الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

عثمان ناصر.. ملح البيرة وصباحها الراحل

يامن نوباني

لن يعود المارة يدققون بملامح الرجل المبتسم وهو يجلس خلف طاولة من فوضى الصحف والأوراق والأقلام والمجلات والكتب والتفاصيل المكتبية، في بداية شارع النهضة، أهم شوارع مدينة البيرة، الذي يبدأ  بدوار المنارة قلب المدينة النابض على الدوام.

على الجانبين بنايات تجارية ومحال منفردة متلاصقة، تتوسط المسافة بين البنايات ذات الطوابق المتعددة، غرفة بحجم ستة أمتار طول، وأربعة عرض، في سقفها سدة، على الواجهة فوق باب زجاجي عتيق كُتب: المكتبة العلمية  تلفون 64 ص.ب: 64، يمر عنه الطلاب في طريقهم إلى مدارسهم يشترون قرطاسيتهم وحاجياتهم المدرسية، تعرفه الأمهات اللواتي يهدين أطفالهن قصصًا وحكايات، قراء الصحف اليومية والمجلات المتنوعة.

توفي عثمان ناصر، من دير غسانة شمال غرب رام الله، صاحب المكتبة العلمية، والتي ورثها من شقيقه المرحوم نبيل، الذي بدوره ورثه عن والده جميل بعد وفاته، تاركًا خلفه أثرًا ملموسًا في زبائن لم يتبادلون معه الكثير من الكلام.

ولعل الكتابة عن الراحل عثمان ناصر كبائع صحف وكتب فيه ظلم كبير للرجل، فهو واحد من رموز المدينة وملحها.. وعلما من معالم شارع النهضة وميدانها.

الفنان كامل قلالوة من قرية الجديدة في جنين، يتحدث بدهشة عن عثوره على المكتبة العلمية: رفوف يختلط بها الحديث مع القديم، في الزاوية العليا الصناديق المرتبة فوق بعضها هي مغلفات بنية للرسائل عمرها خمسون عاما من بريطانيا، وبطاقات ذات وردة بيضاء عمرها 52 سنة، لوحات تعليمية ترجع الى أواخر الستينات، بطاقات تستخدم بدل "البيزنس كارد" من الثمانينات اسمها "ديارة"، ورق رسائل عمره اكثر من 40 سنة. اشتريت دفتر للرسائل عليه صورة الممثلة جين سيمونز عمره 40 سنة، دفتر الأوتوغراف، بطاقات شخصية، دفتر القدس، بطاقة بريدية عمرها اكثر من 50 سنة، دفتر القدس باللون البني وعليه قبة الصخرة، مغلفات رسائل، علبة كاملة من المحايات ودبابيس انقرضت اليوم، ما عليك إلا أن تدخل المكتبة وتدفع 50 شيقلا لتخرج ب50 سنة من التاريخ.

عثمان معلم العلوم العامة في مدارس شمال غرب رام الله، عرفه طلابه بكرهه للضرب، واعطاءه العلامة لمن يستحقها، وعرفه جيران المكتبة بالابتسام الدائم، شفيق وهو صاحب مقهى ابو سليمان، قال انا جار عثمان منذ 61 عاما، منذ كان شارع النهضة عبارة عن خربة، والمباني والشوارع المحيطة عبارة عن حواكير مشمش وتوت، أفتتح مقهاي مع ساعات الفجر الأولى، حين يتأخر عثمان أستلم نسخه من الصحف، في كل صباح يصله 30 عددا من جريدة القدس، و10 نسخ من جريدة الأيام، و10 من جريدة الحياة، كان جارًا ودودًا طيلة عشرات السنوات من الجيرة.

على باب المكتبة المغلق اصطفت مقاعد مقهى ابو سلمان، امتدت حتى آخرها، في وجوه الجالسين هناك يوميا بانتظام، علامات فقدان صاحبها، ودعوات بالرحمة، عشرات المحال التجارية والشركات تفتح أبوابها، شارع يمتد ويزدحم بالمارة والباعة المتجولين والمركبات، صباح عادي للذاهبين لشؤونهم المختلفة، بضع زبائن ومعارف فقدوا الرجل الذي لم يعتادوا غيابه.

على رفٍ علوي، قطعة واحدة لا يتجاوز عرضها 50 سم وطولها 30 سم، مكونة من راديو وتلفزيون ومسجل مشترك، خلف الباب رفوف فوقها لوحات لفنانين فلسطينيين لم يعودوا في الواجهة، أسماء مطابع ودور نشر انتهت منذ زمن، ميزان ورق، مجلات حديثة وقديمة بأسماء لا يراها الشخص في مكتبات أخرى، وكأنه يكتشفها أول مرة، ما بين دينية وسياسية وفكرية وأدبية واجتماعية وثقافية، كمجلة كنعان والاسراء ومداد،  على زجاج الباب علقت لافتة صغيرة كُتب عليها: حملة النظافة المدرسية، ألصقت منذ العام 1995 تحمل أطفالاً ينظفون بيئتهم ويزرعون شجرا.

في شارع النهضة، منذ أيام قليلة توفي أستاذ مدرسة متقاعد اسمه عثمان، ليس مشهورًا لدى الناس، لكن الناس تحفظ مكانه وملامحه، حافظ على مكتبة تجاوز عمرها 62 عامًا، فيها ما ليس في غيرها، المكتبة الوحيدة في شارع يضج اليوم بالمطاعم ومحلات الألبسة والشركات ومواقف الحافلات وباعة الشوارع والمارة.. مكتبة منزوية ومعتمة، لكن الضوء يُشع من مقتنياتها وقرطاسيتها التي تحمل رائحة الستينيات.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025