الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

قبرص واليونان وفلسطين - د. نبيل علي شعث *

في حدث غير مسبوق زار تسيبراس رئيس وزراء اليونان ووزير خارجيته، بيبي نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل في القدس، ثم استقلوا طائرة نتنياهو للسفر في صحبته الى نيقوسيا حيث انعقدت قمة ثلاثية بين اسرائيل واليونان وقبرص للتباحث في قضايا ذات اهتمام مشترك كالغاز الطبيعي والأمن والسياحة والعلاقات الاقتصادية ووقف تحرك اللاجئين ومكافحة الارهاب! دفعني هذا الحدث المثير للقلق إلى مراجعة علاقاتنا مع اليونان وقبرص وهي علاقات ساهمت بقيادة الرئيس الراحل أبوعمار، ثم الرئيس أبو مازن في بنائها عبر الثلاثين سنة الماضية.

كانت العلاقة بين فلسطين وكل من قبرص واليونان راسخة ومتينة وتعود بجذورها إلى عهد قديم، وقد بنيت على التجارب المشتركة في التحرر والاستقلال والوحدة، والمصالح طويلة الأجل، والقيم والمبادئ الأخلاقية. وينبغي ألا نسمح للمكاسب الاقتصادية على المدى القصير بأن تضر بهذه العلاقة العميقة والثمينة.

على مدى سبعين عاما، تميزت العلاقة بين فلسطين وقبرص بالصداقة الوثيقة والتحالف السياسي. فكلتاهما كانتا مستعمرتين بريطانيتين وكلتاهما عانتا من السيطرة البريطانية التي أنتجت وطنين منقسمين. وقد وجد القبارصة أثناء نضالهم لتحرير وطنهم وتوحيد أرضهم حلفاء مخلصين لهم في العالم العربي وخاصة في مصر إذ وقف الرئيس جمال عبد الناصر إلى جانب رئيس الأساقفة مكاريوس القبرصي في النضال ضد الاحتلال البريطاني. وبالنسبة للفلسطينيين كان هذان الزعيمان حليفين طبيعيين في النضال من أجل الحرية والاستقلال. وقد انضمت كل من مصر وقبرص ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى حركة عدم الانحياز وتعاونت في بناء هذه الحركة مع أقطابها التاريخيين عبد الناصر ونهرو وتيتو وسوكارنو.

أذكر جيدا رحلتي الأولى إلى نيقوسيا عام 1965، تلك المدينة الجميلة التي ذكرتني بيافا المدينة الحبيبة الى قلبي التي عشت فيها طفولتي. وقد أيقظت رائحة الياسمين وزهر البرتقال في نفسي ذكريات بيتنا الذي فقدناه عند قيام إسرائيل عام 1948، تلك السنة التي أصبحنا فيها أنا وغالبية شعبي الفلسطيني لاجئين.

أما نحن الفلسطينيين فقد أيدنا نضال قبرص ضد الاحتلال البريطاني من أجل الحرية والاستقلال وعارضنا تقسيم قبرص. وأذكر عندما شغلت منصب وزير الخارجية الفلسطيني (1994 - 2005) أن تعليماتي من قائدي أبو عمار كانت واضحة: الوقوف بجانب الحكومة الشرعية في قبرص وعدم الاعتراف بالدولة الانفصالية في شمال قبرص، خاصة داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حيث كان لدينا بعض التأثير المعنوي والسياسي.

كانت الصداقة متبادلة. فقد اعترفت قبرص بدولة فلسطين عام 1988 بمجرد اعلانها في الجزائر، ودعمت نضالنا من أجل الاستقلال وسعينا لتحقيق السلام. وبالمقابل دعمت فلسطين مساعي قبرص للحصول على استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها.

لدينا نحن الفلسطينيين علاقات متينة مع اليونان أيضا، ويمكن رد جزء من أصول أجدادنا إلى جزيرة كريت اليونانية، وترتبط الكنيسة الأرثوذكسية الفلسطينية بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بعلاقات تاريخية وثيقة. صوتت اليونان ضد قرار التقسيم في الأمم المتحدة وقوفا الى جانب فلسطين والدول العربية، واستمرت مواقفها الداعمة لقضيتنا الفلسطينية بعد ذلك. ولن ننسى أبدا يوم استقبلتنا أثينا بحفاوة عام 1982 بعد 88 يوما من القصف والحصار الإسرائيلي لمدينة بيروت مما أسفر عن قتل الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين. وقد كان الرئيس أندرياس باباندريو على رأس الجمع الذي استقبل قائدنا الفذ الراحل ياسر عرفات لدى وصوله أثينا.

عندما كنت وزيرا للخارجية عملت جاهدا لدعم اليونان اقتصاديا وسياسيا في العالم العربي والإسلامي، وقد عكس الارتباط الوثيق بين الرئيس أندرياس باباندريو والرئيس الراحل ياسر عرفات، وأيضا الصداقة المتينة التي جمعت بيني وبين ابنه جورج، الذي أصبح وزيرا للخارجية اليونانية ومن ثم رئيسا لوزرائها، عمق الصداقة الطويلة والقوية بين فلسطين واليونان. ولم تقتصر تلك العلاقة على حزب سياسي معين، بل كانت علاقة بين الشعوب: الشعب اليوناني والشعب القبرصي والشعب الفلسطيني.

وبعد انضمام اليونان وقبرص إلى الاتحاد الأوروبي، أصبحت الدولتان من أقرب حلفاء فلسطين داخل الاتحاد الأوروبي، تدعمان سعينا للوصول إلى حل سياسي سلمي وتقفان إلى جانبنا كلما خرقت إسرائيل التزاماتها سواء عن طريق استمرارها في مصادرة الأراضي والمياه، أو تدمير قطاع غزة، أو إنكار حقنا في قيام دولتنا الفلسطينية فوق 22% من أرضنا. لقد تشبث حلفاؤنا اليونانيون والقبارصة بالمبادئ والالتزامات التي جمعتنا معا لأكثر من 70 عاما.

لكن مع الأسف بدأت هذه العلاقات تتغير في الآونة الأخيرة.

ندرك تماما أهمية المصالح الاقتصادية والسياسية في تشكيل التحالفات السياسية وتقلباتها. واليوم ترتبط كل من قبرص واليونان بإسرائيل من خلال رؤيتها لفرصة مصالح مشتركة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والنفط والتأثيرات الجيوسياسية والأزمة المالية.

نحن نتفهم ذلك، غير أن مثل هذه العلاقات لا تقتصر فقط على اليونان وقبرص. فهناك العديد من الدول الأخرى مثل روسيا والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بعلاقات اقتصادية هامة مع إسرائيل، وكان بعضها حليفا تاريخيا للعالم العربي وفلسطين، دون أن يؤثر ذلك على علاقاتهم معنا، أو التزاماتهم تجاهنا.

لا يمكن للمصالح الاقتصادية قصيرة الأجل والمواقف السياسية أن تغير الحقائق على الأرض، فالعالم أجمع يعلم من هي قوة الاحتلال ومن هو الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال في الأرض المقدسة، وأي من الدول التي تمارس الاستيطان الاستعماري، والتمييز والفصل العنصري، وأي منها الذي يعاني من هذه الجرائم ضد الانسانية. كما لا يمكن للمصالح الاقتصادية أو المواقف السياسية أن تغير من التقديرات حول ما يملكه كل طرف من قوة مثل اي طرف يملك قوة عسكرية ضخمة وقدرات نووية هائلة، واي طرف يبلغ دخله 40 مرة ضعف دخل الطرف الآخر. وأخيرا، يجب ألا ننسى من الطرف الذي حافظ على التزامه باتفاقات السلام ومن الطرف الذي اخل بها. التغيرات في المصالح الاقتصادية لا تغير القانون الدولي أو حرمة العدالة وحقوق الإنسان.

لكل من الصين وفرنسا والسويد والبرازيل وتركيا وروسيا مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة مع إسرائيل، لكن مواقف هذه الدول تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لم تتغير. وفي واقع الأمر، فيما تستمر إسرائيل بانتهاك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الموقعة، تبدي هذ القوى استعدادا أكبر لإدانة الأفعال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وفرض العقوبات على إسرائيل.

قدم لنا قادة قبرص واليونان تأكيدات بأن علاقتهما الوثيقة مع إسرائيل لن تضعف التزاماتهما تجاه فلسطين أو تؤثر سلبا على علاقتهما التاريخية مع فلسطين أو العالم العربي والإسلامي. وقد قام مؤخرا رئيس وزراء اليونان ورئيس قبرص بزيارة فلسطين وإسرائيل، وأدليا بتصريحات في فلسطين تؤكد مواقفهما التاريخية. ودعي الرئيس عباس لحضور عملية التصويت في البرلمان اليوناني الذي أوصى بالإجماع بأن تعترف الحكومة اليونانية بالدولة الفلسطينية، ولكن رئيس الوزراء الذي حضر الاجتماع لم ينفذ قرار الاجماع اليوناني، وقال انه سينفذه في الوقت المناسب. أما تفسير ذلك فهو شديد الوضوح: أعضاء البرلمان من جميع الأطياف السياسية اليونانية التي تمثل الشعب اليوناني كافة يدعمون فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، ولكن رئيس الوزراء له حساباته.

في ضوء ما سبق يصعب شرح بعض الأفعال التي قام بها والأقوال التي أدلى بها قادة هاتين الدولتين مؤخرا.

في 12 كانون ثاني 2016، قام السيد افروف نيوفيتو رئيس حزب يمين الوسط الحاكم في قبرص (DISY) ورئيس لجنة الشؤون الخارجية الأوروبية لمجلس النواب القبرصي بزيارة إسرائيل وأدلى بالتصريح التالي:

"لم تعد قبرص ترى في إسرائيل دولة عدائية تفرض إرادتها على الفلسطينيين عنوة، وإنما دولة صغيرة تكافح من أجل البقاء في مواجهة صعوبات وتحديات كبيرة".

وقال السيد نيوفيتو للصحيفة الإسرائيلية جيروزالم بوست إنه على مدى العقد المنصرم كانت دولته من أشد المنتقدين لإسرائيل في أوروبا جنبا إلى جنب مع اليونان، لكن الآن أصبح لديها "صورة أوضح" عن إسرائيل:

"إسرائيل دولة فيها 8 ملايين نسمة يناضلون من أجل البقاء وعليهم مواجهة مئات الملايين من المسلمين والعرب بعضهم حتى لا يعترف بحق الدولة اليهودية في الوجود... إذن من الطرف القوي ومن الطرف الضعيف؟ ومن الطرف الذي يكافح من أجل البقاء"؟

من ناحية أخرى، سعدنا بسماع الرد الفوري للحزب القبرصي المعارض (آكيل) على أقوال نيوفيتو:

"يتوجب على رئيس حزب DISY أن يدرك الفرق بين سعينا لتطوير علاقات تعاون للمنفعة المتبادلة مع كافة دول الجوار بما فيها إسرائيل، وهو أمر عملت الحكومة السابقة على تعزيزه بشكل صحيح، وبين تشويه الحقائق والوقائع التاريخية...".

وعلى الرغم من الرد الفوري داخل قبرص على أقوال نيوفيتو، وتطمينات وزير الخارجية القبرصي بعدها، إلا أن الإدلاء بمثل ذلك التصريح وعدم التراجع عنه حتى الآن يبعث على القلق.

ومما يبعث على القلق المتزايد التغيير الجذري في موقف كل من اليونان وقبرص فيما يرتبط بأنماط التصويت وأنشطة الضغط لممثلي الدولتين داخل الاتحاد الأوروبي. ففي 17 كانون الثاني من هذا العام، كاد وزير الخارجية اليوناني أن ينجح في نسف النتائج التي توصل إليها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير الذي تركز على حقوق الشعب الفلسطيني وادانة الاستيطان وبخاصة في القدس، وذلك عن طريق إصرار الوزير اليوناني على الرواية الإسرائيلية في عدة قرارات رئيسية. وقد شكى عدة وزراء أوروبيين في حديثي معهم من سلوك وزير الخارجية اليوناني في الاجتماع. اضافة، كانت بعض التصريحات المنسوبة إلى القادة اليونانيين التي أعلنوا فيها رفضهم تنفيذ توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن وضع العلامات على منتجات المستوطنات صادمة، لكن تم تصحيحها في النهاية. أما التصريحات التي نسبت الى رئيس الوزراء اليوناني التي تدعم الإدعاء الإسرائيلي بأن القدس عاصمة إسرائيل التاريخية وعاصمة الشعب اليهودي، وتتجاهل حقوق الفلسطينيين في القدس تماما، فهي مثيرة للاشمئزاز، وتخالف مواقف دول العالم كافة، وتبقى دون تصحيح.

يتوقع الشعب الفلسطيني أن يقوم المسؤولون اليونانيون والقبارصة بتصحيح أقوالهم وتقديم تفسيرات لها. لا نريد التخلي عن صداقتنا مع اليونان وقبرص، كما لا نرغب في رؤية تحول كبير في العلاقات الاستراتيجية التي تربط هاتين الدولتين بالعالم العربي والإسلامي.

أنا واثق من أن الشعب اليوناني والشعب القبرصي يشاركونني مشاعري حول علاقتنا. ونبقى نحن أوفياء لهذا الإرث ولا نحيد عن التزاماتنا ومبادئنا لتغيير مؤقت في المصالح الاقتصادية. كما أننا لا نعترض على حق قبرص واليونان في تحقيق مصالحهما الاقتصادية المتبادلة مع دول العالم، لكننا ندعو الدولتين للبقاء ملتزمتين بصداقة شعوبهما معنا وبمواقفهما من قضيتنا، وبالقيم والمبادئ المشتركة بيننا. وعلى المدى البعيد، تبقى هذه القيم والمبادئ حجر الزاوية التي يبنى عليه السلام والاستقرار والأمن والرخاء الاقتصاديان ليس فقط في منطقة البحر الأبيض المتوسط بل ايضا في جميع أرجاء العالم.

---------                                                   

* مفوض العلاقات الدولية لحركة فتح، ووزير الخارجية الفلسطيني بين الأعوام 1994 و2005

 

Za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024