"دبوانيات" سان فرانسيسكو
إيهاب الريماوي
لا تكف جملة دار حسين عن ذكر مناقب بلدتها دير دبوان شرق رام الله وأهلها، تتغنى بالنسيج الاجتماعي، في بلدة تعداد سكانها 14 ألف نسمة، أكثر من نصفهم مغتربون في الأميركيتين الشمالية والجنوبية.
جَملة "أم العبد" التي ستحزم حقائبها في منتصف أيار/ مايو المقبل عائدة إلى ولاية كاليفورنيا حيث أبناؤها وبناتها؛ تتمنى لو أنها تحصل على "هوية" تمكنها من العيش أبدًا في فلسطين التي غادرتها منذ عام 1956.
"العودة إلى بلدي حلم، فأنا الوحيدة بين إخوتي التي لا تملك هوية"، تتمنى أم العبد وهي تحدث عن ولع غير الفلسطينيين ممن قابلتهم في الولايات المتحدة بزيارة فلسطين ورؤية مدينة القدس تحديدا.
لم تنقطع يومًا عن دير دبوان، فوسائل التواصل الاجتماعي لم تحرمها من أي حدث تشهده بلدتها خاصة وفلسطين بشكل عام، هي تملك حسابًا على موقع فيس بوك رغم أنها في الخامسة والسبعين من العمر، "أتواصل دومًا مع بلدتي وأخبارها من خلال الفيس بوك" قالت ضاحكة قبل أن تُشيد بدور ربحية عواودة.
"ربحية تفتخر بفلسطين ولديها شعبية تجعلها تقول ماذا تريد، وأين تريد، ولها دورٌ كبير في خلق جسور بين البلدة والمغتربين من أبنائها، وهي تدعو دومًا للعودة والاستقرار والاستثمار في دير دبوان، التي يسميها أصدقاؤنا الأميركيون (سان فرانسيسكو) فلسطين".
ليلى مناصرة التي تدير جمعية "دير دبوان الخيرية للمغتربين"، وتقوم بجمع التبرعات من أهالي القرية المغتربين في الولايات المتحدة الأميركية لدعم مشاريع تربوية وتنموية في البلد، وتقديم الدعم المادي لقاطني القرية من المعوزين.
ليلى هي الأخرى خاضت تجربة الاغتراب، أربع سنوات ليست فترة طويلة مقارنة بمن غادروا من أبناء البلدة في رحلة الاغتراب الأولى، حين أبحرت سفينة من ميناء بيروت باتجاه الولايات المتحدة الأميركية عام 1913.
جد ليلى محسن علي مناصرة كان على متن تلك السفينة، وكان في التاسعة عشرة من العمر، كان واحدًا من بين ثمانية فلسطينيين قرروا التوجه إلى الولايات المتحدة للدراسة والعمل.
"الحياة هناك سهلة والرفاهية عالية، والمغريات كثيرة. لي أقارب في هاواي، ونيو مكسيكو، وكاليفورنيا، لكن على الصعيد الشخصي لم أستطع التأقلم فقررت العودة، وهنا عملت منذ عامٍ تقريبًا على الجمع بين المغتربين وأهل البلد، من خلال الجمعية التي تعمل على جمع التبرعات من أهالي القرية المغتربين في الولايات المتحدة، لدعم مشاريع تربوية وتنموية في البلد وتقديم الدعم المادي لقاطني القرية من المعوزين"، تقول ليلي.
تؤمن مناصرة بأن الحنين يدفع المغترب للعودة، أكثر من باقي الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتضيف: "تشتاق لأن تسمع صوت الأذان ولبعض العادات والتقاليد، في الولايات المتحدة عالم آخر، القيم فيه مختلفة، هناك لا يمكنك الاستمتاع بشرب القهوة مع جيرانك صباحًا".
(ربحية عواودة)
الحنين هو ما تذكي ناره ربحية عواودة من خلال عملها على مبادرة تدعو فيها المغتربين للعودة إلى أرض الوطن، بإدارة صفحة على موقع فيس بوك تنشر فيها أخبار بلدتها دير دبوان، وصور أهلها وبيوتهم وحقولهم.
ذات مرة كتبت ربحية التي تحمل الجنسية الأميركية، إلا أنها ترفض فكرة الاغتراب ولم تجربها: "لا تقولوا بيوتا فارغة، سيأتي يوم ونسمع من على شرفاتها الضحكات، سأمر يوما من هنا لأقطف عن الأسوار زهرات، وتدعوني سيدة جميلة لأحتسي قهوة المساء معها، ليس هنالك مستحيل. من صبر وضحى وشيد هذا البناء لا بد أن يرجع يوما إلى القصر وإن طال الزمان".
ربحية التي لقبها البعض بـ"روح دير دبوان"؛ حالة من الحزن حين تعود للبلدة وهي تحت جناح الصمت في معظم فترات العام، فتنعكس هذه الحالة عليها طاقة إيجابية تستغلها فيما تنشره على صفحة "دير دبوان أحلى بلد" من كتابات وأخبار وصور، لشد المغتربين وإقناعهم بالعودة.
جَملة دار حسين ليست بحاجة لكثير من الإقناع، فالاغتراب لم يرق لها يوما، رغم أن لسانها أصبح يتعثر كثيرا بكلمات إنجليزية أميركية اللكنة، وتسأل مرارا عن "واسطة" قوية، تمكنها من استصدار "هوية" لأنها تود العودة والإقامة في دير دبوان، قبل أن تضطر إلى ذلك وهي في تابوت أو على فراش الموت.