مجهولات "الدار"
ايهاب الريماوي ورامي سمارة
في شارع التربية بمدينة بيت جالا، وخلف بوابة حديدية صفراء صغيرة، لا تتسع إلا لمرور شخص إذا ما فتحت على مصراعيها؛ فناءٌ رحب تهبط لوصوله درجتين، به أشجار وزرع وبعض الألعاب، وشيء من رسوم تعلو بعض الحيطان الداخلية.
يقسم ذلك الفناء ممر إسمنتي يفضي إلى مبنى في مقدمة طابقه الأول بهو تتقاسمه أربع فتيات لم تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة، ومشرفة، اجتمعن حول منضدة.
لم يكن متاحاً أن ننظر إليهن أو إلى النشاط الذي يمارسن، فذلك ممنوع بقرارٍ رسمي، طُلب منا أن نتوجه فور عبورنا باب المبنى الداخلي الكبير إلى اليمين نحو مكتب الإدارة، وهناك أغلق علينا باب كان يفصلنا عن المجهولات في الفناء.
"في الخارج، أربع فتيات، أسيرتان محررتان، واثنتان تعرضتا لاعتداءات على مستوى الأسرة. الخصوصية تحتم علينا إبقاءهن في الظل، لا يمكن أن نسمح لكم بمقابلتهن" قالت روز انسطاس مديرة مؤسسة دار رعاية الفتيات.
بدأت الدار منذ شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، باستقبال أسيرات أفرجت سلطات الاحتلال عنهن بشرط إخضاعهن لبرنامج تأهيل نفسي واجتماعي.
ويوضح مدير دائرة حماية الطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية خليل طنوس، أن الوزاراة تبذل جهودا بالتعاون مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أمام محاكم الاحتلال لإظهار أن الفتيات الأسيرات دون سن الثامنة عشرة ضحايا ظروف أسرية واجتماعية صعبة للتسريع في إطلاق سراحهن.
"نستخدم الإشكاليات الأسرية لانتزاع حكم بالإفراج عنهن، مقابل تحويلهن إلى للرعاية الاجتماعية والنفسية في دار رعاية الفتيات". يضيف طنوس
بمجرد وصول الأسيرات إلى "الدار" يجرى عرضهن على لجنة مختصة لتقييم حالاتهن بغرض وضع البرامج الدعم النفسي والاجتماعي لكل حالة على حدة، ومن ثم يجري تطبيق البرنامج وفقا للفترات الزمنية التي تحدد حسب التقييم وسوء الحالة، كما تنخرط النزيلات في برامج مهنية كالاشغال اليدوية، لتمكينهن من تحمل مسؤولية شخصية واجتماعية بعد إنهائهن فترة التأهيل.
"ليس كل النزيلات أسيرات حصلن على حكم بالإفراج، لدينا طفلة منذ 6 أشهر لم تبت محاكم الاحتلال في قضيتها بعد. نحن نعمل على تجنبيهن فترات حكم طويلة"، تقول انسطاس.
"الدار" التي تأسست في العام 1958 في مبنى قائم منذ 1915، لا يتقصر دورها على تقديم الرعاية للأسيرات، فهي بالأساس تختص بتقديم خدمة "الإيواء الطارئ المؤقت" للفتيات من الفئة العمرية بين 12-18 عامًا، اللواتي يتعرضن لإهمال أو عنف أو تفكك على مستوى الأسرة لسوء معاملة أو تحرش واعتداء جنسي.
وصل عدد النزيلات حتى نهاية شباط/ فبراير 2016؛ إلى 16 فتاة، ستة منهن أسيرات، ومثلهن لقضايا تتعلق بتفكك واعتداءات أسرية، و4 تعرضن لاعتداءات جنسية.
وأشارت انسطاس إلى أنه في العام المنصرم وصل عدد النزيلات إلى 33 فتاة، وفي 2014 إلى 37، وأقل بواحدة في عام 2013.
الاخصائية الاجتماعية رانية فرج توضح أنه عند دخول الفتاة إلى دار رعاية الفتيات يتم تحديد فترة شهر لرعايتها وإعادة تأهيلها اجتماعيا ونفسيا، وبعد ذلك يقعد "مؤتمر حالة" بإشراف الاختصاصيين لتقييم مدى استفادتهن من برامج التأهيل داخل الدار، على أن لا تتجاوز فترة مكوثها 6 أشهر.
وتضيف فرج، أن العمل يكون بشكل متوازٍ على الحالة وأسرتها، من خلال برامج تشرف عليه وحدة حماية الأسرة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
"لا يصدر قرار بإعادة الفتاة إلى منزلها، إلا بعد التأكد من المرشدة الاجتماعية في منطقتها بأن الأسرة جاهزة لاستقبالها، وأن ظروفها التي جاءت من أجلها قد زالت، ونشترط الحصول على تعهد خطي بعدم المساس بها مجدداً (في حال كانت قضيتها اعتداء أسري)، وإذا كان أحد الطرفين غير جاهزٍ يتم تحويل الحالة إلى مراكز رعاية أخرى تابعة للوزارة". تقول فرج
تحويل الفتيات للدار يتم بعد استنفاد كافة الوسائل والطرق لحل المشكلة من خلال الأسرة، وحين تصل الأمور إلى طريق مسدود تصدر مرشدة حماية الطفولة قرارا بإدخالها الدار بناءً على تقدير مدى الخطورة التي تتعرض لها الطفلة، والتي تستدعي سحبها من أسرتها وبيتها.
وتقول الاختصاصية الاجتماعية هدى حبوب إن "أكثر الحالات صعوبة التي تصلنا هي الاعتداءات التي تحصل داخل الأسرة، بحيث يكون وضع الفتاة النفسي صعبًا جدًا، وتعاني من حالات اكتئاب وانطواء، وربما تحاول إيذاء نفسها، وهذه الحالات تحتاج إلى علاج طويل المدى".
وتضيف حبوب، أصعب حالة وصلت إلى الدار هي لطفلة اعتدى عليها جدها جنسيا، حيث كانت في حالة يرثى لها خاصة أن والدها اتهمهما حينها بالكذب، وأيضًا فتاة أخرى اعتدى عليها شقيقها جنسيا وسجن لفترة قصيرة ثم أخلي سبيله وطرد إلى الأردن.
يتم تحويل الطفلات إلى دار رعاية الفتيات من كل محافظات الضفة عبر مكاتب ومديريات الشؤون الاجتماعية، التي تتلقى الحالات من خلال الإرشاد التربوي في المدارس والمحافظات والشرطة.
وتؤكد انسطاس أن "الثغرات القانونية الموجود في قانون العقوبات تحتم علينا العمل بسريّة مع الحالات، معظم الفتيات اللاواتي يتعرض لاعتداء أو تحرش جنسي داخل الأسرة يتم إيداعهن الدار دون علم أهلهن، وفي مثل هذه القضايا لا يتم إعادة الفتاة إلى منزلها إذا كان المعتدي حرا طليقا".
القدرة الاستعابية للدار القائمة على مساحة 400 متر مربع؛ تبلغ 12 فتاة في الفترة الواحدة، تشرف عليهن 17 أخصائية، إلا أن إبقاء الفتيات ليس هدفا، "نتمى أن تبقى الدار بلا نزيلات لأن هذا يعني نجاح المجتمع، ولكن لن يتحقق ذلك دون اهتمام الجهات الرسمية والمسؤولة لموضوع القوانين والعقوبات الرادعة". تقول انسطاس