نساء طوباس.. إبداعات ناعمة وإرادة من فولاذ!
خصصت وزارة الإعلام الحلقة الـ (37) من سلسلة "أصوات من طوباس" لمواكبة معرض المنتجات النسوية الثالث (هنا باقون)، الذي أطلقته الغرفة التجارية الصناعية والزراعية والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، برعاية المحافظ اللواء ربيح الخندقجي، على شرف الثامن من آذار.
ونشرت 30 مؤسسة تقودها نساء ورياديات منتجاتها وإبداعاتها وتصاميمها، فيما سردن قصص البداية ورحلة التحدي التي مررن بها.
يؤكد مدير العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية صلاح قصراوي أن الغرفة كرمت النساء بيومهن في هذا المعرض، وخصصت زواياه لتسليط الضوء على إبداعاتهن، ومنحهن التشجيع للاستمرار والمنافسة في تقليد سنوي، تحرص الغرفة على اتباعه، وتطوره سنة بعد أخرى.
يقول: الهدف أكبر من تقديم منتجات نسوية، بل يتعداه إلى التعريف بالرياديات وصاحبات الأعمال، اللواتي انخرطن في أنشطة اقتصادية رعتها مؤسسة فاتن للإقراض والتمويل ووزارة الشؤون الاجتماعية، وبوسع الزائر مشاهدة التنوع في الأفكار والسلع والتصاميم، وقراءة هدف واحد هو الإصرار.
ووفق الراوي، فإن الغرفة نجحت في إقناع النساء في تسمية منتجاتهن بأسماء تجارية، وسننتقل في الخطوات القادمة لمرحلة العلامة التجارية، تمهيدًا لإدخالهن في سوق المنافسة، والتعريف بسلعهن، ومساعدتهن في تصديرها داخليًا وخارجيًا.
ويؤكد قصراوي أن المعرض نجح في تقديم رسالة الاعتماد على الذات، وقدّم بتكلفة متواضعة جدًا ، ووصل إلى وجهته دون بهرجة أو تكاليف باهظة.
فيما تقف الشابة ميساء نصر الله في ركنها لتقدم شرحًا لمشروع "صابون طوباس" الذي شق التربة عام 2014، واستطاعت صاحبته المنافسة في تدريب ريادي نال جائزة تمويل من مؤسسة الشرق الأدنى بخمسة آلاف دولار.
تروي: ننتج 7 أصناف من صابون زيت الزيتون النقي، وأدخلنا أنواعًا جديدة من الصابون المطعم بالأعشاب، وأنتجنا أنواعًا لعلاج البشرة وتجميلها، وأخرى للتعامل مع تشققات الأرجل، وأنواعًا جديدة لعلاج الأكزيما، وأكثر صنف راج لدينا صابون حليب النوق.
شاركت نصر الله في معارض محلية، وتطمح إلى تصدير سلعها نحو العالم، وأرسلت عينات منه إلى الإمارات العربية، وتتمنى أن يدرك المستهلك حقيقة الكلفة العالية لمنتجها، ويصير وصفة دارجة لعلاج الأمراض الجلية في الصيدليات.
على ناحية أخرى يُلاصق الحاج سامي صادق كرسي الإعاقة، فيما تستقر جوار قلبه رصاصة إسرائيلية ذات عيار ثقيل منذ العام 1971، لكن إرادته استطاعت قهر الاحتلال في معركة مفتوحة داخل أراضي قريته العقبة شرق طوباس.
يحتل الشيب رأس صادق، وتلف كوفية فلسطينية كتفيه، أما أفكاره كما يقول، فلا تكف عن مواصلة جولة جديدة من نضال سلمي وقانوني ضد الاحتلال، الذي أراد لقريته أن تكون معسكرًا لتدريبات جيشه، بحجة أن طبيعتها تشبه جنوب لبنان!
وبالرغم من الرصاص أعاق حركة صادق، وأقصاه عن مقاعد الدراسة مبكراً، لكنه قرر أن يخوض نضالاً ضد الاحتلال على طريقته الخاصة، وشرع في تأسيس مشروعات اقتصادية في قريته الصغيرة. وأصبح الحاج صادق، الذي رأى النور في 21 تموز 1955، أيقونة لصمود العقبة.
يقول: أطلقنا ثلاث جمعيات أهلية في قريتي، وأسسنا مصنع أعشاب طبية بمغلفات صغيرة( ليبل)؛ كونها تغيب عن السوق المحلي، ونستوردها من تايوان والصين. ثم أخذنا نعمل على تطبيقها، ونسقنا جهودنا، وحصلنا على دعم ياباني لافتتاح المصنع في جمعية المرأة الريفية. و يوفر المصنع فرصة عمل لعشرة موظفين، فيما يبيع 150 مزارعاً من الأغوار والعقبة منتجاتهم، وقد بدأنا بالزعتر والنعناع والميرمية، واليانسون، والزعيتمان، وغيرها، وصدرنا كميات منها إلى فنزويلا والكويت، وبدأنا في إنتاج أجبان وألبان، أخرها اللبنة المنكّهة بالأعشاب.
ويقف مدير مؤسسة فاتن في طوباس شكري الجراعي ليلخص المعرض من زاويته، فيقدم إشارات لتمكين المرأة الاقتصادي ودورها الريادي، وانخراطها في أعمال غير نمطية، وتحولت شريحة من النساء إلى منتجات يساعدن أسرهن ويشاركن الرجل في العطاء.
ويؤكد الجراعي، أن نساء طوباس شرعن في نماذج اقتصادية غير نمطية، تعدت المشغولات اليدوية والمطرازات والألبان والأجبان، وأهلتهن "فاتن" في رعاية إبداعاتهن وتمكينها.
وتبوح رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في طوباس ليلي سعيد برسالة المعرض، فتؤكد أن النساء والجمعيات والأطر المشاركة تنسج قصة أمل وبقاء، والأهم دعوة للمضي في مقاطعة منتجات الاحتلال، والتوجه نحو الاعتماد على الذات.
تضيف: من يشاهد إبداعات النساء وأفكارهن الجديدة، وما يعرض من سلع ومنتجات يقرأ دعوة التمكين والصمود التي تقف المرأة على رأسها.
وتشير منسقة برنامج التمكين الاقتصادي في الشؤون الاجتماعية المشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي خرج إلى الحياة عام 2014، رنا عوادة أن الوزارة منحت 45 أسرة كانت تصنف حالات خاصة في المحافظة مساعدات لتأسيس مشاريع تنموية ومدرة للدخل، واستطاعت الأسر التي تترأس غالبيتها نساء في تحقيق قفزات نوعية داخل أسرهن.
تعمل عوادة وفريق الوزارة بمثل صيني قديم يطلب صاحبه أن لا يعطيه الناس السمك، بل تعليمه الصيد، وتقول: الكثير من النساء والأسر أطلقن ورش حدادة، وبقالات، ومشاريع زراعية، وحظائر أغنام، ومطاعم منزلية، ومحلات للملابس، وغيرها.
وتبوح رئيسة جمعية طوباس الخيرية مها دراغمة بمقاطع حكايتها، فتقول: سعينا إلى تطوير أفكار جديدة، كإضافة التطريز للملابس الجاهزة للأطفال، وصناعة مستلزمات حديثي الولادة من الغزل اليدوي، وصنع أثاث خشبي رفيع الجودة، وسط مطرزات مطعمة به، وإنتاج عسل بإشراف وجهد نسوي خالص، والتوجه نحو الملابس والأحذية بقالب تراثي.
تقدم دراغمة أحدث نموذج على إبداعات الجمعية، فقد تدربت 20 ناشطة فيها على مهارات تصنيع الشموع قبل أيام، واستطعن اليوم تقديم أفكار جديدة فيها بقوالب وألوان وأشكال جديدة، توقف الزائرون عندها، ولم يصدقوا أنها غير مستوردة.
وتقص خيرية صلاحات، 61 عامًا فصولها الاقتصادية، فقد تعرض ابنها لحادث سير، ,اضطرت لبيع معظم قطيع الماشية للعائلة لمعالجته داخل المستشفيات الإسرائيلية الباهظة.
تقول: استفدت من برنامج التمكين للشؤون الاجتماعية، وبدأنا بـ 10 رؤوس، واليوم صار عندنا 20، وآمل أن يزيد العدد، والأهم أن البرامج أعاد لنا الأمل، وتحسنت نفسياتنا، وصار لدينا مصدر دخل ثابت، وأعرض اليوم منتجات ألبان وأجبان ولبن مخيض، وأخطط لتعلم السياقة لشراء سيارة أوزع بها ما نبيعه.
وتقدم جمعيات نسوية وأطر أخرى مشغولاتها في المعرض، وتجمع القائمات عليها أنهن بحاجة للمساعدة في تسويق سلعهن، و تغيير الصورة النمطية عن ارتفاع أسعار منتجاتهن، التي تحتاج لسهر وتعب وأعصاب حتى تخرج من سيرتها الأولى.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن الوزارة في برامجها تمنح الإبداعات النسوية مساحة من برامجها، فسبق لها أن وثقت سيرة مبادرات اقتصادية، وتتبعت حكايات رائدات عبر هذا البرنامج، وأعادت توثيق ألم أمهات شهداء انتفاضة الحجارة في سلسلة (كواكب لا تغيب)، ورحلت عبر ذاكرة الشاهدات على جرح النكبة المفتوح ضمن ( ذاكرة لا تصدأ) الذي يختتم عامه الرابع الشهر الحالي.