أبو خليل السنونو..غذاؤه الروحي حبر الجرائد
فاطمة إبراهيم
متكئاً على عصاه متحسسا بها طريقة؛ يبدأ أبو خليل السنونو (73 عاما) يومه متجها من منزله في مخيم بلاطة، إلى مركز مدينة نابلس، حيث يوجد رزقه الذي اعتاد جمعه منذ أكثر من 50 عاما.
يعمل أبو خليل في مهنة توزيع جريدة "القدس" منذ كان طفلا في العاشرة من عمره، حيث اعتاد منذ تلك الفترة على حمل الصحيفة وإيصالها إلى أصحابها من موظفين وأطباء ومحامين، وحتى أصحاب المحلات التجارية والمراكز الصحية والتعليمية.
يقول: "أعرف كل المدينة تقريبا، أعرف المحلات التجارية، كنت أذهب إلى مكاتب المحاماة والعيادات الصحية، وإلى اليوم أعرف مداخل البلدة ومخارجها، وأستطيع التجول فيها بمفردي، والعودة إلى منزلي دون أي معين، فأنا أذكر الشوارع منذ كنت أبصر في شبابي".
لم يمنع المرض وكبر السن أبو خليل من الخروج صباح كل يوم لأداء عمله، الذي أهّله ليكون أحد معالم نابلس كما يحلو للساكنين مناداته، ورغم تدهور صحته في الفترة الأخيرة، الأمر الذي جعله يكف عن المناداة بما تحويه الصحيفة من أخبار أثناء تجواله، إلا أن أحاديثه الجانبية مع زبائنه لم تنقطع.
سليمان ضمرة صاحب أحد المحلات التجارية في السوق المركزي بنابلس، يذكر أبو خليل منذ صغره، فهو يتذكر كيف كان السنونو يأتي إلى والده ويحضر له الصحيفة كل صباح، ويضيف: "أنا اعتبر العم أبو خليل بمثابة الأب بالنسبة لي، فحين يأتي صباحا؛ أمسك بيده وآخذ الجريدة منه وأقرأ معه الدعاء الذي يدعوه لابنه الذي استشهد في انتفاضة الأقصى".
وبالنسبة لضمرة، يمثل السنونو جزءا من تاريخ وحضارة نابلس، إذ كان أهالي المدينة يطّلعون على ما تحمله الصحيفة من أخبار قبل أن تقع أعينهم على طياتها، بصوته الجهور، واليوم بات صعبا تخيُّل أن يبدأ يوم نابلس دون رؤية أبو خليل وسماع صوته.
من بعيد يعلو صوت أحد الأشخاص داعيا أبا خليل إليه، ليأخذ نسخته من الصحيفة ويعطيه ثمنها، فيلبي الأخير النداء، ويخرج من جيبه الأيمن حفنة من الشواقل، ويتحسس من بينها باقي ثمن الجريدة ليعيدها للزبون. ثم يكمل مسيره في الشارع باحثا عن زبون آخر.
شوارع المدينة وأسواقها تعرف أبو خليل، فقد اعتادت صوته منذ زمن، كما اعتادت ضربات عصاه في طرقاتها وتعثر أقدامه بأرصفتها، واعتاد هو تقلب أحوالها ومعايشة أحداثها، فلم يغب عنها حتى في أصعب الظروف، كاجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدينة عام 2002، وفرض حضر التجوال عليها.
ويستذكر أبو خليل تلك الفترة قائلا: "لم يكن الجيش يتعرض لي، حصل ذلك مرة واحدة فقط، حيث صادر الجنود ما أحمله من جرائد، وأمروني بالعودة إلى المنزل، ثم حرقوا الجرائد المصادرة."
في تلك الفترة، أصبح السنونو مراسلا صحفيا ميدانيا، حيث كان ينقل أخبار مخيم بلاطة وما يحصل فيه إلى نابلس القابعة تحت عزلة حظر التجوال، كما كان يصف لأهالي المدينة مواقع الجيش والجند، وفي أي الحارات يتواجدون، وكيف بدت له أوضاع المواطنين تحت وطأة الحصار.
يعود العم أبو خليل إلى منزلة مساء كل يوم مع قليل من الربح، يعيل به أفراد أسرته الثمانية، ليبقى حبر الجرائد غذاؤه الروحي طوال حياته.