احتجاج معلم.. منذ 3400 عام
جميل ضبابات
حسم خطاب الرئيس محمود عباس، أمس السبت، مسألة إضراب المعلمين الفلسطينيين الذي استمر قرابة شهر... لكن في العام 1943 حسمت ضربة جوية أميركية للعاصمة الألمانية برلين، مسألة احتجاج معلم كنعاني كان يعيش في شكيم الكنعانية.
في تلك السنة، وأثناء القصف الجوي على برلين النازية، التي اختفت فيها أحياء من برلين وغيرها من المدن الأوروبية الأخرى، اختفى اللوحان الطينيان اللذان نقلا من نابلس إلى هناك، ويروي أحدهما قصة ذلك المعلم.
كان ارنست سيلين واحدا من الذين عملوا على اكتشاف الآثار المدثورة في شكيم. فقد اكتشف الجزء الغربي من المدينة اللغز عام 1913، لكنه عندما عاد في العام 1926 لمتابعة اكتشافاته مستعينا بالمئات من العمال، الذين حفروا في بطن الأرض، للوصول إلى طبقات التاريخ البعيد، اكتشفوا المعبد الوثني.
انه معبد واسع، وقد يكون واحدا من اكبر المعابد الوثنية في فلسطين. يوم الخميس الفائت وهو اليوم الأخير من إضراب المعلمين كان يلاحق الأطفال الفراش الأزرق في ذلك المعبد.
في تلك الأيام اكتشف فريق سيلين قصة احتجاج المعلم الشكيمي. لقد وجد فريق سيلين لوحين من الطين نقش عليهما نص مسماري اكادي يعودان للعصر البرونزي المتأخر (1400 قبل الميلاد)، تبين فيما بعد انهما رسالة احتجاج من ذلك المعلم، موجهة لولي أمر احد الطلاب، يحتج على عدم تلقيه مقابل التعليم.
ومما جاء في نص تلك الرسالة الاحتجاجية كما نقلها ايرنست رايت، في كتابه حول شكيم الذي صدر في ستينيات القرن الماضي، "منذ ثلاث سنوات لغاية الآن لم تدفع لي، ألا يوجد حبوب أو زيت لترسلها لي؟ بماذا أسأت حتى أنك لا تدفع لي؟".
في ذات المكان الذي شهد كتابة تلك الرسالة الاحتجاجية قبل 3400 سنة لاحق اطفال ابتعدوا عن مقاعدهم الدراسية اسابيع بسبب احتجاج المعلمين الفلسطينيين، الفراش، وقضوا وقتا في اللهو. ليس بعيدا كانت مدارس المدينة تغلق ابوابها مبكرا، فيما تشهد الساحة الفلسطينية نقاشا حادا حول هذا الاضراب الذي انتهى بمبادرة قدمها الرئيس محمود عباس، ونقلت على شاشات التلفزة.
واقعد الاضراب نحو 700 ألف طالب وطالبة في اماكن بعيدة عن المقاعد الدراسية. هنا فوق التلة التاريخية التي سكنها الكنعانيون الاوائل كان بعضهم يلهون على مقربة من المكان الذي اكتشف فيه لوحا الاحتجاج التاريخي.
واقفا الى جانب مذبح الالهة الكنعانية القديمة قريبا من مكان اكتشاف رسالة الاحتجاج قبل قرن، قال ضرغام فارس الذي يشغل مديرا لمواقع الاثار في شمال الضفة الغربية، "لم يكن الاكتشاف لحظة عابرة في تاريخ المنطقة (...) ذلك الاحتجاج حفظه التاريخ آلاف السنين".
في متحف الموقع الصغير امكن الاشارة الى عدد من المكتشفات في ذلك المكان، من بينها حجارة تعود الى عصور سحيقة استخدمها الكنعانيون الاوائل في حياتهم اليومية.
لكن أي قصة اليوم، لن تضاهي قصة اكتشاف اللوحين.
يعود تاريخ شكيم الى العصر الحجري النحاسي في الالفية الرابعة قبل الميلاد. تلك المدينة التي ازدهرت فيها تجارة المواشي والحبوب، وربطتها علاقات تجارية مع الامبراطورية المصرية.
يشير فيلم حديث بثته وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالتعاون مع جامعة لايدن الهولندية عبر قناة يوتيوب، إلى أن لذلك الحضور التجاري علاقة وطيدة بولادة اولى الابجديات. ويعرض الفيلم صورة للوح الاحتجاج الذي اختفى في ذروة الحرب العالمية الثانية.
في العام 1903 اكتشف عالم الآثار الألماني هيرمان تيرش هذه المدينة قبل ان يتابع اثريون غربيون النبش في بطنها ويتوصلوا الى قصة احتجاج ذلك المعلم.
هذا اللوح يرفع رسالة احتجاج مشابهة نسبيا لتلك الآرمات الكرتونية التي رفعها المعلمون على مدار الاسابيع الماضية احيانا امام مقر الحكومة الفلسطينية والتي تشير الى التظلم.
صبيحة اليوم الاول من انتظام الدوام بدت المدينة القديمة التي شهدت ذلك الاحتجاج قبل آلاف السنين، خاشعة ساكنة، الا ان مدرسة قدري طوقان وهو واحد من مفكري فلسطين كانت تشهد تدافعا للطلبة وهو يهمون الدخول الى مقاعدهم الدراسية... ليس بعيدا عن احتجاج المعلم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، كان اساتذتهم ينهون فصلا طويلا من الاضراب والنزاع مع الحكومة الفلسطينية.