الإعلام الإسرائيلي.. سنوات من التحريض والعنصرية بلا رادع
الرئيس محمود عباس أكثر الشخصيات تعرضا للتحريض الإسرائيلي
أظهر تقرير مشترك أعده مركز "إعلام" ووكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، من خلال رصد الإعلام الإسرائيلي، في إطار مشروع مشترك بدأ مع بدء التحريض الإسرائيلي عام 2010 ومستمر حتى اليوم (2016)، بأن الإعلام الإسرائيلي مليء بالتحريض والعنصرية، كمًا وكيفًا، ضد كل ما هو فلسطينيّ أو عربيّ، تحريض وصل حد تسويغ ودعم السياسات الإسرائيلية بغض النظر إذا ما كان الحديث عن احتلال أو خروقات وانتهاكات.
ويوضح التقرير أن رئيس دولة فلسطين محمود عباس كان على سلم الشخصيات التي تتعرض للهجوم والتحريض والعنصرية من قبل الإعلام الإسرائيلي، حيث تم رصد 73 خبرا و19 تقريرا تحريضية على شخص الرئيس.
ويناقش التقرير الذي يرصد الفترة من 1-10-2015 وحتى 15-3-2016 أنماط وأساليب التحريض والعنصرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية ضد الفلسطينيين والعرب كمًا وكيفًا، ويعتمد على رصد شامل للصحف المركزية "هآرتس"، "يديعوت أحرونوت" و"يسرائيل هيوم"؛ والصحف الدينية "هموديع"، "يتد نأمان" و"ماكور ريشون"؛ مواقع الانترنت "واي نت"، "ان آر جي"، و"ان أف سي"؛ المواقع الدينية "حدريه حرديم" و "كيكار هشبات"؛ إذاعتي "ريشت بيت" و "غالي تساهل"؛ والقنوات التلفزيونية "القناة الأولى"، "القناة الثانية" و "القناة العاشرة".
وبين التقرير أن إسرائيل تستهدف الإعلام الفلسطيني كردٍ على الهبة الشعبية، التي بدأت منذ أن أقدم مستوطنون على حرق عائلة دوابشة في قرية دوما بتاريخ 31.7.15، والتي قتلت إسرائيل خلالها حتى يوم (15.3.16) 202 شابًا فلسطينيًا، إلى جانب مقتل 29 إسرائيليًا.
ويشير التقرير إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية في مأزق، فحتى اليوم لم تستطع السيطرة على هذه الانتفاضة أو الهبة الشعبيّة، على الرغم من القرارات التي أصدرها المجلس الوزاريّ المصغر، وآخرها 5 قرارات أصدرت بتاريخ 11.3.16 وهي؛ العمل على سد الفجوات الموجودة في جدار الفصل العنصري في محيط القدس وإعادة إقامة الجدار في منطقة "ترقوميا- ميتار"، وسن قوانين وأوامر صارمة ضد مشغلي العمال الفلسطينيين دون تصاريح عمل، وسحب تصاريح العمل والتجارة من ذوي الشهداء، وتقصير الفترة الزمنية المطلوبة للمصادقة على هدم منازل منفذي العمليات أو المتهمين بتنفيذ عمليات، وآخر قرار كان استهداف الإعلام والإعلاميين الفلسطينيين من خلال إغلاق محطات تلفزيونية "تحرض على الإرهاب"- وفق اعتبارات الجانب الإسرائيلي.
فيما يتعلق بالبند الأخير فإن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية الفلسطينية ووسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ومن ضمن ذلك الصحافة الإلكترونية والمنشورات والأخبار والصور والفيديوهات على الـYouTube والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، أخذت في التصاعد بشكل لافت عام 2015، منذ اندلاع الهبة الشعبية في أكتوبر- تشرين أول، وتلك الانتهاكات تمثلت في تعرّض الصحفيين للاعتقال أو الاعتداء أو منعهم من أداء مهام التغطية أو حتى الضرب المبرح وإطلاق الرصاص المعدني والمطاطي عليهم، كل ذلك في محاولةٍ لفرض تعتيم إعلاميّ على الخروقات والانتهاكات اليوميّة التي يقوم بها الاحتلال، حيث تم رصد 16 اعتقال لصحفيين في السجون الإسرائيلية، أضف إليهم عشرات الاقتحامات لمقرات المؤسسات الإعلامية ومصادرة أجهزتها آخرها كان اغلاق قناة "فلسطين اليوم" بعد عملية مداهمة تم خلالها اعتقال زملاء صحفيين ومصادرة أجهزة المحطة، وايضًا محاولة منع قناة "الأقصى" من البث على القمر الصناعي الفرنسي، حيث قام رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو شخصيًا، بمهاتفة الرئيس الفرنسي طالبًا منع بث القناة على التردد الفرنسي!
وتطرق التقرير إلى أن محاولات استهداف الصحفيين والإعلام الفلسطيني، تعتبر وفق النظم المُتعارف عليها محليًا ودوليًا "كم أفواه" و- "مس بحرية التعبير" و- "مس بالعمل الصحفي"[1]، وأنه لوحظ في الآونة الأخيرة تجنّد إسرائيلي بارز، بكافة المستويات حتى مؤسسات المجتمع المدني المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، نحو تصنيف الإعلام الفلسطيني كافة في خانة "الإرهاب" وتحميله مسؤولية التصعيد الأمني بذريعة أنّ هذا الإعلام يحرّض الشباب الفلسطيني لتنفيذ عمليات طعن او دهس، مع اختزال تام للأسباب التي دفعت الشباب إلى تنفيذ عمليات، وايضًا إلى الفضاء الإعلامي المُتاح لهذه الشريحة والذي لا يقتصر على "برنامج إخباريّ" أو –"خبر على موقع"، فمن نافل الإشارة إلى أنّ الشباب اليوم بات مستهلكًا للإعلام الجديد بصورة أكبر بكثير من الإعلام التقليديّ- المتهم إسرائيليًا في حالتنا.
وفي هذا السياق تحديدًا كان رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نشر بتاريخ 2.3.16، على صفحته على الفيسبوك فيديو أدعى من خلاله أنّ هذا الفيديو يوضح تحريض الجانب الفلسطيني عامةً، والإعلام الفلسطيني خاصةً، على الإسرائيليين، وقد حظي الفيديو بأكثر من 9000 نقرة إعجاب و- 15674 مشاركة، معظمها حملت مضامين تحريضية على الجانب الفلسطيني[2].
وفي سياق التقرير كانت الإشارة بأن المنظمة الإسرائيلية "شورات هادين" في الأول من مارس- آذار، بدأت حملة في العالم الافتراضي لاقت تجاوبًا واسعًا من الجمهور والسياسيين على حد سواء، تهدف إلى جمع تواقيع ضدّ هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني لتقديم شكوى لمحكمة الجنائية الدولية ضد مسؤولي الهيئة، بزعم "التحريض ضد إسرائيل، وتشجيع الشباب على تنفيذ عمليات طعن تستهدف الإسرائيليين"!. ونُقل عن رئيس المنظمة نيتسان دارشان قوله إنّ منظمته "ستطالب بمقاضاة رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السابق رياض الحسن ورئيسها الحالي أحمد عساف"، مشيرًا إلى أنّ "الحملة تستهدف إقناع الإدارة الأميركية في دعم مقاضاة التلفزيون.
مقابل هذا التجنّد، برزت عدة أصوات إعلاميّة إسرائيلية، خافتة نسبيًا، منتقدة لرئيس الحكومة وسياسته التحريضية ومطالبة إياه بالعمل على وقف "العنف الفلسطيني"، ففي تحليل خاص قدمه الصحفي المعروف أمنون أبراموفيتش، بتاريخ 11.3.16 عبر القناة الثانية، هاجم وبشدة تركيز الحكومة الإسرائيلية على "التحريض الفلسطيني"، معتبرًا أنّ "التحريض يمثل ردة فعل على واقع غير إنساني يعيشه الفلسطينيون، ويثورون عليه، ونوه أبراموفيتش إلى أنّ الوزراء والجنرالات في إسرائيل اختاروا التركيز على التحريض من "أجل التغطية على عجزهم عن وضع حد للانتفاضة المتواصلة".
وعلى الرغم من اعتبار القانون الإسرائيلي نشر الأقوال العنصرية التحريضية خرقًا للقانون، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تحرص على منح منصة للعديد من الشخصيات المتطرفة التي تقوم بالتحريض العنصريّ، المباشر وغير المباشر، ضد الفئات التي يعتبرها الإسرائيليون "عدوًّا"؛ خاصة الشعب الفلسطيني.
القانون الإسرائيلي والدوليّ وخطاب التحريض:
ويُعرّف القانون الإسرائيلي العنصرية على أنها: ملاحقة، إهانة، احتقار، عداء، عدائية أو عنف، أو التسبب بأضرار تجاه مجموعة سكانية أو جمهور، وكل ذلك بسبب اللون أو الانتماء العرقي أو الانتماء القومي - الإثني. كما يقضي قانون العقوبات الإسرائيلي (1977)، خاصةً البند 144، بأن من ينشر تصريحات بهدف التحريض على العنصرية، يُعرّض نفسه لعقوبة السجن لخمس سنوات، حتى إن لم يؤد النشر لارتكاب عمل عنصري؛ كما أنّ نشر أو إسماع تعابير يمكنها أن تمسّ مسًّا فظًّا بمشاعر الآخرين، يعتبر نشرًا عنصريًّا أيضًا.
وعلى الرغم هذا التعريف الواضح إلا أنه وحتى اليوم لم يتم تنفيذ عقاب بالسجن الفعليّ ضد أي إسرائيليّ قام بالتحريض عبر وسائل الإعلام بعد إدانته، وكل حالات الاعتقال التي رُصدت سابقًا تم إطلاق سراح المُحرض، سواءً للحبس المنزلي أو حكم مخفف بالاعتذار مثلا، آخرها كانت إدانة لشاب يهوديّ من نتسيرت عيليت (أدين بتاريخ 2.3.16 في المحكمة المركزية الناصرة) ورغم ذلك أطلق سراحه، وفي حادثة معروفة أكثر كانت إطلاق سراح الحاخام يتسحاق غينزبورغ المعروف بآرائه المتطرفة والمعادية للعرب، وصلت إلى حد السماح شرعًا – وفق الديانة اليهودية- بقتل "الأغيار"، والتي ترجمها في عددٍ من إصدارته كان أولها مقالة "باروخ (مبارك) الرجل"، والذي من خلالها قام بتقديم تفسير ديني لما أقدم عليه الإرهابي باروخ جولدشطين، منفذ المذبحة في الحرم الإبراهيمي عام 1994، وعلى رغم ما حملت المقالة من تحريض إلا أنّ غينزبورغ لم يقدم للمحاكمة فيما ادين مرة أخرى بالتحريض على إصدار آخر حمل العنوان "علاج جذري"، واكتفت هيئة المحكمة في حينه بقرار محو الإدانة مقابل الاعتذار والاشتراط بعدم تكرارها (القصد التحريض) ليعود مرة ثالثة –غينزبورغ- للتحريض من خلال منح المصادقة على إصدار "توراة الملك"، الذي يحدد موقف التّوراة والشّريعة اليهوديّة من "الأغيار".
إلى هاتين الحالتين ممكن إضافة التحريض المُمنهج الذي يقوم به حاخام صفد، شموئيل الياهو، والملاحق من عددٍ من مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية إلا أنه ورغم ذلك لم يتم حتى الآن اعتقاله او حتى إخضاعه لجلسة تأديبية في وزارة القضاء المخولة بالقيام بالمهمة لرجال الدين، بسبب تكرار تصريحاته العنصرية والتحريضية على العرب، وفق البند 12(أ) من قانون "الخدمات الدينية" (1971)، رغم أنّ الياهو عاد مؤخرًا ليطلق تصريحاته العنصرية والتحريضية ضد المواطنين العرب خاصة، وضد الفلسطينيين عامةً، في وسائل الإعلام الدينية، حيث نشر مؤخرًا عظة في مجلة "صوت مشاهديك"، بصفته الرسميّة-حاخام صفد-، كان عنوانها "سيطاردك العدو حتى يتمكن منك، احذر من الأغيار"، وجاء في العظة المذكورة أنّ على اليهودي ليس فقط الحذر من العربي، إنما العمل على "قتال الظالمين"، مؤكدًا على أنّ كل فلسطيني هو إرهابيّ بدرجة معينة!
وحسب التقرير ينتهج القضاء الإسرائيلي سياسة الكيل بمكياليّن عندما يدور الحديث عن تحريض ومواطنين عرب أو فلسطينيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت محكمة الصلح في القدس بتاريخ 27.1.16 بالحكم بالسجن الفعليّ على شاب مقدسي لمدةّ 12 شهرًا بتهمة التحريض عبر الفيسبوك. وحسب ما أفاد بيان المحكمة في حينه، فإن الحكم صدر بحق الشاب محمد عبد اللطيف (24 عامًا)، والمتهم بنشر "مواد تحريضية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ضد الإسرائيليين، بحجة الدعوة لتنفيذ عمليات طعن ضدهم، وتمجيد العمليات ونشر صورة لأحد قتلى عملية كنيس يهودي في القدس والتي نفذها أبناء عائلة أبو جمل قبل أكثر من عام، وهو يدعو للمزيد منها.
وتعتبر الصحافة في إسرائيل نفسها أنها موجهة من قبل "قواعد أخلاقيّة مهنية" أهمها تلك التي سنها مجلس الصحافة، ولاحقًا قامت كل من سلطة البث الثانية وسلطة البث الأولى بسن نظم مشابهة يتوجب على موظفيها التقيّد بها ضمن وسائل الإعلام التي يعملون بها (مبنية على القانون الإسرائيلي الذي سمح بتأسيسها)، وفي حين أنّ مجلس الصحافة يملك ما يسمى بالمحاكم الأخلاقيّة، والتي تعتبر سقف قراراتها اعتذار أو تصحيح معلومات في تقرير آخر، فإن قواعد أخلاق المهنة في كل من سلطة البث الثانية والأولى لا تحمل أي عقاب لموظفيها حال خرقهم تلك القواعد، إلا في حال قرر فصل أو ابعاد الصحفي لما يحمله هذا الخرق من تداعيات أخلاقية وقضائية قد تكبد وسيلة الإعلام الجهد القضائي والأخلاقي المجتمعيّ الكثير.
وفي تفصيل، البند 14 من قواعد أخلاق المهنة التابع لمجلس الصحافة وتحت بند "التمييز والتمييز العنصري"، ذكر أنّ "لا يجوز للصحيفة او للصحفي ان ينشرا اي شيء يحتوي على التحريض او التشجيع على العنصرية او التمييز العنصري او التمييز الذي يتم على اساس اصل العائلة او اللون او الطائفة الجنسية او الدين او الجنس او العمل او الميول الجنسية او المرض او العجز او المرض النفساني او الايمان او وجهة النظر السياسية او الانتماء الى طبقة اجتماعية -اقتصادية معينة. وعلى الصحيفة او الصحفي عدم الاشارة الى هذه الميزات الشخصية الا اذا كانت تتعلق موضوعيا بموضوع النشر". اما البند 46 من قانون سلطة البث الثانية 1990، والذي بناءً عليه تم وضع قواعد وأخلاق المهنة الموجهة لموظفي سلطة البث الثانية، فقد ذكر أنّه "يُمنع مخوّل البث من بث مضمون يسبب التحريض على العنصرية، التفرقة، او التسبب بضرر فعلي لأشخاص، على خلفية انتمائهم الى دين، اصل، قومية، جنس، طائفة، طريقة حياة او منشأ".
التزام إسرائيل، وإن كان ليس فعليًا، لمواجهة خطاب التحريض والعنصرية في إعلامها ذكر ايضًا في بعض المواثيق والمعاهدات الدوليّة التي وقعت عليها، منها القرار 110 (د2) من إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي والذي أعتمده المؤتمر العام لليونسكو 1966، والذي يدين الدعاية التي تستهدف إثارة وتشجيع، أو يحتمل أن تثير أو تشجع. وكذلك القرار 127، من ذات المعاهدة، الذي يُطالب الدول الأعضاء، من بينهم إسرائيل، بمكافحة الأنباء الزائفة أو المشوهة والتي يكون من شأنها الإساءة إلى العلاقات الطيبة بين الدول.
بالإضافة، فإن الإعلام الإسرائيلي، عن طريق محرري الصحف، مشارك في الفدرالية العالمية لمحرري الصحف، والذي أقر من خلال بنوده ال- 6 وال- 10 "على الإعلام عدم تمجيد العنف أوو الجريمة أوو القتل أوو الإرهاب أوو أية أعمال ضد الإنسانية وأيضاّ في حال الاصطدام بين حرية التعبير وبين حقوق الإنسان، عند النشر، على المحرر أن يقرر أهمية الموضوع مع التشديد على حقوق الإنسان".
والإعلام الإسرائيلي أيضا مشارك في الاتحاد الدولي للصحفيين والذي ينص من خلال البند الثامن " على الصحفي توخي خطر التمييز الذي تعرضه وسائل الأعلام وعليه بذل ما في وسعه لتفادي تسهيل تمييز من هذا النوع المبني على العرق والجنس والتوجه الجنسي واللغة والدين والسياسة أو أراء أخرى والأصول الوطنية والاجتماعية إلى جانب أنواع أخرى من التمييز".
كما أنّ المبدأ الثامن من المبادئ الدولية لصحافة مهنية وأخلاقية، والصادر عن اليونسكو، والملزم أيضا لإسرائيل، يتضمن النص التالي: "الصحفي الحقيقي هو المعتمد في عمله على القيم الكونية العالمية، السلام ، الديمقراطية ، حقوق الإنسان، اما المبدأ التاسع فيتضمن النص التالي: على وسائل الإعلام أن تقدم إسهاما هاما في دعم السلام والتفاهم الدولي وفي مكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب، وفي النضال ضد الحرب العدوانية والعنصرية والفصل العنصري والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، التي تعود بعض أسبابها إلي التحيز والجهل، تسهم وسائل الإعلام -عن طريق نشر المعلومات عن مطامح جميع الشعوب وتطلعاتها وثقافاتها ومتطلباتها- في إزالة الجهل وعدم فهم الشعوب لبعضها البعض، وفي توعية المواطنين في كل بلد باحتياجات البلاد الأخرى وتطلعاتها، وفي كفالة الاحترام لحقوق وكرامة جميع الأمم وجميع الشعوب وجميع الأفراد دون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الجنسية، وفي استرعاء الانتباه إلى الشرور الكبرى التي تكدر الإنسانية كالبؤس وسوء التغذية والمرض، وهي إذ تفعل ذلك تشجع الدول على وضع السياسات الأكثر قدرة على التخفيف من حدة التوترات الدولية وعلي تسوية النزاعات الدولية تسوية سلمية وعادلة.
ويشير التقرير إلى أنه في سياق الاعتداءات المتكررة على الصحفيين الفلسطينيين، إلى أن المادة 79 من القانون المعدل (1) من معاهدة جنيف الرابعة لعام 49، والموقعة عليها إسرائيل تشير إلى أنّ "يعد الصحفيون الذين يباشرون مهام مهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح أشخاصا مدنيين ويجب حمايتهم بهذه الصفة. ويجوز لهم الحصول على بطاقة هوية تشهد على صفتهم كصحفيين".
وعرض التقرير معطيات رصد نموذجي للإعلام الإسرائيلي يظهر بشكل واضح الفرق الشاسع بين نصوص القانون والمبادئ الأخلاقية للمهنة الصحفية والواقع الحقيقي لمضامين الإعلام، التي يتم فيها التحريض بشكل سافر.
وفي إطار مشروع الرصد هذا، بين التقرير يقوم بعملية تحليل للمقالات والأخبار التي تم رصدها وبالتالي استخلاص مؤشرات تحريض وعنصرية أساسية من المقالات والأخبار، والمؤشر هو آلية قياسية تمكننا من تحديد وتعريف أنماط التحريض والعنصرية الأساسية التي تنعكس في اللغة والخطاب الإعلامي بشكل تطبيقي، وقد تم التأكيد على المؤشرات لتسهيل وتوضيح مدى تفشي خطاب التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيلي.
وللتوضيح، فإن التحليل بناءً على مؤشرات عينية بهدف الدقة وتوضيح العلاقة بين أنماط التحريض والعنصرية المختلفة التي ترتبط ببعضها البعض مكونة خطابًا عامًا لا يفسح المجال للقارئ الخروج عنه، بناءً على ذلك يمكن الادعاء بأن عملية التأطير الأساسية في خطاب الإعلام الإسرائيلي تصنع وعيًا استعلائيًا مقابل دونية الآخر الذي هو في معظم الأحيان الفلسطيني، العربي والمسلم.
خطاب التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيليً – بحث كمّي
وأشار التقرير إلى أبرز المعطيات في الفترة المذكورة، من خلال الرصد الكمي في وسائل الإعلام التالية؛ صحيفة هآرتس، صحيفة يديعوت أحرونوت، صحيفة معاريف، صحيفة اسرائيل اليوم، القناة الاولى، القناة الثانية، القناة العاشرة، موقع واينت، موقع ان ار جي، الموقع الديني نيوز 1، الموقع الديني كيكار هشبات، الصحف الدينية هموديع، ماكور ريشون ويتد نأمان، اذاعة الجيش والاذاعة الرسمية ريشت بيت، كما يلي:
أي وسائل الإعلام الأكثر تحريضًا؟
من خلال المعطيات تبرز صحيفة "يسرائيل هيوم" (اسرائيل اليوم) اليوميّة المجانية وتتصدر قائمة وسائل الاعلام من حيث عدد المواد التي تحتوي تحريضًا وعنصرية. يشار إلى أنّ هذه الصحيفة يملكها المليونير اليهودي شيلدون أديلسون المقرّب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو ممول ومؤثر في مواقع NRG و "ماكور ريشون".
وسيلة الاعلام عدد الاخبارنسبتها من العدد الكلي
اسرائيل اليوم
437
25.3
يديعوت أحرونوت
265
15.4
nrg
325
%18.9
ynet
91
%5.3
ماكور ريشون
96
%5.6
nfc
124
%7.2
اذاعة الجيش
36
%2.1
اذاعة ريشت ب
64
%3.7
هموديع
91
%5.3
يتد نأمان
106
%6.1
هآرتس
34
%2.0
حدري حريديم الديني
27
%1.6
القناة 10
11
%0.6
معارف
11
%0.6
مؤشرات التحريض الأكثر شيوعًا: تفيد النتائج الكميّة بأن "الوصم (Shaming) هو من أكثر انواع التحريض والعنصرية انتشارًا. ويمكن استقاء احداث اخرى أكثر تطرفًا تنتج عن هذا النوع من العنصرية، اذ من الممكن ان تبدأ حملة ضد فئة او شخص بوصمه ومن ثم اتخاذ قرارات ضده او حتى تصفيته جسديًا، مثل القيادي في حركة حماس أحمد الجعبري. اما في المكان الثاني فتأتي شرعنة العقوبات الجماعية والتي تتطرق في معظم الاخبار الواردة الى تجويع وحصار وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مؤشر التحريض/ العنصرية
عدد الأخبار
نسبتها من العدد الكلي
التعميم
308
9.5%
الشيطنة
269
8.3%
نزع الإنسانية
286
8.9%
الوصم
1047
32.5%
فوقية اليهود
90
2.8%
نزع الشرعية وعدم الاعتراف
330
10.2%
شرعنة استعمال القوة العسكرية
141
4.4%
شرعنة استعمال القوة
343
10.6%
شرعنة العقاب الجماعي
384
11.9%
الفئات أكثر تضررًا من التحريض:
وحسب التقرير توضح هذه المعطيات وجود فئات وشخصيات مستهدفة بشكل كبير في الاعلام الاسرائيلي. ويظهر اكثر من ثلث الاخبار ذات الطابع التحريضي والعنصري موجهة ضد الشعب الفلسطيني عمومًا، ومن ثم ضد الفلسطينيين في الداخل ثم المسلمين والأسرى، اما اكثر الشخصيات المستهدفة فهي الرئيس الفلسطيني محمود عباس .
الفئة / الشخص
عدد الأخبار
نسبتها من العدد الكلي
مسلمون
192
10.0%
فلسطينيون
646
33.8%
عرب الداخل
195
10.2%
العرب عمومًا
72
3.8%
البدو
46
2.4%
الرئيس محمود عباس
73
3.8%
النائبة حنين زعبي
63
3.3%
النائب أحمد طيبي
25
1.3%
حماس
63
3.3%
الأسرى
131
6.9%
السلطة الفلسطينية وقياداتها
35
1.8%
سكان قطاع غزة
115
6.0%
خلفية التحريض والعنصرية:
ووفق التقرير تبرز الكراهية العرقية كأكثر عامل مؤثر في العنصرية والتحريض، مما يبرر كم التحريض ضد الفلسطينيين عمومًا. اما خلفية التحريض المبنية على أساس موقف ايديولوجي او سياسي فهي توّضح كم التحريض الكبير ضد الشخصيات السياسية والفلسطينيين في الداخل.
الخلفية
عدد الأخبار
نسبتها من العدد الكلي
كراهية دينية
253
11.0%
كراهية عرقية
496
21.6%
كراهية قاعدتها التاريخ
190
8.3%
موقف ايديولوجي
471
20.5%
موقف سياسي
415
18.1%
سلوك
319
13.9%
نمط التحريض والعنصرية:
تأتي هذه النتائج لتؤكد النتائج الواردة في الخانة السابقة حيث النمط السائد من العنصرية مبني على اساس كراهية قومية.
النمط
عدد الأخبار
نسبتها من العدد الكلي
بيولوجي
223
10.1%
ديني
224
10.1%
قومي
1342
60.6%
سلوكي
303
13.7%
جمهور الهدف: لمن يوجه الاعلام الاسرائيلي منشوراته؟
وفقا للنتائج أدناه فان الكم الاكبر من الاخبار ذات الطابع العنصري والتحريضي موجهة للسياسيين، مما يدل على ان للإعلام دور في القرارات التي تتخذ على المستوى السياسي، او ان أحدها يغذي الآخر، فالإعلام يمكن ان يدعم الخطوات السياسية المتخذة ضد فئات وشخصيات ومعينة، ويمكن ان يكون لاعبا مركزيا في شن حملة من التحريض تُسفر عن قرارات سياسية واحيانًا عسكرية.
جمهور الهدف
عدد الأخبار
نسبتها من العدد الكلي
الشرطة
271
10.7%
الجيش
250
9.8%
السياسيين
1005
39.5%
المستوطنين
95
3.7%
الجمهور الاسرائيلي
546
21.5%
مؤشرات التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيلي في الفترة الواقعة بين 1.10.15-15.3.16:
مؤشرات التحريض والعنصرية في أخبار ومقالات محرضة على الرئيس محمود عباس:
خلال فترة الرصد المذكورة تم رصد 19 مقالا وخبرًا تحمل مقولات عنصرية وتحريض على شخص رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، المقالات نشرت في عدة وسائل إعلام وفق القائمة التالية:
مؤشرات العنصرية
اسم الصحيفة او الموقع
الشيطنة
نزع الإنسانية
الوصم
فوقية اليهود
نزع الشرعية
شرعنة استعمال القوة
شرعنة استعمال القوة العسكرية
شرعنة العقاب الجماعي
يسرائيل هيوم
4
1
1
1
القناة الثانية
1
يديعوت أحرونوت
1
1
1
1
معاريف
2
2
NRG
2
YNET
1
المؤشر الأبرز في المنشورات التي رصدت كانت وصم الرئيس محمود عباس ووصفه بالكاذب (حد توصيفه ببينوكيو- اللعبة الخشبية)، الحقير، الوقح، جذر الشر، مثير للاشمئزاز والمحرض على قتل الشباب وعلى الجانب الإسرائيلي!
ففي خبر قامت صحيفة "يسرائيل هيوم" بنشره بتاريخ 2.10.15 تحت عنوان "خطاب ابو مازن الحقير وراء التصعيد" ذكر الكاتب الصحافي درور إيدار، والذي يحصل على منبر ومنصة دائمة في الصحيفة، أنّ " عمليات الطعن الحاصلة جاءت في أعقاب خطاب أبو مازن"، وأضاف "ما يجري اليوم في القدس يرتبط بمفاهيم عميقة ويؤثر على المسيرة السياسية. وفضلا عن ذلك، فانه يرتبط بمستقبل اوروبا عند استقبال عشرات ملايين المسلمين الذين يواصلون الهجرة اليها. في هذا السياق العميق يجب قراءة الاقوال الحقيرة لأبو مازن قبل نحو اسبوعين في أن ليس لليهود حق في ان يدنسوا بأقدامهم النجسة الأماكن المقدسة في القدس.إن محاولة التعاطي مع النزاع الذي يمتد إلى اكثر من مئة سنة بيننا وبين عرب المنطقة كنزاع اقليمي فقط، هي اغماض للعيون للشعوب في ضوء الفهم العميق الذي أشرنا اليه، والذي كلما مر الوقت يتأكد، شئنا أم أبينا، حجرًا رئيسا في العملية التاريخية لعودة صهيون: اورشليم وجبل الهيكل".
وفي مقال آخر نشر في الصحيفة ذاتها بتاريخ 16.10.15 تحت عنوان "ابو مازن الكاذب متأثر ببينوكيو"، كتب الصحافي الكاتب بوعز بيسموت " في موجة الإرهاب الاخيرة ضد مواطني إسرائيل، نجح رئيس السلطة الفلسطينية في أن يكشف وجهه الحقيقي، في نظرة سوية، وان كان هذا يبدو كانتحار سياسي لهذا الرجل "المعتدل" و الرائع، غير أنه في الواقع الفلسطيني، واقع أمس واليوم، يفعل ابو مازن بالضبط ما هو متوقع منه، من القيادة الفلسطينية ومن الشارع على حد سواء".
المؤشران اللذان برزا في المنشورات التي رصدت (في المكان الثاني) كانا العقاب الجماعيّ وايضًا شرعنة استعمال القوة، حيث رصدت 3 مقالات تشرعن استعمال العقاب الجماعيّ ضد الفلسطينيين فيما رصدت ايضًا 3 مقالات تشرعن استعمال القوة. ففي مقابلة مع وزير الداخلية (في حينه) سلفان شالوم، بتاريخ 6.11.15، على القناة الثانية مع الصحفي داني كشمارو (لاحقًا انضمت إليه دانا فايس)، حاول الوزير شالوم تبرير العقاب الجماعيّ كحل للتصعيد الأمني إلا أنّ الصحفي كشمارو آثر الرد بالقول "هذا القرار تحدثتم عنه منذ بداية شهر تشرين اول ولم يحدث شيء حتى الآن"، وأضاف مستوضحًا "اريد ان أسأل ما الذي تفعله حكومة اسرائيل وليس ما يفعله ابو مازن! اذا كنتم تعتقدون ان ابو مازن غير مناسب، اوقفوا اتفاق اوسلو أو قوموا بحل السلطة الفلسطينية"! ولم يكتفِ كشمارو بهذا التصريح فقد انضمت إليه زميلته دانا فايس موجهة سؤال لشالوم طالبت فيه استعمال المزيد من القوة قائلة "ربما لا تضربون بيد صارمة بما فيه الكفاية؟ هذه حكومة يمينية واذا فحصنا سياستها نجد انها تتصرف فيما لو كانت حكومة يسارية متوسطة، وعدتم بانه سيكون هدم بيوت وتوسيع البناء في المستوطنات واغلاق وتطويق وهذا لم يحدث، ربما عليكم ان تكونوا اكثر صرامة بهذا الشأن؟"! أما الكاتب الصحافي افرايم هرارة فقد طالب بعقاب جماعي للمدارس الفلسطينية بذريعة أنها تشجع على التحريض، ففي مقالة نشرها على "يسرائيل هيوم" بتاريخ 30.9.15 تحت عنوان "التحريض على المدارس الفلسطينية" اتهم هرارة "تحمل مدارس السلطة أحيانا أسماء قتلة؛ ثلاث مدارس تحمل اسم دلال المغربي، المخربة من فتح التي شاركت في عملية الساحل في 1978 حيث قتل فيها 38 مواطنًا إسرائيليًا منهم 12 طفلا وأصيب 71، في هذه الأيام صحف السلطة تُمجد الأطفال الفلسطينيين الشجعان وتتحدث الكاريكاتيرات عن دعم الآباء لأولادهم وهم يرشقون الحجارة"!
وفيما يتعلق بشرعنة استعمال القوة، قام الكاتب الصحافي حاييم شاين بالمطالبة بمزيد من الإجراءات لمعاقبة الفلسطينيين وذلك في مقالة نشرت في "يسرائيل هيوم" بتا