مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

إبراهيم.. منع لعام ثم للأبد

رامي سمارة وإيهاب الريماوي

ما زالت تلقي بصوتها الخافت كلمات الترحيب، وهي تضم يديها إلى أسفل بطنها فوق شال كحلي يعلو ثوباً بنفسجيا غامقا.

"أهلاً وسهلاً.. تفضلوا"، قالت وهي تخطو إلى الوراء قبل أن تجلس على كنبة مجاورة لباب غرفة الضيوف من جهة اليسار، الجدار فوق رأسها تعتليه خمسة براويز وبوستر وساعة توقف الزمن بها عند تمام الخامسة.

"في الخامسة صباحاً نستيقظ، ونرتدي ثيبانا ونحزم أمتعتنا، ونتوجه إلى رام الله، وهناك نستقل سيارات الصليب الأحمر إلى معبر بيت سيرا غرب رام الله، ثم يبدأ مشوارنا الشاق نحو سجن نفحة لزيارة ابني يوسف الذي يقصي حكما بالسجن المؤبد".

صمتت إنصاف، هي لم تزد على ما قالته سوى "الله يعلم بحالنا". ثوان كسر بعدها الجمود صوت طرق محمد شقيق زوجها بحذائه توالياً على أرض الغرفة، توقف برهة وقال "ضربتين بالراس مش قلال".

محمد وضع ساقا فوق أخرى، وبقدمه اليمنى عاد لطرق الأرض، انتشل من جيب معطفه سيجارة أشعلها وغرق هو الآخر في موجة صمت على كنبة في الركن الأيمن.

خطى نسرين قادمة من المطبخ أحدثت في المكان جلبة، دارت توزع ضيافة على الحضور، وكادت سلسلة ترتديها تحمل في آخرها صورة؛ تنغمس في أحد الفناجين حين انحنت أمام عمها تقدم له القهوة.

"هذه صورة إبراهيم"، قالت وهي تتخذ مكاناً لها على الجانب الأيمن من الباب تحت برواز لرسم يدٍ يصور يداً تحمل ثلاث وردات حمراء اللون ومكتوب أسفلها أمي.

"إبراهيم كان طفلاً في الصف الأول الابتدائي عندما حضر الجنود إلى منزلنا وقيدوا يوسف واعتقلوه قبل اثني عشر عاماً"، ثم استرسلت في وصف علاقة شقيقها، وكيف كان الأصغر يواظب على زيارة الأكبر في السجون التي تنقل بينها، فلم يسبق له وأن تخلف عن أي منها حتى لو اضطر للتغيب عن المدرسة، إلا بعد أن أصبح في السادسة عشرة و"قطع هوية" ومنعه الاحتلال من الزيارة لدواعٍ أمنية.

وضعت يديها في جيبين على جانبي معطفها الصوفي الزيتي، نظرت إلى سقف الغرفة الذي نخرت الرطوبة دهان منتصفه، وقالت: "مع كل زيارة يحرص إبراهيم على ارتداء أجمل ما في خزانة ملابسه، يلتقط صورة (سيلفي) تذكارية، ثم يمضي ووالدتي إلى الزيارة. في نفحة حيث يقبع يوسف الآن؛ معظم الأسرى يعرفون إبراهيم، كان يلاطفهم جميعاً ويمازحهم، ويحدثهم عن آخر عرض مسرحي كوميدي قدمه على مسرح المدرسة".

راحت عينا إنصاف تأخذان لون الوردات اللاتي أهداها إياهن يوسف رسماً من معتقله، وأخذتا تغرورقان بدمعها، شهقت مرة، وغادرت المكان بخطى متثاقلة كتلك التي جاءت بها، "الله يعينك يمّا" قالت نسرين.

أشاح محمد بوجهه عن باب الغرفة بينما كانت زوجة أخيه تغيب بين غرف المنزل، عدّل جلسته وقبعته السوداء، وهمس غاضباً: "وكأن ليس في الدنيا سوانا. غضب الله كله نازل علينا. رحل شقيقي قبل سنة، وابنه في المعتقل، ونجلاي اعتقلا أيضاً، أحدهما قضى حكماً بالسجن لثماني سنوات".

سرعان ما عاد إلى صمته، وأخذ يغوص في مقعده بعد أن أعاد ساقيه فوق بعضهما، ومضى يطرق الأرض بمقدمة رجله اليمنى.

أخذت نسرين تروي العلاقة التي تجمع يوسف بإبراهيم رغم فارق السن الكبير بينهما، فيوسف عندما اعتقل كان عمره 19 عامًا وحينها كان إبراهيم في الخامسة، لكن ذلك لم يمنع أن يتعلقا ببعضهما.

"خططا سويًا أثناء الزيارات لشراء قطعة أرض يتقاسمانها، ليبنيا بيتين متجاورين أمامهما أشجار الزيتون والورود. يوسف لم يعد يرسل لنا رسمات ورد من السجن، منع الأسرى كلهم من إخراج أعمالهم إلى الخارج، آخر رسمة هي تلك وخص بها إبراهيم"، وأشارت إلى مجموعة من الرفوف أمامها، وضعت عليها صور لأخيها الأسير ووالدها الفقيد وأكواب ومجسمات زجاجية، وبرواز صغير لا يزيد ارتفاعه عن 15 سنتيمتراً.

"إبراهيم قبل خمس سنوات عندما أخبره مدربه في النادي الرياضي بأن الاختيار وقع عليه للالتحاق بفريق كرة القدم إلى فرنسا؛ فوراً هاتف يوسف في السجن ليفرحا سوية. السجن لم يفرقهما، كان لإبراهيم دوماً حصة الأسد من الزيارة، كنت أتناوب مع أمي على الذهاب معه للزيارة، مرة أنا ومرة هي، بس بكرة مش عارفة كيف بده يكون"، قالت نسرين وهي تواري لحظة ضعفها بالنظر إلى النافذة نحو تلال قريتها دير غسانة، فتلألأت عيناها بمجرد أن لامست أشعة الشمس دمعاتها.

فجر اليوم الأربعاء 10 شباط (فبراير) إنصاف داوود وابنتها توجهتا لزيارة يوسف في سجن نفحة، وإبراهيم هذه المرة وللأبد لن يكون ثابتاً في معادلة الزيارة، لن يستيقظ مبكراً، ولن يأخذ "سيلفي" أمام مرآته، ولن يقلق والدته بعبارات الاستعجال، ولن يساعد أمهات الأسرى في حمل أغراضهن، ولن يصعد فرحاً إلى حافلات الصليب الأحمر، ولن يمازح رفاق وإخوة شقيقه في المعتقل، ولن يلعن في طريق ذهابه وإيابه جنود الاحتلال، ولا حين يقابلهم وجها لوجه في نقاط التفتيش.

في 29 كانون الأول/ ديسمبر، تلقى أحمد داوود شقيق يوسف وإبراهيم، مكالمة هاتفية من الصليب الأحمر قال فيها المتحدث: "حاولنا مراراً الاتصال بإبراهيم. أخيراً وبعد عام من المنع لقد حصل على تصريح لزيارة يوسف وعليه الحضور لاستلامه، أرجو أن تخبره بذلك".

اليوم الأربعاء سيسري مفعول تصريح زيارة لأسير، منحته إسرائيل أواخر كانون الأول/ ديسمبر لإبراهيم داوود بعد 34 يوماً على استشهاده.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024