"القضبان لم تحجب الحب"
معن الريماوي
سبعة أعوام عجاف مرت على وفاء زوجة الأسير
عاهد أبو غلمة، تحسب الزمن بالثواني منتظرة تلك اللحظة التي تتوج بها معاناتها
باللقاء، عقب أن واصل الاحتلال منعها من زيارته بشكل متواصل منذ العام 2009.
حلقة الوصل الوحيدة بين وفاء وزوجها، المحكوم
بالسجن المؤبد بعد أن اتهمه الاحتلال الإسرائيلي باغتيال وزير السياحة رحبعام
زئيفي، هو محاميه الذي حمل لها في آخر رسالة من زوجها، يطالبها بالانفصال عنه،
وممارسة حقها الطبيعي في الحياة والزواج، وليختصر عليها سنوات أخرى من المعاناة
والانتظار.
"زوجي صديقي وقدوتي" قالت
وفاء، رافضة عرض الأسير أبو غلمة، الذي لا يوازي حبها له شيء آخر، وهو الذي ضحى
بحياته لأجل وطنه، واعتبرت بقاءها معه جزءا يسيرا من رد الجميل، وتعيش أيامها على
زوادة الذكرى.
وتابعت وفاء: "
نحن متمسكون بأزواجنا، نحترم تاريخهم لأنهم ضحوا بأنفسهم من أجل شعبنا، ليس لدي أي
مشكلة بأن أضحي بحياتي بالاستمرار مع عاهد الذي ضحى بحريته من أجل الوطن".
تعتبر وفاء أن
لا امرأة تعشق الوطن وتضحي من أجله، ممكن أن تتخلى عن زوجها، ومن فعلت ذلك
فبالتأكيد لها أسبابها إما لضغوط عائلية أو مجتمعية.
هذه المواطنة مُنعت
من رؤية زوجها منذ سبع سنوات، تتواصل معه عن طريق الرسائل والمحامين، وزيارة الأهل،
وطول المدة أنست وفاء شكل زوجها الحالي، تتبسم وتقول: لا أدري هل هو سمين أم نحيل؟".
وفاء أبو غلمة
من سكان بلدة الجانية قضاء رام الله، أم لشاب وطفلة، قيس 18 عاما، وريتا 13 عاما،
كبرا بعيدا عن دفء الأب، تحملت وحدها مسؤوليتهما بحب ورضا، وتبقى سيرة الوالد الاب
في سجن جلبوع حاضره في كل تفاصيل حياتهم.
وبابتسامة مُرة
ترسم ملامح وجهها المشتاق لزوجها، تعلق على حادثة حصلت معها أثناء ذهابها لشراء
ملابس لزوجها لإرسالها مع أقارب زوجها، ليسألها البائع حول ما اذا كان هذا القميص
يناسبه أم لا؟ لتخبره بأنها لا تعلم، فيبدأ البائع بالضحك، كيف أنها لا تعلم حجم
ملابس زوجها؟
أعباء الحياة
كثيرة على كاهل وفاء، حيث اضطرت للقيام بدور الأب والأم في تربية أبنائها، في حين
هناك آلاف النساء من زوجات الأسرى يواجهن صعوباتٍ مالية، خاصة أن العديد منهن لا
يعملن ويعتمدن على راتب الأسير في تدبير أمور بيوتهن.
تعود وفاء
بذاكرتها بعد يوم من اعتقال عاهد بتاريخ 14 آذار من العام 2006 بتهمة التخطيط لعملية
اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي، حين جاء صحفي ادعى أنه يعمل لدى
وسيلة إعلام فلسطينية لتكتشف بعدها أنه اسرائيلي يسعى لتشويه صورة زوجات الأسرى، من
خلال محاولة إظهارهن بأنهن يتخلين عن أزواجهم.
وبكلمات يشوبها
الحزن والشوق والحنين إلى الماضي، تستذكر أول لقاء بينها وبين زوجها:" أعمل
في وزارة الثقافة منذ عام 1993، وفي يوم من الأيام جاء عاهد لعمل ما، وتعرفنا على
بعضنا بعد إجراء عدد من الملفات من طرفي، وأخذت العلاقة تقوى شيئا فشيئا، كان عاهد
وقتها مطلوبا لدى قوات الاحتلال، حيث لم يتمكن من حضور خطبتنا، خشية اعتقاله، وهذا
تكرر يوم زفافنا".
تقول وفاء
"كان عاهد يلتقي بي سرا متنكرا، حيث كان يضع لحية مزيفة وشاربا، وفي أحد
الأيام قررت أن احضر معي ابنتي ريتا، لم تكن تعلم أنه أباها، وفي لقاء آخر كان يضع
لحية من دون شارب، فقالت ريتا "نعيما يا عمي.. حلقت شواربك".
حال هذه الزوجة
كالعشرات من نساء فلسطين اللواتي ينتظرن لحظة بزوغ شمس الحرية، وتحرير أزواجهن بعد
أن طال الانتظار، لكن عزاءهن الوحيد يتمثل بقوة الإيمان بقضية شعبهن العادلة.