عمر الجوابرة.. شهيد بحقيبة مدرسية
دعاء زاهدة
نسيت والدة الشهيد الطفل عمر يوسف الجوابرة أن تطفئ نار الغاز الموقدة تحت قدر الطعام الذي كانت تعده للغداء في منزلها بمخيم العروب شمال الخليل، فنيران قلبها التي اشتعلت على خبر إصابة فلذة كبدها لم يمهلها كثيراً، فلا وقت للبحث عن الحياة اذ باغتك الموت في لحظة .
طرقات "مجنونة" على باب المنزل وعيون تجلل على حزنها بغطاء من الدموع التي سرعان ما سالت أنهاراً، فلم تسعف الصدمة والدة الشهيد الجوابرة لتبديل ملابسها، فاكتفت بغطاء الصلاة لتطير به الى المستشفى فترتل على رأس أبنها ترنيمة الوداع الأخيرة.
تستذكر والدة الشهيد" كنا في المنزل حين جاء الجيران ليخبروني بوجود شاب مصاب ولربما يكون شهيدا من أبناء المخيم، سريعا خطر على بالي أنه عمر، وبدون أن أراه، ودون يبلغني أحد، قلب الأم أخبرني أنه فلذة كبدي" .
تجلس والدة الشهيد في بداية الممر الطويل الذي يفضي إلى ثلاجات الموتى في المستشفى الأهلي في الخليل، لم تنم ليلتها السابقة منتظرة انبثاق أول خيوط النهار فتخرج مسرعة، حيث جسد ابنها البارد والوحيد.
تسير بخطوة إلى الأمام، تسندها نسوه المخيم اللواتي حضرن لمواساتها، لتصل إلى ممر على جانبيه يقف أصدقاء الشهيد وأقاربه يتلقوا التعازي .
الصمت في الموت سيد الموقف، لا أحرف ولا كلمات تسمعها وكل ما يتبادر إلى سمعك أصوات محركات الثلاجات التي تزعج العيون المسبلة على سرير الموت الأبدي .
تقف الأم على مسافة من عمر، تسرح لثواني في عيونه، وتشيح نظرها إلى الحائط الأبيض، "تفرك" عينيها لعلها تتأكد من أن هذا الكابوس حقيقي وأن روح عمر قد ارتحلت حقيقة الى بارئها.
تضع يدها على رأسه وتخاطب الرجال الملتفين حول رأس ابنها :"عمر تصاوب مرتين، مرة في رجله قبل شهر ومره في رقبته، والمرة آخر مره، عمر اليوم شهيد".
وفي طريقها إلى الخارج تلمح معلم عمر في المدرسة، تقترب منه وتسأله عن علامات ابنها، لتتأكد أن شهادة الفصل الدراسي الأول كانت تليق بشهادة أسمى وأعلى .
معتصم شقيق الشهيد لم يتزحزح منذ أمس من المستشفى بقي يقرأ القرآن على رأس أخيه، يبكيه وليحتضن أشقاءه الخمسة بعضهم في لحظة وداع أخيره لعل أحدهم يشد آزر الآخر.
أصدقاء الشهيد حضروا ليودعوه وحقائب المدرسة على ظهورهم، معلموه وزملاؤه بكوه بالدموع والدماء.
ويعبر المربي خضر ذياب مدرس الرياضيات في مدرسة العروب للبنين في شعور خاص: " أنا أعتبر عمر ابن لي؛ لأنه نعم الخلق نعم الاجتهاد ومن الطلبة المتفوقين في الصف، منذ اليوم الأول الذي رأيته في الصف بقي في الذاكرة ورسخ بحضوره المتميز وبذكائه الفذ واجتهاده ومرحه، ما دفع جميع المعلمين أن يتأسوا بنفس الأسى لحظة سماعنا خبر استشهاده، لطالما حلم بأن يكون طبيباً وكانت علاماته تؤهله لذلك فرزقه الله أسمى شهادة وأعلى مراتب".
جنازة عسكرية أوصلت جثمان الشهيد إلى سيارة الإسعاف التي نقلته الى منزله الذي تربى به للحظة الوداع الأخيرة، أزقة المخيم التي حفظت عمر وخلانه ودعته اليوم بعد الصلاة عليه من مسجد عمر بن الخطاب ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء في المخيم.
وكان الشهيد الجوابرة قد أستشهد أمس على إثر المواجهات التي اندلعت على مدخل مخيم العروب متأثراً برصاصة أصيب بها في منطقة الصدر.
وباستشهاد عمر الجوابرة 15 عام يرتفع عدد شهداء الهبة الشعبية منذ كانون الأول العام الماضي الى 170 شهيدا، منهم 35 شهيدا، من الأطفال و8 سيدات.