حب الجزائر الذي هز شباك قلوبنا- حسن سليم
لا يفاجئنا، ولن يفاجئنا، هذا الحب من الجزائر، الذي يرفض ان يكون عاديا، أو حتى يشابهه فيه الآخرون.
في مباراة الإخوة بين الفدائي الفلسطيني والمحارب الصحراوي الجزائري الشقيق، لم يكن المشهد قابلا للفهم، أو التفسير حتى، بل كان اكبر من قدرة الوعي الإنساني الطبيعي أن يتفهمه، ونحن نشاهد الزحف الجارف نحو المدرجات الذي فاق الثمانين ألف متفرج، ولو اتسعت المدرجات للمليون لحضروا، ليهتفوا جميعا "فلسطين الشهداء فلسطين "، فيما نحن على عتبه أبواب السؤال نبحث عن الإجابة على ما معنى أن تفرح الذات لهزيمتها من الشقيق، بل أن تهدد ذاتها، أن لم يفز عليها الشقيق.
"مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، الجملة السياسية التي أطلقها الخالد الهواري بومدين، وتحمل كل معاني الحب والوفاء، لم يكن يُتصور أن تكون دستوراً مقدسا ثابتا، وقانونا ناظما للعلاقة بين التوأم فلسطين والجزائر طيلة هذا المشوار، رغم كل ما حمل الزمن العربي المتعب من تغيرات طالت فيه كل شيء، من وعي وقيم، حتى العلم تبدلت ألوانه.
قصة العشق غير القابلة للمنافسة بين فلسطين والجزائر، ليست وليدة عقد من زمن، بل عقود فاقت الثمانية، أولاها كانت منذ الهجرة الأولى في العهد العثماني، بعد احتلال فرنسا للجزائر عام 1830، حينما سكنوا مدينة صفد، بعد حركة المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، وشجع الآلاف للقدوم، وأقام لهم خمس قرى، ماروس، ديشوم، عموقة، الحسينية والتليل، التي استسبل سكانها، ولم يبخلوا بالدماء دفاعا عن ثراها، وسبق للأمير الجزائري زيارة مدينة صفد الفلسطينية، سنة عام 1856.
لم تتوقف الجزائر، عن حبها المقدس، طيلm صراع الفلسطينيين مع الاحتلال، منذ بدايته، فكانت على الدوام معنا، دون اشتراط، تعزيزاً لجملة الخالد بومدين، "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، فكانت الدائم، بل والسباق للاحتضان، والاعتراف بحقوقنا، ودولتنا، وعلمنا، فكانت من اوائل الدول التى تعترف بمنظمة التحرير الفلسطيني، فتم افتتاح اول مكتب للمنظمة في صيف عام 1965 وعين سعيد السبع اول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية بعد انتصار الثورة الجزائرية، وهي الدولة الاولى التي اعترفت بدولة فلسطين، بعد إعلان الاستقلال في 15 نوفمبر 1988، في الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني في الجزائر العاصمة، وقامت بإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة معها، ولهذا استحقت أن يكون الإعلان للدولة من عاصمتها، ولتكون أولى الشاهدين على ولادتها، فكانت القابلة والمرضعة للوليد الذي استحقت أن تكون أول منطوقة.
وفي الهبة الشعبية الفلسطينية، التي طالما سأل البعض عن سر توشح المنتفضين بالعلم الجزائري، دون غيره، وعن سر رفع المشجعين لعلم الجزائر، رغم انها ليست احدى الفرق المشاركة، لم يكن يعلم أن الجزائر هي أم الولد، وان كان لأبوين فلسطينيين.
صحيح أن الفدائي الحر بعد طول قيد، سامح مراعبة، قد سجل هدفا في شباك المحاربين، في لقاء الاخوة، لكن الحب الجزائري هو الذي كان يهز شباك قلوبنا، ويسجل الهدف تلو الآخر في وعينا وعقولنا وقلوبنا، كيف لا، وهي المدرسة الأولى في التضحية، بلد المليون ونصف المليون شهيد، البلد التي استقبلت هدف الفوز، بالفرح، ليكون درسا جديدا في الوفاء.
بالطبع، ليس من السهولة، استبدال الوفاء، بالكلمات، ولكن هذا ما نملك، لعلنا نرد بعضا من جميل، وذلك اضعف الإيمان، لنناجي من هو اعلم بضعفنا، أن يحفظ الجزائر وشعبها، قوية، وفية.
hasan.media@yahoo.com