بهاء عليان.. رحيل الجسد وحياة الفكرة
يامن نوباني
عند العاشرة صباحًا بتوقيت القراءة والشهداء، أكثر من خمسمائة من طلبة جامعة بيرزيت، تجمهروا على مدخل كلية الآدب، في انتظار محمد عليان، والد الشهيد بهاء عليان، صاحب أول فكرة لسلسلة قراءة، وعائلة الشهيد مهند الحلبي، التي حضرت بأكملها، تخليدًا لفكرة سلسلة القراءة.
ناشط طلابي صعد فوق حوض زراعة على مدخل كلية الآداب، وأخذ يحشد الطلبة استعدادا لانطلاق السلسلة، دقائق بعد العاشرة، الطلبة يصطفون على الرصيف الطويل الواصل بين "الآداب" وكافتيريا الجامعة، أكثر من 90% منهم "إناث"، يحمل كل مشارك كتابا.
والد الشهيد بهاء تجول على السلسلة، فحيا المشاركين فردا فردا، قائلا: أهمية هذه السلسلة أننا شعب يحب الحياة، لا يعشق الطعن، لكنه اضطر اليه كوسيلة ليحيا، واحياء ذكرى الشهداء يكون بالسير خلف نهجهم الثقافي والاستمرار في احياء الفعاليات الثقافية.
وتحدث عليان، عن أهمية الثقافة في فكر الشاب المقاوم، باعتبارها السلاح الاول الذي يقدر على إعادة ترتيب المجتمع بما يليق به للتحرر والنهوض، وضمان سلامة نهج المقاومة، حين يعرف المقاوم متى وكيف يستخدمها.
لوحظ في عناوين الكتب التي كان الطلبة يحملونها، أن معظمها انتاج أدبي وفكري فلسطيني، حيث طغت الحالة السياسية والوقائع على الأرض على توجه الطلبة في القراءة، فمالت القراءات تجاه كل الذين كتبوا عن الحالة الفلسطينية، فكان حسين البرغوثي وغسان كنفاني ورضوى عاشور الأكثر انتشارًا بين أيدي الطلبة، وكتاب آخرون عرب وعالميون كتبوا في الثورات والتحرر والانعتاق من عبودية محتليهم.
منسق حملة القراءة، محمد جرادات، قال "إن سلسلة بيرزيت اليوم هي استكمال لما بدأه الشهيد بهاء في باب العامود، هدفها تعزيز الثقافة والتضامن مع ذوي الشهداء".
طال الهندسة المعمارية، معاذ محمد، رأى في السلسلة فكرة معنوية أكثر منها مادية وملموسة، حيث أبدى استغرابه من انصراف عدد كبير من الطلبة بعد دقائق عدة، منوهًا إلى أن هذه الفعاليات انطلاقة للعديدين ليبدأوا القراءة، وأنها محاولة يجب أن تستمر لما فيها من جمالية في تثقيف الطلبة.
الطالبة رند صافي، تقول: جئت بكتاب "أوراق شهاد حرب" لزهير الجزائري، والتي تحكي المجازر التي تعرض لها أبناء شعبنا في تل الزعتر في لبنان، هذه الاجواء مناسبة لقراءة معاناتنا واستمرارنا أحياء ومدافعين عن قضيتنا برغم كل ما تعرضنا له.
ساهمت الفكرة ايضًا بخلق علاقة اجتماعية غريبة، جعلت طلبة كُثر يقفون لتحية أهالي الشهداء، ويحتضنونهم، في علاقة عابرة في الوقت، عميقة في الأثر والمدى.
عشرة آلاف مشارك التفوا حول أسوار القدس العتيقة، بدءا بباب العامود في السلسلة الأولى التي بدأها الشهيد بهاء، في اذار 2015، استشهد بهاء في كانون الاول من العام نفسه، واستمرت فكرته، فمئات الطلبة شاركوا في جامعة الخليل بسلسلة القراءة في الأول من شباط الحالي، تبعتها جامعة القدس بسلسلة أخرى في الثالث عشر من الشهر الجاري، واليوم تقوم بيرزيت بدورها في نشر فكرة القراءة والثقافة، لما تحويه السلسلة من إغناء الطلبة فكريًا وجمع آلاف والمئات في مشهد غير مألوف على موائد القراءة دفعة واحدة، بفضل فكرة شهيد ما زال جسده معتقلا في ثلاجات الاحتلال منذ 130 يوما، بينما حلقت فكرته حرة فوق أرض فلسطين.
_