مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

ملح البيت

رامي سمارة وإيهاب الريماوي

بدا هادئاً أو هكذا أراد أن يُرى، بزاوية قائمة جلس فوق أريكة على يمين غرفة الاستقبال، وضع راحتيه أعلى فخذيه، وراح يشكر الله على كل حال.

"أين كنا وأين أصبحنا"، عاجل الحضور وهو يعدل ياقة معطفه الرسمي، ويضع ساقاً فوق أخرى.

كيف لسمير الريماوي ألا يكون مطمئنا وقد تلقى للتو رسالة من نادي الأسير، تؤكد أن ابنه عمر على قيد الحياة.

"بعد أن سمح لمحامي النادي بزيارة عمر في مستشفى هداسا بالقدس؛ اخبرونا أن حالته أصبحت مستقرة، لقد تمكن من تحريك قدميه، كما أشار بيديه للمحامي"، قال وخده يغوص في راحته اليسرى التي اتكأت على يد الأريكة الخشبية.

مساء يوم الخميس الثامن عشر من شباط/ فبراير، تلقى سمير الريماوي اتصالاً من شخص عرف عن نفسه بأنه ضابط مخابرات إسرائيلي، طلب منه الحضور بشكل فوري، فابنه عمر كان ثاني اثنين نفذا عملية طعن داخل متجر في مستوطنة تقام على أراضي شمال شرق رام الله، هذا ما قاله الضابط.

لم يصدق بادئ الأمر، حاول الاتصال بعمر دون جدوى، قرر التوجه لمقابلة مخابرات الاحتلال التي ألح ضابطها بالاتصال، وبينما هو في الطريق هاتفه أحدهم: "عمر استشهد"، فعاد أدراجه.

أحكم سامي شقيق سمير بقبضته اليمنى على كتيب مطوي، وراح يصف بحركة ذراعه الأيسر ذهاباً وغدواً من على الأريكة الثلاثية المقابلة للباب؛ كيف تضاربت الأنباء حول ما جرى مساء ذلك اليوم، "إشي بقول هو، إشي بقول مش هو، حد بقول تصاوب وحد بقول استشهد"، ما كان في إشي واضح".

"الواضح أن حياتنا لن تعود الآن كما كانت"، قاطعه شقيقه الأصغر بينما كان يوضب بأصابع راحته اليمنى شعراً في مقدمة رأسه، "كل شيء تغير، حياتنا انقلبت والآن علينا أن نتعود على النظام الجديد".

يشعل سيجارة ناظراً إلى مجموعة صورٍ لأفراد أسرته ألصقت على الجدار المقابل له، ويمضي قائلاً: "كان ابني الأكبر متفوقاً، لم يغب عن منصات التكريم منذ الصف الأول، قبل أيام من الحادثة اشترى ثيابا جديدة استعدادًا لتكريم جديد لمناسبة تفوقه في الفصل الأول الدراسي"، يرمي رأسه للوراء وينفث نحو السقف دخانا حجب خلفه شهادات تقر بتفوق عمر في كافة مراحله الدراسية التي تجمدت عند التاسع الأساسي.

"أساسات الشقق وعمدانها عادة لا يشملها الهدم، يُحضرون إما معاول أو مهدات كهربائية ويقومون بتكسير الجدران الداخلية فقط، وأحياناً يلجأون إلى ضخ الإسمنت داخل الغرف أو بعضها، أما إضرام النيران فلا"، أوضح سامي، مخاطباً عن يمينه قريب العائلة أكرم الذي توسط الأريكة وغرز مرفقيه فوق ركبتيه.

سامي راح يفنّد بحركة يسراه غير المنقطعة معتقدات أكرم، حول قيام جيش الاحتلال بعقاب أهل بلدتهم بيت ريما شمال رام الله جماعياً، حين قام بإحراق منزل خلال مجزرة شهدتها القرية فجر الأربعاء الرابع والعشرين من تشرين أول/ أكتوبر 2001، وراح ضحيتها خمسة مواطنين.

"حرق المنازل لعقاب ساكنيها وسيلة لم يلجأ لها الاحتلال بعد. فجر الجمعة أي بعد الحادثة بساعات حين اقتحم الجيش هذا المكان؛ كانت بحوزتهم معدات مخصصة لمعرفة أماكن تواجد الحديد، أنا لا آمن جانب الاحتلال، ولكن لا أعتقد أنهم سيقومون بهدم العمارة بأكملها لأجل شقة مُستأجرة"، أضاف سامي بينما كان يرمي بجسده على ذراع الأريكة الأيمن موجهاً ناظريه نحو شقيقه.

"يومياً أصحو من نومي فتقودني قدماي صوب غرفته، أجلس على سريره وأتحسس وسادته. لقد أخضعوه لتحقيقات وهو جريح لا يقوى على الحركة"، يعيد سمير النظر إلى مجموعة الصور المثبتة أمامه، ويضيف بهدوئه "لم نعتد على غيابه طول هذه المدة، كان ملح البيت منذ أن سكناه قبل ثلاثة عشر عاماً".

وقف سمير، تناول دلة القهوة من على منضدة خشبية معشقة بالرخام وسط الغرفة، وراح يسكب بيسراه المرتجفة في كأس ورقي صغير قلبه للتوّ بيمينه، "بالنسبة لي لم يعد هذا المكان مهماً"، قال بحزم وهو يناظر بوجه شاحب الكأس يراقب مستوى القهوة فيه.

عاد إلى مكانه، يمّم نظره نحو شقيقه، "قررت مغادرة بيتونيا التي أقطنها منذ 13عاماً، سأستقيل من عملي كمهندس حاسوب، وأشتري بمستحقاتي أغناماً، وأبني بيتاً في مسقط رأسي بيت ريما التي غادرتها قبل أكثر من ثلاثة عقود حين كنت في سن ابني".

غاص في أريكته وبصوت متهدج، قال: "لم أجد أحن من أهل بلدتي، لم يقف أحد بجانبي كما فعلوا، لم يكفوا عن الاتصال والتواصل بغرض الاطمئنان علينا سأرد على معروفهم هذا بالعودة إلى بيت ريما حين يتضح مصير عمر".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024