قلب نابلس النابض
زهران معالي
"إن لم تزُر خان التجار عند قدومك لمدينة نابلس فأنت لم تدخلها"، عبارة لخص بها صالح الزقة (60 عاما) صاحب إحدى محلات بيع الأحذية في الخان، أهمية قلب نابلس النابض الذي يشعر الداخل إليه بأنه يقف على عتبة الماضي، وتعود به عقارب الساعة إلى مشاهد باعة القماش وحركة المتسوقين منذ أن بنى العثمانيون الخان.
خان التجار أو "السوق العتم" كما يطلق عليه القرويون، وسط البلدة القديمة، بناه الوزير العثماني لالا مصطفى باشا عام 1563 على نمط طراز سوق الحميدية في العاصمة السورية دمشق، ويمثل المركز التجاري الرئيس لنابلس، ويعتبر من أكثر الأماكن التي يرتادها زائرو المدينة وسكانها للتسوق واقتناء ما يحتاجونه من محلات الألبسة والحلويات والعطارين.
على كرسيٍ من القش أمام محل احتفظ برونقه وجمال تصميمه وصغره الذي يشبه الأروقة حوّله الزقة لبيع الأحذية بدل القماش مهنة والده وجده، يبتاع منه الناس كباراً وصغاراً.
يقول الزقة لـ"وفا" "إن خان التجار بني أساسا لبيع القماش زمن العثمانيين الذين فتحوا عدة أسواق شبيهة به في مناطق حكمهم كخان الزيت في القدس وخان اسطنبول، إلا أن التطور الذي أدخل على صناعة الملابس وتوفر الملابس الجاهزة أدى لتلاشي هذه المهنة وتراجعها".
ويشير إلى أن محل الأحذية الذي يملكه ورثه عن أبيه الذي ورثه عن جده منذ أكثر من 120 عاما، وأنه حافظ على تصميم المحل دون إحداث تغيرات في تناسقه وجماله كونه "إرث لا يجوز تغييره".
الخان الذي يصل طوله قرابة مئتي متر فُرشت أرضيته بالبلاط التركي ويعلوه سقف موحد وأقواس تعكس لوحة معمارية، تحتضن في جوفها صفين من المحال موزعة على أطرافه يمينا وشمالا متسقة في تصميها يغلب عليها صغر مساحتها وتظهر أنها صممت لتتناسب مع حاجة التجار والزبائن.
عزات الخياط (60 عاما) كان من التجار الذين مزجوا بين الأصالة والحداثة في دكانه، حيث حافظ على جمالية المكان ورونقه إلا أنه لم يستمر بمهنة والده وجده في بيع الأقمشة التي قال أنها اختفت بعد توفر الملابس الجاهزة واتجه لبيع الأجهزة الكهربائية والالكترونية.
ويعود الخياط لطفولته ويوضح أن باعة الأقمشة في الخان كانوا يرتدون "الطرابيش" ويأتي إليهم القرويون لشراء الأقمشة طوال العام حتى يأتي موسم الزيتون ويقومون بسداد ما عليهم من ديون للتجار.
يشير الخياط بسبابته لغرف مقابل دكانه، ويقول إن يهودا كانوا ينقشون الذهب فيها قبل قدوم الانتداب البريطاني، وسمي المكان باسمهم.
الأبواب الحديدية حلت مكان الخشب كمداخل للمحلات داخل الخان، وغَزَت الحضارة العصرية بعضها، فقد استخدم التجار الخشب والجبص للأسقف خاصة في المحلات الكبيرة التي تصل مساحتها لـ20 مترا وتستخدم لبيع الألبسة والحلويات، يقول الخياط إن تلك المحلات رغم الحداثة تبقى محافظة على رونقها وهويتها.
على مقربة من دكان الخياط، يقف صلاح العقاد (57 عاما) أمام محل لبيع الألبسة، تصل مساحته لعشرة أمتار، يقول "كان جدي ووالدي يبيعون "عُقُلا وحطات" منذ 100 عام، إلا أن تلك المهنة اندثرت ولم يعد أحد يرتديها".
ويوضح العقاد أنه يعمل في دكانه الصغير منذ 40 عاما، وسيورثها لأبنائه حتى يستمر إرث أجداده.
ويعج سوق خان التجار بالمتسوقين خاصة في شهر رمضان، رغم الإقبال الكبير على الأسواق والمجمعات التجارية في نابلس، إحدى المواطنات قالت لـ"وفا" أثناء تسوقها إنها "اعتادت منذ الصغر أن ترافق والدها في القدوم للخان وشراء ما يلزمها من ملابس وحاجيات، كون الخان يتوفر فيه ما تريد وأسعاره مناسبة".