الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

المثقف الفلسطيني في زمن القلق الاسرائيلي

يامن نوباني

كان كمال ناصر يكتب مقالة عن الشاعر عيسى نخلة ليلة العاشر من نيسان عام 1973، عندما اغتالته وحدة اسرائيلية خاصة في بيته ببيروت، كما اغتالت قبله وبعده العديد من الأدباء والشعراء والمثقفين في محاولة لإسكات الصوت والقلم الفلسطيني المقاوم.

واليوم تمارس اسرائيل اسلوب الاعتقال لإسكات نشطاء التعبير عن الحق الفلسطيني الذين يعبرون عن دورهم في النضال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ففي العاشر من تشرين اول من العام 2015 اعتقل الاحتلال الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور (33 عاما) من بلدة الرينة بأراضي العام 48، بتهمة التحريض على العنف لأنها نشرت قصيدة على موقعها بعنوان "انتفضوا أبناء شعبي انتفضوا"، ما يعيد الى الاذهان زمن محاربة الكلمة والقصيدة والصوت الفلسطيني الحر.

رئس ناصر تحرير مجلة فلسطين الثورة، منذ انشائها في حزيران 1972، وكان استاذا للأدب العربي في الكلية الأهلية برام الله عام 1947، وأصدر مع زملاءه جريدة البعث عام 1948 في رام الله، ومجلة الجيل الجديد عام 1949 في القدس.

لم يترك الاحتلال وسيلة إلا واستخدمها في قمع الحراك الثقافي الفلسطيني منذ بداياته، وملاحقته حتى خارج حدود فلسطين، وكان من أبشع ما نفذه الاحتلال ضد الحركة الثقافية الفلسطينية اغتيال غسان كنفاني، الكاتب والروائي والقاص والمقاوم الفلسطيني، في تموز 1972 في بيروت، كما لم يتردد يوما بملاحقة الأدباء والشعراء والكُتاب، بالاعتقال والإبعاد والمضايقات، مرورا بإغلاق الصحف والمجلات السياسية والثقافية، وحظر أعمدة، وحذف مصطلحات من مقالات كمصطلح وطن، كما أنه قصف مبانٍ لإذاعات وتلفزة فلسطينية، وأغلق وأقتحم الكثير منها، في إطار ملاحقته للكلمة والصوت الفلسطيني.

يقول الكاتب والقاص محمود شقير، من مدينة القدس: كان من نتائج عدوان حزيران 1967 على الحركة الثقافية الفلسطينية وعلى الصحافة أن توقفت جريدة القدس عن الصدور مدة عام تقريبًا، وكانت هي الصحيفة الوحيدة في الضفة الغربية، وتم اعتقال بعض الكتاب وإبعاد آخرين في السنوات الأولى للاحتلال، وكانت تمارس رقابة عسكرية مباشرة على الصحف، بحيث كنت ترى بعض المربعات البيضاء على صفحات الصحف، ما يعني أن الرقيب حذف خبرًا ما، وظل أثر الحذف باديًا للعيان.

ويضيف شقير، جراء القمع الاحتلالي ومراقبة الصحافة، لجأ بعض الكتاب إلى نشر مقالاتهم ونصوصهم بأسماء مستعارة، "أنا مثلاً نشرت قصصًا في جريدة الاتحاد الحيفاوية باسم: ربحي حافظ. ونشرت مقالات في جريدة القدس باسم: فارس أبو بكر."

وحين صدرت جريدة الطليعة الأسبوعية في القدس، التي أصدرها الصحافي الفلسطيني إلياس نصر الله وكان رئيس تحريرها الشخصية الوطنية المعروفة بشير البرغوثي، منعتها سلطات الاحتلال من التوزيع في الضفة الغربية وقطاع غزة، كانت توزع فقط في القدس وفي ما وراء "الخط الأخضر". ومن كان يقبض عليه في الضفة أو في غزة ومعه الطليعة كان يحاكم ويسجن.

في سنوات سابقة دخل السجون الإسرائيلية كتاب وصحافيون ومثقفون كثيرون، وقد أبعدت سلطات الاحتلال عددًا غير قليل منهم إلى الأردن ولبنان.

كذلك فرضت رقابة على الكتب الواردة من البلدان العربية إلى فلسطين، بحيث لم يكن يسمح لأي كتب تعالج القضية الفلسطينية أو تتعرض للحركة الصهيونية وإسرائيل، بالدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، وقد أدى ذلك إلى عزلة حرمت الكتاب الفلسطينيين لسنوات طويلة من مواكبة ما يصدر من كتب في الوطن العربي.

وحتى يومنا هذا ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنع دخول الكتب المطبوعة في بيروت. والكتب التي يتم إدخالها إنما يتم ذلك بكميات قليلة مع الزوار أو ما شابه ذلك.

كما عمدت سلطات الاحتلال إلى الإغلاق الجزئي للصحف عقوبة على ما تعتقده هذه السلطات تجاوزًا لما تعتبره خطوطا حمراء. والأمر نفسه، أي الإغلاق الجزئي، طال المسرح الوطني الفلسطيني مرات عديدة. ولا ننسى الإغلاق الدائم الذي طال بيت الشرق في القدس.

ويشير الكاتب المقدسي، ابراهيم جوهر، الى أن كل من كتب في صحافة السبعينات والثمانينات تعرضت مقالاته للحذف الجزئي أو الكلي، وكانت الرقابة العسكرية على الصحف والمجلات وكان الرقيب العسكري حاضرا برهبته وسطوته ويمنع نشر قصائد وقصص قصيرة وأحيانا قصص الأطفال، ولجأ الكُتاب إلى التحايل عليه باللغة والرمز، وفي بدايات السبعينات منع وربما حوكم أسعد الأسعد وعلي عثمان على كتابهما حول التعليم في ظل الاحتلال، كان المعيار عدم الاقتراب من تحديد الهوية الوطنية أو التوعية (التي كانت تسمى تحريضا). كثيرون منعت مقالاتهم من النشر، أو حذفت فقرات منها، وأحيانا كان الرقيب يحذف كلمة واحدة!

كنفاني "ممنوع"!

قبل عشرين عاما وأكثر، لم تكن حيازة مؤلفات غسان كنفاني بالشيء السهل، ولا كان مرورها هينا، تقول الصحفية ميرفت ابو جامع من غزة حول محاولتها الحصول على واحدة منها: كُنت في المرحلة الثانوية، وكان والدي تاجرا يتنقل بين غزة ومصر، كتبت له في ورقة أن يجلب معه رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، سمعت عنها في تلك الفترة، وتشجعت لقراءتها، وكانت الكتب محدودة الوصول إلى مكتبات غزة، خاصة أنني أعيش في بلدة أقصى جنوب قطاع غزة، بعيدةً عن المناطق المركزية، التي لم أكن اعرف عنها شيئًا، لا بحدودها الزمانية ولا الجغرافية بفعل الاحتلال وحواجزه وهواجس الرهبة لدى الأهل من التنقل إبان فترة الانتفاضة خاصة للبنات آنذاك.

وتتابع أثناء عودة والدي من تجارته، احتجزه جنود الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح، وكان قطاع غزة يخضع وقتها بالكامل لما تسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، لم يكن احتجازه هذه المرة، بسبب تجارته أو لفرض الضرائب كالعادة أو تفتيشها، بل لحيازته كتاب "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، وذلك حتى بعد مرور أكثر من 20 عامًا على غيابه؟! وتضيف ابو جامع: والدي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولا يعرف من هو غسان حتى ما اسم الكتاب، قال: أحاطني الجنود من كل ناحية، وخفت كثيرًا، وتساءلت: ما هذه القنبلة التي أوصت بها ابنتي فجلبتها لها؟!. أخفيت ابتسامتي خوفًا من أن استفز أعصابه، والحقيقة أني لم اعرف عن الكتاب شيئًا، فزاد فضولي أكثر كي اعرفه، وللأسف صادر الجنود الكتاب مع هدية كانت أرسلتها لي صديقتي المقيمة في مصر ازعجت الجنود. سألت عن الكتاب في مكتبة مدرستي الخنساء الثانوية، وهي بائسة وعبارة عن بعض كتب قديمة ومهملة في مخزن مدرسي صغير، ثم حصلت عليها بعد سنوات من احد المكتبات.

الكتابة نضال...

يقول الناقد، عادل الأسطة، "إنه لم يكن مسموحا بتداول صحف الحزب الشيوعي ومجلاته، في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن تمسك بحوزته يسجن ستة أشهر ويدفع غرامة، وحدث معي مرة ان اعتقلتني دورية للاحتلال على دوار مدينة نابلس لأنني كنت أحمل مجلات أحضرتها من جريدة الشعب وكانت ممنوعة، احتجزوني لأربع ساعات.

كانت الكتب تتعرض للمصادرة، والكُتاب يتم سجنهم وابعادهم بسبب نشاطهم الأدبي والسياسي  كمحمود شقير واكرم هنية وخليل السواحري ومحمود قدري وعلي الخليلي، وأيضا أدباء الداخل، خاصة القوميين واليساريين، كلهم سجنوا بسبب كتاباتهم، ومن هنا كتب توفيق زياد كأننا عشرون مستحيل.

كان الأدباء والكُتاب والشعراء يقارعون المحتل بالكتابة التي كانت جزءا من النضال المتوفر لديهم، وهذا ما مارسه أيضا الكتاب الشيوعيون والوطنيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنهم زكي العيلة ومحمد أيوب، وان لم تخني الذاكرة فقد تعرض مروان العسلي وجمال بنورة للاعتقال بسبب النشر والكتابة، وانا احتجزت على حاجز النصارية في التسعينات، بسبب كتاب، كما أن مدراء المدراس كانوا يخشون من احضار الطلاب كتبا لغسان كنفاني، وهذا أسهم في إضعاف حركة النشر في ذلك الوقت.

كثيرة هي الصحف والمجلات التي أوقفت لفترة أو فترات، وكل مادة كانت ستنشر فيها، كانت تعرض على الرقيب، بل إن كتب مكتبات المدارس كانت تخضع لضابط التعليم الاسرائيلي، وكتب اسعد الاسعد كتابا حول الموضوع.

تقول الصحفية نضال رافع، كنت في الثالثة عشر من عمري، في حافلة متجهة من حيفا إلى القدس، أقرأ في كتاب "الانتفاضة الفلسطينية.. الهيكل التنظيمي وأساليب العمل"، للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، واعتقلني الاحتلال يومها بسبب الكتاب، ونقلني الى مركز توقيف المسكوبية، حيث تم التحقيق معي لمدة اربع ساعات، وكل الأسئلة كانت تدور حول حيازتي هذا الكتاب.

وشهدت سبعينات وثمانينات وحتى بداية تسعينات القرن الماضي، حربا على الكتابات الوطنية، التي كان ينشرها الكُتاب والشعراء والصحفيين، فقد تعرضت صحيفة القدس والتي صدر العدد الأول منها بتاريخ 19-11-1968 للعديد من المضايقات من سلطات الاحتلال؛ حيث تم إغلاقها ومنعها من التوزيع خلال الفترة 22/12/1987 ولغاية 9/1/1988. وفي العام 1974 صدرت صحيفة "الشعب"، إلا أن الاحتلال فرض عليها الإغلاق مرات عديدة، ومنعها من التوزيع.

 كما شهدت تلك الفترة صدور العديد من المجالات الأدبية والعلمية المتخصصة مثل: مجلة "فلسطين الطبية" ومجلة "ألوان الأدبية" ومجلة "البيادر"، والتي تعتبر تأسيسا لمرحلة جديدة في الحركة الأدبية والثقافية، ومجلة "الكاتب" ومجلة "الفجر الأدبي" وصدرت في أوائل الثمانينيات مجلة (الكتاب) لأسعد الأسعد؛ وفي عام 1982 صدرت أيضاً مجلة (العودة)؛ وفي بداية العام 1984 صدرت مجلة (العهد) كمنبر ثقافي تقدمي يصدر كل نصف شهر؛ وفي أيار عام 1987 صدرت مجلة (الشراع)، وتعرضت في معظمها لمضايقات الاحتلال، الذي سعى الى طمس الرواية الفلسطينية، ومنعها من خلق جيل يقرأ ويكتب حالته.

الاعتقالات الأخيرة لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشرهم قصائد وكتابات من وحي حالة رفض الاحتلال والدعوات الى مقاومته، والتي كان آخرها اعتقال الشابة دارين طاطور  (30 عاما) من بلدة الرينة في اراضي 48، تُعيد إلى الأذهان زمن محاربة الكلمة والقصيدة والصوت الفلسطيني الحر، العقول والابداعات والمنجزات التي لاحقها وضيق عليها الاحتلال.

من سجونهم كتبوا، على لفائف الورق قصائد ومحطات تاريخية وتجارب شخصية، عشرات الكتاب والروائيين والشعراء والمفكرين الفلسطينيين، ومن السجن خرجت كلمات أغنية: أحن إلى خبز أمي. ومن المنافي كتب ماجد أبو شرار مجموعته القصصية "الخبز المُر"، ولم يحتمل الاحتلال أفكار ماجد والتي يجود بها قلمه السيال كما لم تحتمل من قبل كتابات غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان. فدبر له عملاء الموساد شراكا قاتلة كان ذلك في صبيحة يوم 9/10/1981 حيث انفجرت تحت سريره قنبلة في أحد فنادق روما أثناء مشاركته في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فصعدت روحه إلى بارئها ، ونقل جثمانه إلى بيروت ليدفن في مقابر الشهداء.

الاعتقالات الأخيرة لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشرهم قصائد وكتابات من وحي حالة رفض الاحتلال والدعوات الى مقاومته، ومنها اعتقال الشابة دارين طاطور (30 عاما) من بلدة الرينة في أراضي 48، تُعيد إلى الأذهان زمن محاربة الكلمة والقصيدة والصوت الفلسطيني الحر، العقول والابداعات والمنجزات التي لاحقها وضيق عليها الاحتلال، وإن اختلفت شدة الأدوات القمعية، واقتصرت في المرحلة الحالية على الاعتقال لفترة قصيرة، بسبب قصيدة، بينما كانت قبل عشرات السنوات تقوم على الاغتيال الجسدي، ومنع السفر والتنقل، والمطاردة والتضييق، بعد أن يشكل الكاتب بروايته وقصائده حالة توعوية وثورية هائلة ومؤثرة في المجتمع الفلسطيني والوطن العربي وحتى العالم، ففازت الكاتبة والأسيرة المحررة عائشة عودة بجائزة ابن رشد للفكر الحر 2015 عن أدب السجون، بينما وصلت أعمال أدبية مختلفة تروي معاناة ونضالات الشعب الفلسطيني الى قائمة البوكر القصير، عملاً بقول درويش: "من يكتب حكايته يرث أرض الكلام، ويملك المعنى تمامًا".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025