راعي "الأنتيكا"
شادي جرارعة
يجلس الستيني سمير لفداوي أمام دكانه، الذي يقضي فيه جلّ وقته، لكثرة عشقه لما يحتويه من قطع قديمة نادرة "الأنتيكا"، فهي هوايته منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
في دكان اللفداوي الذي يقع بين أزقة البلدة القديمة في نابلس، تناثرت قطع الأنتيكا، وبعض الآلات الموسيقية القديمة، وكأن مقطوعة موسيقية تعزف لحن الخلود على جدران تاهت بين الحضارات الت تعاقبت على البلدة القديمة.
يرتب اللفداوي القطع النادرة التي تنتشر هنا وهناك، ويجلس بعدها على كرسيه تحت ضوء خافت يشعل سيجارته وينظر إلى القطع، ويتناول صندوقاً إمتلأ بالأحجار الكريمة ويعمل على ترتيبها وتنظيفها.
"أنا في هذه المهنة منذ ثلاثة عشر عاما"، بهذه الكلمات بدأ لفداوي حديثه وهو متكئ على كرسيه القديم.
ويضيف "كنت بالأصل صانعا للصابون، فهي مهنتي، وكان لديّ صبانة وأغلقتها مع بداية استيراد الصابون ومواد التنظيف الرخيصة، ولكن هوايتي منذ القدم جمع القطع النادرة والمحافظة عليها".
ويتابع "مع بداية الثمانينيات أصبح لديّ محل لبيع "الخشب الأنتيك"، ومع الوقت بدأت بالاهتمام بجمع التحف والقطع النادرة والتراثية بشكل جدي وبدأت بالابتعاد شيئا فشيئا عن مهنتي الأصلية في صنع الصابون".
ويشير اللفداوي إلى أن ما يقارب تسعين بالمائة من القطع التي يحضرها أصلية وخاصة، موضحا أنه لا يتعامل بالقطع الأثرية، بل بالقطع التراثية.
ويقول "قبل أربعين عاما، لم يكن هناك اهتمام بهذه القطع، لعدم معرفة قيمتها لدى البعض، لكن حاليا بدأ الوعي لدى الناس بالحفاظ على المقتنيات القديمة".
ويوضح أن تفكير الشخص في عمل زاوية شرقية تحتوي على التراثيات والأنتيكا يشير إلى حالة الرخاء المادي وحالة الوعي الفكري، فالإنسان بطبيعة تكوينه يفكر بالأكل واللباس والمسكن، فعندما تتوفر لديه كل هذه المقومات، يبدأ بالتفكير بالأشياء التجميلة.
يحصل اللفداوي على القطع من أماكن كثيرة من جميع أنحاء فلسطين، وفي بعض الأحيان يبحث عمن يملك هذه القطع للحصول عليها.
رشيد الابن الأكبر للفداوي، يقول "في بعض الأحيان، كنت أرافق والدي وهو يجمع التحف والنثريات وقطع الأنتيكا من مختلف المناطق".
ويضيف "عندما كنا صغاراً، لم ندرك تماما ما يقوم به والدنا، لكن كنا نرى السعاده على وجهه عندما يحصل على قطعة نادرة ويحتفظ بها داخل منزلنا".
ويقول رشيد إن الحظ لم يسعفه بأن يتعلم هذه المهنة، فليس لديه ما يكفي من الوقت لمتابعة ما يقوم به والده، ومع هذا فإن طفله جاد يشارك جدّه في حب الأنتيكا والتراث القديم، وهو دائم المرافقة لجده.
ويضيف: مع قلة خبرتي بهذا العمل، إلا أن مقولة أبي التي أحتفظ بها "ليس كل ما يلمع ذهبا"، فهناك قطع ليست أصلية، رغم أنها تبدو قديمة، ولكنها صنعت هكذا.
وفي البلدة القديمة من نابلس، ما زالت العديد من المحال تحتفظ ببعض المقتنيات الثمينة والتراثية.