الفدائيون الثلاثة (1): الشهيد أحمد زكارنة.. عاشق القدس
هذه ثلاثيّة عن شهداء بلدة قباطية، الفدائيين الثلاثة: الشهيد أحمد ناجح زكارنة، والشهيد محمد أحمد كميل، والشهيد أحمد ناجح أبو الرب، منفذي عملية "باب العامود" في القدس المحتلة يوم الأربعاء 3/2/2016، التي قُتلت خلالها مجندة من قوات الاحتلال وأصيبت أخرى بجروح خطيرة. "الحياة الجديدة" تروي الحكاية من هناك بالصوت والصورة.
أمل دويكات- استيقظ من نومه مبكراً كعادته، صلّى الفجر بصحبتها، وجلسا يتلوان القرآن الكريم، أحبّ هذه المرّة تحديداً أن يجلس عند قدميها.
وبعد أن استحم وارتدى ثياباً أنيقة، وقف أحمد قبالة سرير أمّه، التي كان النعاس قد أسدل عليها غفوة، أفاقت وبدت عليها ملامح الدهشة "أحمد وين بدك تروح يما؟" فأجاب "عندي اليوم محكمة".
ودّعها وداع المُحبّ دون أن يصدّر إليها إحساساً أنه "المحبٌ الراحل"، وعندما بلغ باب المنزل حاول ألا ينظر في عينيها وانطلق.
تقول أم إسماعيل، والدة الشهيد أحمد ناجح زكارنة، إن بضع ساعات بعد خروجه من المنزل كانت كافية لتبدأ حالة القلق تنتابها وباقي أفراد الأسرة.
إنهم يحاولون الاتصال بهاتف أحمد والأخير لا يستجيب.
مرّت الدقائق طويلة عليها، ثم وجدت الهاتف في غرفته، ترك هاتفه حتى لا يعيقه عما يفكر به، وحتى لا يعذّب الفدائي أهله بتعداد احتمالات أسباب الغياب، أرسل إليهم رسالة من هاتف صديقه أنه في القدس كاتباً لهم "سامحوني".
أدركت الأم عندئذ أن مكروهاً يحيطُ بأحمد في تلك الساعة، إلا أن الخبر اليقين لم يأتها بعد، إذ تناقلت وسائل الإعلام أن عمليةً فدائية وقعت بالقرب من باب العامود في القدس المحتلة، وهناك شهيد أو أكثر في العملية. الأنباء غير المؤكدة، ومرور وقت أطول دون معرفة ما حدث، وتسرُّب خبر فقدان شبان من البلدة (منفذو العملية قبل تأكيد الخبر)، ورسالته الأخيرة، كلها جعلت أم إسماعيل تحس ذلك الإحساس الذي لم ترغب أن يكون حقيقةً في تلك اللحظة أو بعدها.. استشهد أحمد!
نعم.. وصل خبر استشهاد أحمد، وفي هذه اللحظة استقر قلب الأم ناطقة بعبارة "الحمد لله"، وهرع أهل البلدة جميعاً إلى منزل عائلة الشهيد لا يدرون هل يقدمون العزاء باستشهاده أم يعبرون عن مشاعر الفخر والاعتزاز بارتقائه في عملية فدائية من هذا النوع.
تقول أم إسماعيل، إن الشهيد أحمد كان يحب زيارة مدينة القدس والصلاة فيها، وفي شهر رمضان الماضي 2015، استطاع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك من خلال تسلق الجدار، حاله حال عشرات الشبان الذين حاولوا الوصول لعدم تمكنهم من الحصول على تصاريح للصلاة هناك.
فاطمة زكارنة، شقيقة أحمد، حاولت أن تسترجع بعض ما كان يفعله الشهيد في حياته مع شقيقاته الثماني، لقد كان شاباً مَرِحاً، يمازح الجميع، ويحاول إضحاك أهل بيته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، "لما كنا نجتمع احنا الاخوات المتزوجات يقعد بيننا ويقول: لما أتزوج ما رح أسمح لزوجتي تروح عند أهلها، عشان ما تقعد تحكي عني هي وخواتها مثل ما بتعملوا".
ابنة شقيقته ذات السنوات الخمس، أخبرت ذويها عن آخر حديث دار بينها وبين خالها الشهيد، كانت تمازحه قائلة "بدي أضربك" فرد عليها "وأنا رح أضربك على باب الجنّة"..
وكأنه كان ينعى نفسه قبل استشهاده.
أحمد شاب يحبُّ الجميعَ ويحبُّه الجميعُ، وطالما أحس بغصّة لما يحدث من اعتداءات احتلالية على المرابطات والمرابطين في الأقصى المبارك، أحبّ القدس وتمنّى الشهادة فيها فكان له ما أراد، هكذا تقول والدته، ولعل أكثر ما يبرد نيران القلوب لرحيله "هو أنه رحل شهيداً وبهذه الطريقة" دون أن يكمل بعد عامه العشرين.