هدموا المساكن.. وبقيت إرادة العيش
بسام أبو الرب
بعد أن أطاحت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، منذ ساعات الصباح الاولى، بعدد من المساكن والمنشآت، والمدرسة الوحيدة في خربة طانا شرق نابلس، لم يجلس الأهالي يندبون حظهم ويلطمون على الخدود لخسارتهم مأواهم الأخير، بل عمدوا ما هدمه الاحتلال وسواه بالأرض.
صباح خربة طانا التابعة لأراضي بلدة بيت فورك، ويقطنها 40 عائلة، كان اليوم مختلفا رغم التكهنات التي تراود الأهالي من استمرار عمليات هدم المساكن والخيام وحظائر الأغنام، فليلة أمس كانت المشاحنات والنقاشات بينهم تحتدم حول الأخبار التي تتحدث عن وقف الهدم، لتأتي جرافات الاحتلال بأصواتها وهديرها، بواقع حتمي بتشريد المزيد منهم.
على مقربة من البيت الوحيد المبني من "اللبن" منذ العام 1967، يجلس الكهل ماجد حنني، يعطي تعليماته لأبنائه لبناء ما هدمه الاحتلال قبل اشتداد حرارة آذار غير المعتادة، فيما تسمع من بعيد أصوات صفائح الزينكو التي يعمد الأبناء على استصلاح ما تبقى منها من خلال ضربها بالمطرقة، علها تساعد في بناء سقف قرب كهف صغير، زرع على مدخله شجرة صغيرة لتوفر الظل في الصيف.
حنني يجلس على كرسي متواضع صغير، أخذ يصف مشهد الهدم بالقول "هذه المرة خدعنا وجاءوا على حين غرة، ففي المرة السابقة أزلنا ما استطعنا قبل الهدم"، يقطع حديثه ويصرخ على أحد أبنائه لأخذ الحيطة والحذر كي لا يسقط من مكانه المنحدر خلال محاولته وضع صفائح الزينكو.
فيما تجلس النسوة بين الركام وأخذن تنظرن إلى بيوتهن الجديدة، ولم طلبن كيف يكون التصميم الداخلي وتوزيعه، حسب الأصول الهندسية، فهن بحاجة فقط لمأوى بأسرع وقت ممكن بعد أن وضعن احد أطفالهن الرضع تحت غطاء كي لا تطاله أشعة الشمس.
ينادي المواطن حنني على أحد الطواقم الطبية التي حضرت إلى المكان، علّها تساعده في قياس ضغط دمه، الذي ارتفع من مشهد الهدم، ويقول بعد تناول كوب من الشاي أعدته زوجته "رغم ذلك سنبني بأسرع وقت ممكن مأوى لنا."
وعلى بعد ما يقارب 300 متر، تنهمك عائلة المواطن محمود نصاصرة، الستيني، والذي ولد وترعرع في خربة طانا، في بناء مسكن لها، بعد أن استهدفه الاحتلال أكثر من ست مرات منذ العام 2005، ذلك التاريخ الذي تربطه العائلة بزواج أحد أبنائها.
فيما تسير المركبة بنا الى الغرب من خربة طانا حتى الوصول إلى ركام المدرسة الوحيدة، والتي يدرس فيها ما يقارب 20 طالبا من المراحل الأساسية، لنجد المقاعد الدراسية وخزان المياه وصفائح الزينكو كومة واحدة.
وحسب احصائيات بلدية فوريك، فإن خربة طانا تقطنها 40 عائلة تعمل في تربة المواشي والزراعة، وأن قوات الاحتلال قامت بهدم ما يقارب 12 مسكنا والمدرسة الوحيدة في الخربة، مؤكدة أن بعض المساكن هدمت للمرة الثانية منذ بداية العام الجاري.
مسؤول العمليات الميدانية في مؤسسة "حاخامين" لحقوق الانسان، زكريا السدة، يرى أن الهدف من عمليات الهدم المتكررة؛ هو ربط المستوطنات المحيطة بنابلس مع مستوطنات الأغوار، لبسط السيطرة على مساحات واسعة في المنطقة.
وقال السدة، إن تكرار عمليات الهدم يدل على نفوذ المستوطنين وتدخلهم في صنع القرار، وحجم الضغوط التي يمارسونها على حكومة اليمن لترسيخ الاستيطان.
وأضاف "غالبية البؤر الاستيطانية المحيطة بنابلس يتم بناء منازل فيها للمستوطنين في وقت قياسي لا يتجاوز الثلاثة أيام، عدا عن عمليات التجريف التي تحدث أمام ناظر جيش الاحتلال الذي لا يحرك ساكنا".
يذكر ان قوات الاحتلال كانت هدمت أكثر من 370 مساكنا وخياما وحظائر للأغنام، في الأغوار الوسطى والشمالية، ووعين الرشاش، وخربة طانا بنابلس، منذ مطلع العام الجاري، حسب مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.