في أزقة المخيم..
إيهاب الريماوي
على بعد 300 متر من باب المخيم على الشارع الرئيسي، التصقنا بحائط من الطوب نحتمي به من رصاص قناصة إسرائيليين، انتشروا على الجهة اليمنى على طول الطريق.
الأول، تلاه الثاني فالثالث.. أصبحوا خمسة جرحى.
"يا محمد..يا محمد.. إطلع عالدار يما" صاحت أمّ على الجهة المقابلة تستجدي إبنها الصعود إلى المنزل حتى لا تخترق رصاصة جسده، عاجلتها امرأة تقف جانبها بالقول: "والله ليموت".
بينما كنا نسترق النظر لترقب الأحداث من خلف الجدار، أطل علينا مرشد المخيم "هكذا عرّف عن نفسه" وقال: "اتبعوني، سأنقلكم لمكان آمن مطل على الأحداث".
كنا بضعة صحفيين تقافزنا، تبعناه صعودًا في زقاق المخيم، عين ترصد القناصة خشية الرصاص والأخرى تلحق المرشد.
كان هدفنا يبعد عن الجدار بضعة أمتار، ونحن نسير إليه انتشرت نساء المخيم وأطفاله، كانوا يتقاذفون الأخبار، فأدركنا ما الذي يحدث.
واصلنا الهرولة خلف الدليل، أخذنا يسارًا، ثم إلى اليسار الآخر في زقاق المخيم، فوجدنا أنفسنا نقترب من جديد نحو الشارع الرئيسي حيث ابتعدنا.
كان يلتفت "المرشد" برهة ليتأكد أننا ما زلنا نتبعه، لم يقل شيئًا، كان متوترًا ويبدو عليه الخوف.
المكان الآمن الموعود، لم يكن في الحقيقة آمنًا، "اسعاف"... صاح أحدهم وكان ملقى على يسار الزقاق بجانب سور بيت، امسك بيده فخذه الأيسر بجانب الركبة.
شاب آخر في الجهة المقابلة، كان يئن أيضًا طالبًا العون، وسيارات الإسعاف لا يكف صفيرها يملأ سماء المكان، وثالث مصابًا في قدمه على الحال ذاته.
ثوان وتحولت الزقاق إلى عيادة ميدانية، عجت بأبناء المخيم، بعضهم يلتمس جروح البعض وآخرون يتذمرون من تأخر الإسعاف.
على جانب الزقاق أمسك شاب رأسه الذي شُجّ بضربة من عقب بندقية وهندامه يدلل على أنه خرج للتو من معركة.
"للتو خرجوا، منذ الثامنة والنصف وهم لم يغادروا منزلنا، قلبوا عاليه واطيه، لم يتبق شيء على حاله، كانوا يبحثون عن شقيقي أيمن ومحمد في كل مكان حتى تحت الكنب وفراش الأسّرة وخلف الأبواب". يقول الشاب الذي رفض ذكر اسمه.
"لم يعثروا على محمد ولا على أيمن، غادر جيش الاحتلال مخيم الأمعري بعد اقتحامه لساعة ونصف، خلفوا 28 مصابًا برصاص "التوتو" أحدهم في رأسه"، يضيف.
تمنيت لو تبادلت الحديث مع الدليل، ولو أنني طلبت رقم هاتفه لأطمأن عليه ولأعلم إن كان الابن قد عاد إلى منزله، ولكنه اختفى فجأة كما أطل.