فرقة الشهيد شرف الطيبي.. أنهاها المكان، وأبقتها الذاكرة
يامن نوباني
13 عاما هو العمر الذي عاشته فرقة الشهيد شرف الطيبي للدبكة الشعبية الفلسطينية، والتي انطلقت من أرض جامعة بيرزيت، مطلع عام 1985 واستمرت حتى عام 1997، وذلك بعد استشهاد الطالب في كلية الهندسة شرف الطيبي، شهيد القرار الوطني الفلسطيني المستقل، نهاية عام 1984، وكانت الفرقة تتبع حركة الشبيبة الطلابية.
يقول محمد عياد نائب رئيس هيئة شؤون المنظمات الأهلية، وأحد أعضاء الفرقة، كان شرف الطيبي حالة روحية جميلة، فجاءت الفرقة اسما بصيغة الجمع، ضمت زملاء في التعليم والمقاومة، بدأت على يد إياد أبو غوش، بعد استشهاد الطيبي، أحبها الناس لأنها كانت تعبر عن المضمون الجواني، مليئة بطاقة الشبان، وشحذ الهمم وإعلاء كرامة الناس، الذين فتحوا لها بيوتهم كما كانوا يفتحونها للمطاردين.
يتابع عياد: على صعيد الدبكة الشعبية حافظت الفرقة على التوازن في موضوع عرض التراث ولم تذهب الى التجديد غير المجدي والبعيد عن الالتزام، التراث قضية جامدة ولكن عرضه متحرك، الفخ الذي سقط فيه الناس بإصباغ الفرق، الخروج من فكرة التراث عن طريق استخدام أدوات أخرى مثل اللباس والموسيقى واستخدام آلات غير شرقية، واستعراض التراث بطريقة بعيده عن الحفاظ عليه، بينما قدمت فرقة الشهيد شرف الطيبي موسيقى خلاقة مرتبطة بمجموع التراث، وحافظت على ذلك بطريقة جميلة، وفي عام 1988 خرجت الفرقة من إطار الجامعة وطلبتها إلى فرقة فنون فلسطينية تضم فئات وأعمار مختلفة، وفي بداياتها كانت قائمة على مجموعة من الشبان والشابات المؤمنين بدورهم في النضال، وكثيرا ما كانوا يغطون نشاطات الفرقة من مصروفهم الخاص.
كتب عياد نصوص الوصلات التي كانت تغنى كاستراحة بسيطة بين الأغنيات وعروض الدبكة، وكانت تلك الكلمات تنتقل لجدران الشوارع والبيوت في الضفة، يخطها بوضوح ورتابة ملثمو ونشطاء انتفاضة 1987.
وحول ذكريات الاشتباك مع الاحتلال يقول عياد: شكّلت الفرقة حالة ثقافية وطنية، تعبوية وتوعوية، وكانت تؤرق الاحتلال، وبعد الانتهاء من أحد العروض في مسرح الحكواتي في القدس عام 1989، اشتبك الناس الذين حضروا الحفل مع قوات "حرس الحدود"، وفي عام 1991 حاصر 50 جنديا إسرائيليا ملعب دير اللاتين في القدس وأحاطوا الحفل الذي حضره ألفا شخص، وأذكر تماما خشيتنا كفرقة من عدم إكمال تقديم العروض، حيث استعد الجنود لمهاجمة الحفل لحظة غناء "يا راعي"، وحين كانت الظروف الأمنية تتصاعد كانت الفرقة تجري تدريباتها في مخزن بيت في قرية سردا.
بنبرة صوت يحمل الحصرة، يختم عياد حديثه: كانت الفرقة تهدف الى أن تصبح مؤسسة، لكنها لم تجد من يحتويها، خاصة فيما يتعلق بالمكان، فتوقفت وتلاشت في1997، بعد أن شكلت حالة تماهي وتجربة عظيمة في تقديم التراث الفلسطيني بجمالية والرسائل الوطنية والحالة السياسية.
قدمت الفرقة عروض فنية أهمها لوحات سكابا، وظريف الطول، ويا راعي، وجفرا، يا حلالي يا مالي، كما قدمت أغاني انتفاضة الحجارة، والقدس، والعودة والأرض والفلاح والزيتون والمخيم، في عشرات المناسبات في الوطن الخارج، في ولاية كاليفورنيا الأميركية عام 1988 خلال إحياء الفرقة إحدى المناسبات الوطنية، ينتقل مايكروفون منصة العرض الى الجمهور، فتقوم شابة وعجوز بإطلاق زغاريد و"مهاها" فلسطينية، في جو تفاعلي كبير مع أغاني ودبكات الفرقة، في اشارة لكم التأثير على الجمهور.
"في أول حركة من يدك في الهواء، أو خبطة من قدمك على الأرض، هذا بحد ذاته حفظ للتراث ورسالة نضالية"، تقول رئيسة جهاز الاحصاء الفلسطيني، والعضو في الفرقة علا عوض. وتتابع: دخلتُ فرقة الشهيد شرف الطيبي في سن الثالثة عشرة، وذلك في العام 1988، كنت أرى في الدبكة والفنون الشعبية نضالا بطريقة فلكلورية، وعملا مساندا لمقاومة فئات أخرى من الشعب بطرق مختلفة، تدربنا في أيام منع التجول، في الحرم القديم لجامعة بيرزيت، كنا ننبطح أرضا ونخفض أصواتنا لحظة مرور جنود مشاة أو جيبات عسكرية، دبكنا غصبا عن الاحتلال، الذي اقتحم في عام 1989 مسرح الحكواتي في القدس واعتقلني ليوم واحد، كنا كأعضاء فخورين بما نقدمه للوطن والقضية، وما زالت تربطني علاقة صداقة بأعضاء الفرقة حتى بعد 19 عاما على توقفها.
وتضيف: الأغاني والحركات التي قمنا بتأديتها كانت حماسية، لأنها جاءت في أجواء الانتفاضة الأولى، خاصة حين كنا نمثل جنازة الشهيد فوق منصة العرض، ولم تخلُ مناسبة وطنية من حضور الفرقة، والتي كان مشهودا لها بالتميز والحماس، كما ذاع صيتها في الدول العربية والعالم، من خلال عديد العروض التي قدمتها في مناسبات مختلفة.
وحول الفرق بين فرق الفلكلور قديما وحديثا، تقول عوض: قديما كانت الفرق الفلكلورية قليلة ونادرة، فتميزت بحسن الأداء والجودة العالية، أما اليوم فلا حصر للفرق الفنية والفلكلورية، وهذا أثر على الجودة التي تقدمها بعض الفرق، بينما حافظت فرق كالعاشقين والفنون الشعبية على أدائها الرفيع، كما أخلّت بعض الفرق بعرض اللباس التقليدي للفلكلور، لكن يُحسب للمرحلة الحالية انتقال فنون الدبكة إلى معظم شرائح الشعب وأصبحت أنشطة لطلاب المدرسة، ووجود مؤسسات ترعى الفلكلور والتراث وتقدمه للعالم.
قبل شرف الطيبي، كانت "دناديش" فرقة فنية فلسطينية تعمل في مجال الموسيقى والرقص، تأسست في العام 1962، ثم جاءت "العاشقين" التي انطلقت عام 1977 من دمشق، وفي عام 1979 تأسست فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، فيما تأسست فرقة "موّال النصراوية" للرقص الشعبي والحديث عام 1982، ثم كانت فرقة الشهيد شرف الطيبي للدبكة الشعبية الفلسطينية 1985، من أوائل الفرق الفلسطينية التي دعمت الهوية الفلسطينية وحافظت على الموروث الثقافي الفلسطيني، تبعتها فرقة صمود 1988 في بيرزيت أيضا، والحنونة في الأردن عام 1990، وفرقة "أصايل" تأسست عام 1990 في بلدة دير الأسد في الجليل الفلسطيني الأعلى، وعبر اسمها "أصايل" عن الفلسطينيات اللواتي احتفظن بأزيائهن ونقلنها إلى أبنائهن حتى يستمر الوطن حيا في نفوسهم.
وشكلت هذه الفرق مجتمعة إضافة لفرق مهمة على الساحة الفلسطينية ظهرت بعد العام 1993، تعميقا للهوية الفلسطينية من خلال الربط بين التراث الحضاري والواقع المعيشي، والحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وخلق جيل واع لأهمية، وتدوين التراث الشعبي الفلسطيني من خلال لوحات فنية فلكلورية.
وتربى جيل من الشباب المغترب على عشق الفلكلور والدبكة الشعبية، وارتداء الزي الفلسطيني التقليدي في المناسبات الوطنية والتضامنية، كما أن المرأة الفلسطينية ما زالت تُتقن حياكة ونسج الثوب الفلسطيني المطرز، دليلاً على أصالة القضية الفلسطينية وعذوبتها ومقدرة أبنائها على إيصال رسالتهم، فكانت تلويحة اليد وخبطة القدم وموّال الأرض.