كيف يقضي مواطنو غزة يومهم في المنخفض؟
محمد أبو فياض
تنوعت عادات المواطنين في قضاء يومهم في قطاع غزة خلال المنخفض واضطرارهم للبقاء في البيت ساعات طويلة في ظل انقطاع التيار الكهربائي وشح الغاز، وعاد بعضهم لعادات قديمة اندثرت بفعل التكنولوجيا، وعصرية الحياة.
وتغلب المواطنون على مشكلة التدفئة والبقاء في المنزل في ظل انقطاع التيار الكهربائي وشح غاز الطهي، بالجلوس حول موقد الحطب، أو بالجلوس في "أفران الطين"، التي يعود استخدامها لنحو ما قبل قرن، ما جعل المواطنون يقولون ان هذه الاجواء اعادتنا الى حياة الأجداد البدائية الخالية من التكنولوجيا.
ويقول أحمد رمضان /44 عاما/ من بلدة القرارة شمال خان يونس جنوب قطاع غزة: إنه اعتاد قبل المنخفض الحالي على الخروج مبكرا من منزله والعودة متأخرا كل يوم فلا يشعر بانقطاع التيار الكهربائي لأنه يعود للبيت للمبيت فقط، أما هذه الأيام وفي ظل هذه الأجواء العاصفة فيقضي معظم يومه في البيت حول موقد النار.
ويضيف، أنه يستيقظ متأخرا من النوم ويتناول فطوره ثم يجلس في غرفة خاصة به بجوار منزله ويشعل النار في موقده الذي صنعه خصيصاً لهذه الأجواء الماطرة، ويقضي يومه بالحديث مع الشباب الذي يسارعون للجلوس في غرفته طلبا للدفيء الذي يحصلون عليه من موقد النار، ويبقى طيلة اليوم وحتى ساعة متأخرة من الليل، وتخرج مجموعة من الشباب وتجيئ مجموعة أخرى.
ويبين انه لا يعرف اين يذهب في النهار وكيف يقضي يومه، فلا كهرباء في البيت كي يجلس على التلفزيون او تصفح الانترنت، لذلك يجد في الجلوس حول موقد النار وسيلة للتدفئة وتضيع يومه خاصة وانه لا يستطيع الخروج من قريته جراء هذه الأجواء العاصفة، بل وأنه يحصل على الأخبار مشافهة من جليسيه.
وما أن يحل المساء حتى يسرع عصام أبو نادر /33 عاما/ إلى غرفة رمضان والجلوس فيها، كي يقضي المساء عنده بعد ان توقف عمله كسائق على سيارة أجرة جراء انتشار برك المياه والسيول على الطرقات الواصلة بين جنوب وشمال القطاع.
ويقول عصام "اجمل لحظة التي اجلس فيها في غرفة أحمد، هذه الغرفة التي تعيدني إلى أيام زمان حيث لا كهرباء، ولا غاز، وكانت الإضاءة على لمبة الكاز أو الفتيل والتدفئة على كانون النار، يا لها من أيام جميلة ولحظات سريعة، وهنا قال ضاحكا رب ضارة نافعة، أجلسنا المطر في البيوت كالنساء نتبادل الأحاديث ونسمع الأخبار من بعضنا البعض، عوضاً من أن نسمعها من التلفزيون أو نقرأها من الانترنت".
كذلك كان حال الحاج مصطفى أبو ماهر /65 عاما/ من دير البلح وسط القطاع الذي كان يقضي يومه في زيارة بناته والذهاب للمسجد والتنزه على الشاطئ.
الحاج أبو ماهر اليوم لا يخرج من البيت ووجد في صالة منزله مجلسا دائما له بمعية زوجته وأبنته حول موقد النار، بل ويصنع لهن الطعام وهو ما لم يعتدن عليه في السابق.
وهنا تقول زوجته /55 عاما/ "شكرا للعاصفة التي جعلتنا نجلس مع زوجي الذي كان قبل العاصفة يخرج من المنزل صباحا ويعود مساء منذ تقاعده من الوظيفة العمومية، اليوم هو يجلس في البيت حول الموقد ويصنع لنا الطعام، ولا نجد سوى الموقد وسيلة وحيدة للتدفئة في ظل انقطاع التيار الكهربائي وشح الغاز".
وفي هذه اللحظة يتدخل أبو ماهر قاطعا حديث زوجته بالقول "يا راجل والله الحياة هيك أحلى ماله الكانون والله أكله أطيب وأحلى وأجمل من أكل أفران الغاز، حتى الشاي طعمه على النار برد الروح مو مثل شاي الغاز مسلوق سلق، المطر جعلنا نجلس في البيوت ونعود في حياتنا للوراء، حياة السابق كانت صحية وجميلة ومريحة أكثر من اليوم كلها حياة صناعية ومرض".
أما الحاجة هدى ام رشاد /67 عاما/ فتقول "هذه الأيام وتأجيل افتتاح الفصل الدراسي الثاني، ومفيش كهرباء ولا غاز، جعلني اشعل فرن الطينة مبكرا، فيقبل علي أحفادي وأبناء أخوة زوجي ويتحولقون حول هذا الفرن للتدفئة، وأخبز وأطبخ لهم ويأكلون معا كما كان زمن الآباء والأجداد".
وتتابع: "لا يعرف اين يذهب هؤلاء في ظل هذه الأجواء الباردة، فلا كهرباء كي يجلسون على التلفزيون والنت، ولا غاز كي يشعلون مدفأة الغاز، فلا مفر لهم غير الجلوس في الفرن حول النار يقضون يومهم، هذه الجلسات تزيد الحب بين العائلة وتزيل البغضاء والكراهية بين الناس، مالها حياة زمان كانت كلها صحة مو مثل اليوم كلها مرض".
وفي هذه اللحظة يتدخل زوجها /68 عاما/ قائلاً: "قبل المنخفض وهذه البرودة في الجو كنت أجلس على موقد نار الحطب وفي غرفة الفرن وحدي او برفقة بعض الأطفال من أحفادي الذي يحبون اللهو بالنار، ولا أجد من يجلس معي غير هؤلاء الأطفال، أما الآن فلا أجد متسعا كي أجلسهم جميعا، الكل كبار وصغار يريدون الاقتراب من النار وتسخين الخبز على النار وشرب الشاي، لأن خبز وشاي نار موقد الحطب له طعم ومذاق خاص".