الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

حسين عطاري: ذاكرة فلسطينية تعمل منذ 53 سنة في جمع التراث الشعبي

الباحث حسين العطاري

ضيف وفا (5)

يامن نوباني 

طريق ترابية ضيقة تأخذك إلى بيته، أشجار توت وزيتون على الجانبين، درج عتيق متهالكة أطرافه، نافورة ماء عتيقة لا ماء فيها، يصافحك بحرارة ويطلب منك أن تمشي أمامه، وكأنك تدخل بيتك لا بيته، أحاله الاحتلال إلى التقاعد القسري عن التدريس في العام 1988، بتهمة التحريض على المقاومة.

هو الباحث حسين سليم عطاري، المولود في بلدة عرابة في محافظة جنين، يروي لـ"وفا" حكايته في جمع التراث الشعبي الفلسطيني: في العام 1964 وخلال سنتي الدراسية الأولى انتخبت عضوا للجنة الفنية للجامعة، وفي ذلك العام أقيمت نشاطات رمضانية ثقافية للطلبة كان المسؤول عنها أستاذ التاريخ محمد أحمد حلمي، وهو مصري الجنسية، وطلب مني إعداد أغاني شعبية فلسطينية.

ذهبت الثلاثاء إلى عرابة وعدت الجمعة، التقيت في تلك الأيام الثلاثة أبو جمال العجاوي وأبو بسام العراني، وأبو جاسر الحفيري، وأبو عماد المسابح، وأبو الأمين البرقيني، وأبو نادر البرقيني. وصلت الأردن ومعي 96 ورقة أغان شعبية، وقام بعض الشبان خلال الأمسية بغنائها، وبعد انتهاء الحفل استدعاني الأستاذ حلمي وشكرني، قائلا: اجمع التراث الشعبي الفلسطيني بمختلف أنواعه، لأن هذا أمانة في أعناقكم، فهو ما تبقى لكم. بعدها بدأت بجمع الأغنية الشعبية من مصادرها المختلفة ومن النساء والرجال، وجمع الحكايات الشعبية "الخراريف"، والملابس الشعبية والأكلات الشعبية، والألعاب الشعبية، والحرف السائدة في تلك الحقبة، كذلك فن العمارة والطب الشعبي حتى وصلت اليوم إلى ما يزيد عن 14 ألف ورقة.

يضيف: خدمت 19 عاما، وأحلت إلى التقاعد القسري وأنا بعمر 37 عاما، وذلك في العام 1988، بسبب الانتماء والكتابة على الجدران وتوزيع منشورات ومواد تحريضية واستخدام التحريض داخل المدرسة، طريقة التقاعد أثرت بي نفسيًا.

ويتابع:  نشرت في صحيفة الفجر الجديد عام 1989 وذلك في ملحق الفجر الأدبي، مقتطفات من الأغاني الشعبية الهادفة. ومنذ العام 1994 بدأت تصنيف مقتنياتي وترتيبها في مجموعة من المخطوطات، وطرقت أبوابا رسمية وغير رسمية، إلا أنني لم أجد ما يخرج مخطوطاتي الى النور، وفي العام 2008 نشرت وزارة الثقافة الفلسطينية كتابي الأول.

إحدى المخطوطات كانت عن السوق العربية المشتركة التي كانت مقترحًا وبقيت مقترحًا، وكتبت فيها عن مدى أثرها في الوحدة العربية المشتركة لو تحقق السوق، ومدى إغناء تلك السوق بالموارد العربية التي تتمتع بها الدول الأعضاء. مخطوطة أخرى كتبتها في العام 1998 بعنوان جنين عبر التاريخ، كما أنني أملك مخطوطة عن عرابة التي عمرها 3 آلاف عام، وفيها 300 حامل لشهادة الدكتوراه، وهي بلدة تكاد تخلو من الأمية تماما، وكل تلك المخطوطات لم تجد إلى الآن ناشرًا.

يقرأ عطاري في اليوم ثماني ساعات، أما مخطوطاته فوصلت إلى 20 مخطوطة، وكانت عناوينها: دراسات في الأغنية الشعبية (نشأتها، أهميتها، تصنيفها، ونماذج عليها)، 2: الأغاني الشعبية الفلسطينية ونماذجها عند النساء "أغاني النساء"، 3: الأغاني الشعبية الفلسطينية ونماذجها عند الرجال "أغاني الرجال"، 4: أغاني، وهي أربعة مجلدات "أغاني الدلعونا، وظريف الطول، واغزيل، وجفرا، 5: أغاني الأطفال "مواضيعها، أقسامها، وطنية، شعبية، ترفيهية، دينية "مطبوع"، 6: فعاليات عرس فلسطيني منذ التفكير في الزواج وحتى نهاية أيام المباركة والأغاني التي تقال في كل موقف، 7: ديوان العتابا "مطبوع في جزئين"، 8: الزعرور، 9: مسابقات ثقافية، 10: توثيق للزراعة في فلسطين منذ أقدم العصور، 11: عرابة بين الماضي والحاضر والمستقبل، 12: جنين عبر التاريخ، 13: ألعابنا الشعبية، 14: ألعاب الأطفال، 15: الأكلات الشعبية، 16: الملابس الشعبية، 17: العولمة والدين الإسلامي، 18: السوق العربية المشتركة وأثرها على الوضع السياسي، 19: الإسلام والمرأة، 20: العنف ضد المرأة.

يقول: أرسلت كتاب الأغنية الشعبية الفلسطينية إلى وزارة الثقافة في العام 1996، وبقي عامين دون أن يطبع، فقد كانت السياسة طاغية على الجانب الثقافي، ومعظم ما ينشر هو سياسي ووطني، وحاولت في تلك المرحلة الطباعة في بيت الشرق الذي أغلقه الاحتلال، فقد كان المكان الأقرب لاحتضان الثقافة.

كل كتاب عندي له قصة، الكتاب الأول حول الأغنية الشعبية سببه الأستاذ حلمي، وكتبت المثل الشعبي فيما يقال ومن القائل وعن الزراعة وأمثال قيلت فيها، وظواهر معينة كانت للأسلاف عبر رصد المطر، كان ذلك يعتمد على الذاكرة وملاحظة الجو والحيوانات والحشرات التي كانت تنبئهم بالطقس، وفي الحكاية الشعبية، وهي قصص غالبيتها عن الصراع بين الخير والشر وبالنهاية ينتصر الخير، وجمعت منها مجموعة كبيرة، فمنذ 1964 وأنا أدون أية مقولة أعثر عليها.

والد عطاري، كان يعمل في الكويت ويرسل إليه 20 دينارا كمصروف شهري، يدفع منها 12 إيجار سكن، وتبقى 8 يقسمها بين مصروفه وكتبه، ومنذ ذلك الوقت وعطاري يشتري الكتب إلى أن وصل عددها في مكتبته إلى 5 آلاف، إضافة إلى 21 مخطوطة مكتوبة بخط اليد لم يرَ منها النور سوى ثلاث مخطوطات، كان أولها في العام 2008 أي بعد 46 عامًا من الكتابة.

ويضيف: كانت الفترة ما بين 1964– 1968 فترة حراك سياسي في المنطقة، وأثرت هزيمة حزيران 1967 في طريقة التعامل مع الأحزاب وسرّيتها، حيث أصبحت الكتب بعد الهزيمة توزع مجانًا في شوارع عمان، وانتشرت الكتب التي كانت تطبعها وتوزعها الأحزاب المحظورة في الأردن وفلسطين. كانت الهزيمة قاسية على الجميع، لكنها أيضًا ساهمت بانتشار الوعي والفكر.

يقول: في شبابنا كانت الحفلات تبدأ في السادسة مساء وتنتهي عند الثالثة فجرا، فيما كانت الزفة تجري بين العاشرة صباحا الى الواحدة بعد الظهر، وكان بالإمكان سماع الصوت نقيا، قبل أن تشوهه اليوم الآلات الموسيقية والمؤثرات الصوتية، وطريقة الأداء، وأحيانًا المضمون، حيث كان الشاعر الشعبي يُصَدَق في كل ما يقوله، لأن الأشياء نابعة من وجدانه وقلبه، دون تكلف، فمن يتكلف في الشعر كان يظهر ذلك عليه وتكون أهميته أقل من شعراء الفطرة، كما أن الشاعر الشعبي كان يقول الحكمة والموعظة، ويشارك بقوة في المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية، وكان المغني الشعبي في ذلك الوقت يكلف صاحب الحفل خمسة دنانير أردنية.

ويرى عطاري، كغيره من المهتمين بالشأن الثقافي، أن أهل قرية الجلمة (شمال جنين) هم الأكثر اهتماما ورعاية للفن الشعبي الفلسطيني الأصيل، ويطلق عليهم أهل المحافظة لقب: ذواقو الفن. وذلك لاهتمام القرية بمخاتيرها ورجالها وشبانها بالزجل والحداء، وتمتعهم بحس فني عال، إضافة لخروج كثير من الأصوات الغنائية التي أثرت تاريخ الفن الشعبي الفلسطيني، وما زالت تثريه.

ويرى عطاري ارتباط الزجل والحداء الشعبي بمحافظة جنين وقراها، حيث العدد الأكبر من الشعراء الشعبيين، الذين تركوا بصماتهم في ألوان الفن الفلسطيني بالقرب من جنوب لبنان، وطبيعة المناخ المعتدل، لأن الجو الحار يعطي مزاجًا سيئًا، بينما الجو البارد يعطي نوعًا من الخمول، مشيرا الى أن جنوب الضفة تمتع في ذلك الوقت بغناء الهجيني والسامر.

في نهاية ستينيات القرن الماضي، أهداني والدي مسجلا من الكويت، وكنت أسجل فيه سهرات الزجل والحداء حتى سنوات الثمانينيات، أكثر من عشرين عامًا وهو ذاكرتي وذاكرة الفن الشعبي الفلسطيني، حيث سجلت عليه ما يقارب 200 كاسيت، وفي بداية الانتفاضة الأولى (1987) داهم الاحتلال بيتنا فخبأت زوجتي  نحو 120 من الكاسيتات تحت التراب في منطقة قريبة من البيت، إلا أن تلك الكاسيتات اختفت خلال التحقيق معي لساعات، ولا أعرف الى اليوم إن كان الاحتلال هو من صادرها أم أن أحدًا شاهد زوجتي وهي تخبئها وقام بسرقتها. كل ما أعرفه أنني فقدت تلك الذاكرة من الحفلات.

ويتابع: تبقى 80 كاسيتا، أعطيتها لبيت الشِعر عام 2008 عل وعسى أن يتم تحويلها الى أسطوانات وتفريغها على ورق وحفظها كجزء من التراث الشعبي الفلسطيني، إلا أن ذلك لم يحدث إلى الآن، ولا أعرف السبب.

يكتب ويحفظ الذاكرة الفلسطينية منذ 53 عامًا، ولا أحد يحفظ اسمه، أو يُري الشمس ما كتب. مع أنه لا يحلم -كما قال- سوى بحفظ ونشر التراث الشعبي الفلسطيني في مواجهة ما يتعرض له من سرقة وإهمال في وضح الاحتلال.

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025