إسرائيل وثقافة الاغتيال - حسن سليم
تاريخ دولة اسرائيل في الاغتيالات حافل منذ قيامها، على يد عصابات الهاجاناة، حتى تم تسليم راية الاغتيال لمؤسسة الموساد، الذي استطاع الوصول لرموز الحركة الوطنية الفلسطينية، ليس فقط العسكريون منهم، بل كان قبلهم العاملون في الادب والثقافة، بالقلم والريشة، والكلمة. إسرائيل التي أدارت الصراع منذ بدايته بالرصاص، واضح انها ما زالت تعتقد، بان حل الصراع، لا يكون بدفعها الثمن السياسي المستحق عليها، وقبول الاخر، بل بإنهاء الآخر، والإحلال مكانه، وما زالت تتعامل في كثير من الملفات على طريقة الخلاف الشخصي، وليس الخلاف مع الفكرة، التي لا تموت. نهج الاغتيالات، لم تمارسه اسرائيل ضد الفلسطينيين فقط، فلم تتورع في السابق، عصابات الهاجانا الصهيونية، ارغون برئاسة مناحيم بيغن وشتيرن برئاسة إسحق شامير عن اغتيال الوسيط الدولي للأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت، في 17 سبتمبرعام 48، لمجرد اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية. والكونت برنادوت هو ابن العائلة المالكة في السويد، وصاحب السمعة الطيبة داخل القارة الأوروبية، التي أهلته لأن يقوم بمهمة نقل عرض الاستسلام الألماني إلى الحلفاء عام 1945، الذي شارك في عمليات تبادل الأسرى في الحرب العالمية الثانية، وتم اختياره من قبل منظمة الأمم المتحدة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وسيطاً بين العرب واليهود، وهو من استطاع أن يحقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11/6/1948، وتمكن بعد مساع لدى الجانبين العربي والإسرائيلي من الدعوة إلى مفاوضات رودس. وفي الصراع الفلسطيني– الاسرائيلي، لم يحصر الموساد الاسرائيلي ساحة المواجهة مع الفلسطينيين بالارض المحتلة، بل تعامل على كل اماكن تواجد الفلسطينيين بانها ساحة مواجهة، دون الاخذ بعين الاعتبار سيادة الدول ولا حصانة الاماكن التي يقيمون عليها. غسان كنفاني ابن عكا، الفلسطيني، الذي اجبر وعائلته في عام 1948 على النزوح فعاش في سوريا ثم في لبنان، لم يكن قائد كتيبة عسكرية تقصف اسرائيل، بل كان روائيا وقاصا وصحفيا، كان صاحب جملة سياسية ثقافية وطنية، اعتقدت اسرائيل ان قتل صاحبها سيقتل الفكرة، فقررت قتله في الثامن من يوليو 72، في بيروت بتفجير سيارته بواسطة عبوة ناسفة، لكن الموساد الاسرائيلي الذي قتل كنفاني، لم يقتل فكره وادبه، وما زال كنفاني يسمعهم الطرق على جدران الخزان. واليوم عمر نايف الذي غادر الوطن مجبرا قبل اكثر من عقدين من الزمن، وجاب ارجاء المعمورة، بحثا عن حياة اعتادية، وظنه انه قد وجدها، وان صفحة العذاب التي ذاقها في زنازين الاحتلال قد تم طيها، وان اسرائيل قبل التسعين تختلف عن اسرائيل بعد الالفين، جاء الرد الاسرائيلي، ليثبت انها باغتياله داخل حرم السفارة الفلسطينية في صوفيا، المتمتعة بحصانة وفقا لاتفاقية دولية (اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961)، ان عقليتها لا تتغير، وان ثقافة العصابة هي السائدة في نهجها وسلوكها، حتى وان تم تسميتها في اروقة الامم المتحدة دولة.