وداعا هيكل
رحل عميد الصحفيين العرب، ولعله أكثر من ذلك وقد طبقت شهرته الآفاق خاصة منذ سبعينيات القرن الماضي، وبعد ان باتت مقالته في الأهرام القاهرية "بصراحة" مقالة الموقف والسياسة والرؤية، لمصر وزعيمها وزعيم الأمة، جمال عبد الناصر، رحل "الأستاذ" الذي صال وجال على مدار أكثر من سبعين عاما في عالم الصحافة والإعلام، العالم الذي دخله أول مرة مراسلا حربيا، ثم لسبعة عشر عاما كان رئيسا لمجلس إدارة وتحرير صحيفة "الأهرام"، وبعد ذلك "أخبار اليوم".
وفي مطلع السبعينيات كان وزيرا للإعلام، ووزيرا للخارجية لمدة أسبوعين لغياب وزيرها "محمود رياض"، وغير ذلك ثمة مناصب عدة عرضت على هيكل تسلم بعضها، وبعضها ظل مشروعا مطروحا عليه.
وقيل- ذات مرة- إن الصحفي الوحيد الذي كان الزعيم عبد الناصر يطلب لقاءه باستمرار هو "هيكل"، في الوقت الذي كان الصحفيون في القاهرة جميعهم، يطلبون لقاء الزعيم، وحين سئل الزعيم عن سبب ذلك قال "الصحفيون يأتونني لياخذوا مني المعلومة والموقف، بينما هيكل يعطيني المعلومة، ويحاورني في الموقف".
وقيل- أيضا من نقاد ومثقفين- إن ثلاثة ظلوا مقروئين على امتداد الوطن العربي، محمد حسنين هيكل، ونزار قباني، ومحمود درويش، وكان مقال هيكل في "الأهرام" موضع دراسة وتحليل في العديد من مؤسسات ودوائر صناعة القرار السياسي العربية والأجنبية.
وفلسطينيا يذكر أن "هيكل" هو من قام بتقديم قيادة حركة فتح إلى الزعيم جمال عبد الناصر، الذي ظل لفترة، وخاصة قبل معركة الكرامة الخالدة، في توجس تقارير المواقف التنظيرية والمخابراتية، التي كانت ترفع عن حركة فتح..!!
ولم يكن هيكل كاتبا صحفيا بعشرات المئات من المقالات فحسب، بل مؤلفا للعشرات من الكتب، ومحررا لكتب كثيرة منها "فلسفة الثورة" لجمال عبد الناصر، وبقدر ما كتب "هيكل" كُتِب عنه- تقريبا- وهو الذي كانت تطلبه مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية الدولية والعربية لأجل استشارة أو محاضرة.
هو بحق واحد من قامات مصر المديدة، وعلامة من علاماتها الكبيرة، ودالة معرفية وحضارية من دلالاتها، وبرحيل هيكل ترحل كل تلك المراحل التي تسيد بلاغتها الصحفية والمهنية... وإنها- حقا- لخسارة كبيرة، لكنها مشيئة الله عز وجل الذي نرجوه ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وإنا لله وإنا إليه راجعون.