يوسف كتلو: أحاول بالفن تغيير مشهد المدينة
ضيف وفا (4)
يامن نوباني
في غرفة متواضعة من مبنى على دوار ابن رشد في مدينة الخليل، يجلس يوسف كتلو مُحاطًا بـ1500 من لوحاته ورسومه. من فلسفة الأرض والزهور والناس والتراب، جاء عنوان مرسمه ومكانه الحميمي "جاليري تراب"، مشيرًا إلى أن الاسم ينبع من عظمة فكرة التراب فهو أصل كل شيء. تدرب على يديه أكثر من 400 شخص، أصبحوا الآن رسامين أو في طريقهم إلى ذلك.
كتلو المولود في قرية البرج القريبة من بلدة دورا في محافظة الخليل عام 1965، ألهمته وشكّلت وعيه الفني بساطة الريف في قريته، وحكايات الناس العادية، نمّت خياله قصص الطفولة، يحب الريف ويرى أن المدينة تزوّر وتنافق وتضعه أمام إشكالية طبيعته ودواخله.
لا يتذكر كتلو أنه لم يكن يومًا فنانًا، فيقول: بعمر السابعة أخذنا أستاذ الفن إلى رحلة جبلية، فسرحت في الطبيعة، النباتات والزهور والأشجار والصخور والتراب والسماء. وفي مكتبة المدرسة لم تكن الكتب ملونة، كانت بالأبيض والأسود، فكنت أتخيل تلك الكتب وأرسم في عقلي كيف يمكن أن أحولها إلى ألوان.
ثلاثة رفوف، تحوي عشرات الكتب، في معظمها عناوين أدبية فلسطينية، يقول فيها كتلو: كُنت قارئا نهمًا قبل سنوات، لكن انشغالي بالرسم أبعدني قليلًا عن القراءة، في كل لوحاتي تجد فلسطين، أهتم بالأدب والتاريخ الفلسطيني ككتب إميل توما وتوفيق زيّاد وخليل السكاكيني وغسان كنفاني ومحمود درويش، ولا أرى فنانًا دون مكتبة، لأن الفنان غير المثقف تتحول أعماله إلى مجرد صور جامدة، كما أن كتابا عربا أثروا مكتبته مثل حنا مينا وجبران خليل جبران ومي زيادة، وكتب فلسفية عالمية، بينما يرى في الأدب الروسي أدبًا عظيمًا.
ويقول كتلو: أول لغة استخدمها الإنسان كانت المادة البصرية، فكان يرسم الأشياء التي يريدها قبل أن يأتي الحرف والنطق، محولًا الصور والرموز إلى لغة ناطقة. والفن عنده هو مشهد المدينة للناس، كيف يريدونها ويحلمون بها، وهو الناس، كيف يفكرون وكيف يرودون للحياة أن تسير. التغيير في العقل قبل التغيير في الأرض، وهو أيضًا عمل مقاوم، فالإنسان ابن بيئته وابن قضيته، وهو لحظات السعادة في زمن لا تأتي فيه السعادة كثيرًا إنما اقتناص، والفنان يرى ما لا يراه الناس.
يقول: تدخل دورا فترى الجداريات، هكذا يصبح الواقع أجمل، بسبب الفن والجداريات، الناس أصبحت أقرب للطبيعة، تحبها وتحافظ عليها. تهمني جنة الأرض، أفكر بها دومًا، بالأشجار والزهور والطبيعة والشخوص الذين يمدونني بالحالة، حتى العظماء هم من تراب، ومادة الفن والرسم، كل شيء لديه قابل ليكون لوحة، ومنسقًا ليكون فنًا، كحالة فنية سمعية وبصرية.
لديه سبع جداريات، وهي جداريات محمود درويش، وماجد أبو شرار، وغسان كنفاني، وباجس أبو عطوان في دورا، والأخير هو من أوائل المقاتلين الذين خاضوا الكفاح المسلح الفلسطيني ولا يعرفه الكثيرون. وجدارية عين سارة المستوحاة من قصة سارة وإبراهيم، وجدارية حكيم الثورة جورج حبش في مدينة بيت ساحور، وجدارية في مقر وزارة الخارجية الفلسطينية، ويستعد لعمل جدارية السلة في قلب مدينة الخليل وهي أضخم منحوتة في فلسطين، على ارتفاع 20 مترا، في عمل جمالي يعكس روعة الفن وقدرته على التغيير والبروز، وآخر الأعمال المقترحة عليه لإنشاء جدارية بطول 30 مترا وبعرض 5 أمتار، للشهيد ياسر عرفات في المسافة بين الخليل ودورا.
يضيف: مرة أعطيت دورة رسم لأطفال مخيم العزة (بيت لحم) واستمعت لأمنياتهم، هذا أفق للرسم، أن ترسم وجدان ومشاعر وأمنيات الناس، اللوحة هي من تأخذني للرسم، أعتمد على ذاتي في عملي الفني ولا أنتظر أحدا، الاستثمار بالفن بحاجة لنفس طويل، كلفني محلي 50 ألف دينار أردني، ولدي لوحات عمرها أكثر من 20 عامًا لم تبع إلى الآن، لأنني لا أبخس لوحاتي.
ويلاحظ كتلو أن هناك تأثر إيجابي بالفن، فوجود الفنانين يُغير في الناس نظرتهم، وهذا دفع أشخاص وشركات تبنت جدارياته، كحديقة درويش في دورا والتي مولها المواطنون بمبلغ مائة ألف شيقل، ويرى أن الفن يؤثر عميقًا في وعي الأفراد ويبعدهم عن التعصب الديني.
الرسم ثقافة جمالية لدى الإنسان، وهو فطرة، فالنساء القديمات كنّ يرسمن بداخل بيوتهن بالميلة (صبغة الملابس) أيقونات يتأملن بها الخير، والهلال والصليب، الفن طقس عفوي، لذا كان الناس يرسمون بداخل الكهوف أشياء وأشكالا دون دراسة.
غيرت رحلة استمرت 51 يومًا إلى الصين، الكثير في كتلو، يقول: الشارع ملك الناس في الصين وتعرض الفنون في الحدائق، حتى قصاصات الورق هناك تستخدم في تشكيل أعمال فنية، والفن في الصين شيء أساسي كالخبز، ومثله التعليم والموسيقى. والناس هناك منظمون ومنتجون، لم يكن العدد الكبير للصينيين عائقًا بل ساعدهم على التطور، هناك اهتمام رهيب بالوقت وتطويعه لصالح الفرد والبلد، وذلك يعود إلى الوعي الفردي والجماعي الذي يمتلكه أهل الصين.
اللوحة الكبيرة عندي هي الأرض، أعالج صعوبات الحياة بالفن، وعبره أحاول أن أغير شيئًا في الناس، وخاصة في مدينتي، فالخليل معروف عنها أنها مدينة تجارية، تملأها الإعلانات. أحاول بالفن تغيير مشهد المدينة، وأتمنى أن يصبح لدينا متاحف للفنون التشكيلية، وأن يجمع متحف وطني أعمال الفنانين التشكيليين.