الأمثال الشعبية تتجلى في آذار
زهران معالي
لم يترك المثل الشعبي في حياة الناس شيئا إلا وتحدث عنه بكلمات قليلة سهلة التداول، حملت معانٍ وتجارب كثيرة، فلم تقتصر على القضايا الاجتماعية فحسب، بل تعدتها لأشهر السنة وفصولها خاصة فصل الشتاء الذي كان له نصيب كبير مما ورثّه الأجداد من الأمثال الشعبية، ولعل شهر آذار من أكثر الأشهر الذي قيلت فيه الأمثال.
في البلدة القديمة بمدينة نابلس، كان فؤاد حلاوه (80 عاما) يجهز لشواء اللحمة في المطعم الذي يديره منذ 1942، قال إن كثيرا من الأمثال مرتبطة بالأحوال الجوية وتقلبات الطقس، وأشهر تلك الأمثال ما قيلت عن شهر آذار بأنه "أبو الزلازل والأمطار" حيث يشهد الجو تغيرات بين كل ساعة وأخرى وأمطار كثيرة.
وأضاف أن لشهر آذار "رونقه الخاص فهو أجمل شهور السنة وشهر وداع الشتاء، حيث يتجهز الناس لاستقبال فصل الربيع وألوانه الزاهية الذي يحل في آخر عشرة أيام منه".
وأوضح حلاوه أن الأجداد اعتمدوا على ضرب الأمثال لوصف تقلبات الطقس، إلا أن الطبيعية في ظل تطورات العصر الحالي شهدت تغيرات في المناخ نتيجة التلوث البيئي الناتج عن عوادم المركبات والتجارب النووية وغيرها.
ويميل أبو صالح العظمة لتفضيل شهر آذار عن بقية أشهر العام كونه يتسم بـ" بجمال الربيع ويعم الخير على المزارعين وتتدفق المياه للآبار ويزهر التين وتنضج اللوزيات".
أما الحاجة أم مؤيد، تقول إن "آذار يتميز في المناطق الريفية وما يشهده من انتشار النباتات كالعكوب والعليق وورق اللسان والزعمطوط والزعتر".
وتضيف أنه "في آذار سبع ثلجات كبار" و"ّآذار بنشف الراعي بلا نار" بمعنى أن الأجواء تكون ماطرة وفجأة تظهر الشمس التي تجفف ما بلله المطر، وفيه أيام السعود "سعد بلع، وسعد الخبايا" حيث تظهر الحيوانات من جحورها.
ويذكر ربحي دويكات عددا من الأمثال التي قيلت عن آذار أنه في "آذار ساعة شميسة وساعة أمطار وساعة مقاقات الشنار"، و"في آذار بحمض اللبن وببرطع الجمل"، "إن غلت وراها آذار وإن أمحلت وراها آذار".
ويضيف دويكات أن الأمثال مرتبطة بالأرض والمواسم الزراعية والفلاحين، وتكون الزراعة الشتوية في شهر آذار بذروة نموها وكذلك يكون التحضير للزراعة الصيفية التي تعتمد على الأمطار في ذات الشهر.
ويوضح الحكواتي والباحث في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي لـ"وفا" معاني عدة أمثال قيلت عن آذار، منها: "آذار الغدار أبو الزلال والأمطار" حيث نسبوا الغدر إلى آذار بسبب تقلب الجو فيه فمرة يكون مشمساً ومرة ممطراً، فوصفوه بالغدر كون شمسه تخدع الفلاحين الذين يستعدون للصيف فيباغتهم المطر والبرد، وقالوا بأن زلزالا صدف حدوثه في آذار ولذا صار أبو الزلازل .
ويضيف "في آذار العجوز ما تفارق النار" (أول 4 أيام من آذار تكون تكملة أيام العجوز)، وأيام العجوز سبع أيام (صن وصنبر والأمر والمؤتمر والمعلل والمعطل ومطفئ الجمر) وهي 3 من شباط و4 من آذار وسميت بأيام العجوز في العرف الشعبي لاعتقادهم أنها أيام برد شديد تنال من العجائز".
ويشير العقرباوي إلى أن "شتوة آذار أحييت البذار" بمعنى أن الفلاحين قد أنهوا فترة بذر الحبوب في أراضيهم ومطر آذار يحيي الحب المزروع ويدفعه للحياة. كما قيل أن "في آذار كُل بَلّه بِغَلة" أي أن أي تساقط للمطر وإن كان خفيفا فيه الفائدة الكبيرة بحيث يزيد إنتاج المحصول عند الحصاد.
وعن أهمية حرث الأرض وفلاحتها في آذار، أوضح العقرباوي أن عدة أمثال قيلت منها: "الكِرم إذا ما انفلح بآذار بار، "أحرث في آذار لو السيل كرار" وذلك لأن الأرض بعد آذار يكون قد فات موعد حرثها؛ للقضاء على الربيع بين الأشجار لتستفيد من الماء الذي حفظته الأرض.
ويأتي في آذار "سعد بلع - سعد الخبايا" الذي يعني إحساس كل ما هو مخبأ داخل الأرض بالحرارة والدفء، سواء من الحيوانات أو النباتات، فتبدأ بالظهور على وجه الأرض، وفق ما قال العقرباوي.
ولموسم الزيتون والعنب علاقة مباشرة بأمطار آذار، حيث قال المثل "إن لسن الزيتون في آذار حضروله الجرار" (أي برزت براعمه)، "ورقة العنب بآذار قد ذنين الفار".