم لم يقرأوا المقابلة كاملة، ولا ظروفها، ولم يسألوا في اي سياق كانت، بل انتقى كل فريق ما أراد، والمحصلة ان اللواء فرج دفع الفاتورة مرتين من حيث لا يدري.
دفع فاتورة التخوين من الفريق المهاجم، الذي يتناقض مع نفسه ومع ما يدعي من مواقف، كما دفع فاتورة التمجيد، ولم يكن يحتاج هذا الجهد، الذي كان أولى أن يصب في صالح حماية جدران المرحلة من المزيد من التشقق والانهيار.
فلسطينيا، كان الفريق الأول فرحا بما التقط من مضمون المقابلة، واكتفى ب" جملة " تخدم موقفه الرامي الى تخوين الأجهزة الأمنية وقادتها، لأنهم رفضوا جر الأطفال لمعركة لم يفهموا تفاصيلها ولا مفاصلها، ورفضوا جر شعبنا لمعركة غير متوازنة، فيما الثاني كان همه النبش في تاريخ اللواء فرج ومسيرته لإثبات انه لا يمكن أن يخون، واقعا في الفخ المراد، فحمل بذلك عبء الإثبات عمن يدعون عكس ذلك، وما زالت حالة الجدل حول المقابلة، لم تتوقف منذ نشرها، وليحصد كل طرف منها ما يريد، خدمة لموقف وهدف يسعى لتحقيقه.
الإعلام المعارض، وعلى وجه الخصوص الناطق باسم حركة حماس، لم يفوت هذه الفرصة، للتأكيد لجهموره صدقية ادعائه بمعاداة الأجهزة الأمنية للمقاومة، وان النشاط الأمني للأجهزة الأمنية هو فقط ما يمنع انطلاق العمل المسلح في الضفه الغربية والقدس وفي فلسطين التاريخية، دون أن تجد من يسألها، عن الذي يمنعها من إطلاق العمل المسلح من قطاع غزة، كونه لا يخضع لولاية الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية.
وكان ما هو لافت، سياسة الانتقاء من " أوسلو الملعون "، بان يطالب يحيى العبادسة النائب عن حماس، ومن وصف نفسه برئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني، هيئة القضاء العسكري بمحاكمة اللواء فرج، وكأنه نسي، ان هيئة القضاء العسكري هي نتاج " أوسلو " ايضا، ونسي ايضا ان المجلس الذي يتمتع بعضويته هو أيضا نتاج أوسلو، واشك ان العبادسة نسي أن ما تحدث عنه اللواء فرج في مقابلته عن منع لأعمال مسلحة هو تطبيق لاتفاق أوسلو، دون أن يخبرنا النائب العبادسة عن الملزم لحركته في غزة، وهي تلتزم بحماية الحدود مع اسرائيل، وهنا نستحضر روح " الشيخ الحتر " للترحم عليها، والذي تم إعدامه أمام أسرته لمخالفة أوامر حماس بالالتزام بالهدنة، وسبق مقاومون من حركة الجهاد الإسلامي، تم قتلهم على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل لذات السبب.
الإعلام الإسرائيلي، وهو منبع النشر والتوجيه، فقد واظب منذ البداية على اقتباس مقاطع من مقابلة اللواء فرج- كما فعلها مع الكثير - وإبراز موقفه من داعش باعتباره عدوا مشتركا للفلسطينيين والإسرائيليين، وابرز بشكل لافت دور الأجهزة الأمنية في منع عسكرة الانتفاضة، وهو الموقف الوطني المتفق عليه فلسطينيا، بإبقاء الهبة شعبية سلمية كما هي عليه، وهذا ما تطلب منع مشاركة الأطفال ومنع استخدام الأسلحة في الأنشطة السلمية، مشيرا الى انه تمنع 200 عمل مسلح، لإبقاء الطابع السلمي هو الحاضر، لكن هدفا اكبر كان المراد من بين السطور، أرادت المقابلة ان تبرزه هو" حرق " اسم اللواء فرج في السباق للرئاسة، وهو الذي لم يطرح نفسه متسابقا لها، بل كان طوال الوقت مساندا لصاحب القرار السياسي، ملتزما بتعليماته، لقد أرادت اسرائيل اغتياله سياسيا.
إسرائيل وهي البارعة في الإعلام حرصت وهي تروج للمقابلة إبراز دور الأجهزة الأمنية بصورة الملتزم، بمنع العمليات المسلحة، وهي أكثر من يعلم كيف سيتم تسويقها، واستخدامها لدى الرأي العام الفلسطيني، وللأسف تحقق لها ما أرادت، فقد انتشرت مقاصدها كما النار في الهشيم.
ماجد فرج الذي كان معروفا أثناء انخراطه في فعاليات الانتفاضة الأولى، من بين اصدقائة بأنه من المبادرين، وممن ابتكروا فكرة التظاهرات الليلية، ومن أسرة قدمت شهيدين، احدهما والده، والثاني شقيقه، اليوم هو رئيس جهاز امني، مناط به حفظ الأمن والنظام واستقرار البلد، وحمايتها، وفقا لتعليمات المستوى السياسي الأعلى، ووفقا للقانون الناظم لعمله، ولا يحتاج هذا السيل من التأكيد على وطنيته، ولعل طبيعة عمل اللواء فرج تنسجم مع المهارة التي يمتلكها بجمع الأوراق من مختلف الألوان، وهو المعروف انه ملك " الطرنيب " بلا منافس كما يقول اصدقاؤه، ولا يعتمد على الحظ في أدائه، وهذا ما يتطلبه الحفاظ على السلطة من الانهيار، بان يكون العمل منظماً، وفقا لقانون بناء الدولة، وليس وفقاً للحظ.
hasan.media@yahoo.com