أجبان "بدري"...
ا – زهران معالي
في أسواق مدينة نابلس، تدخل كميات كبيرة من الأجبان إلى المحلات، التي توردها بدورها إلى سكان المدينة والمتسوقين من مختلف أنحاء فلسطين، لكن هناك ثمة من يعدُّها بطريقة مختلفة، إنها بدري الكاهن، زوجة الكاهن الأكبر للطائفة السامرية.
على قمة جبل جرزيم جنوب نابلس (يرتفع 880 مترا عن سطح البحر)، تنهمك "أم واصف" بالتحضير لعيد "الفسح" الذي يحل بعد شهر من اليوم. ففي كل عام، تُعِد عشرات الكيلوغرامات من الجبنة بيديها، بعد إحضار الحليب من الجيران المسلمين الذين يقطنون قرب الجبل، وتجهز بذور العصفر بعد قطفه وغسله وتجفيفه.
وتفرض الشريعة الموسوية التي يؤمن السامريون بها، ويقدسون أسفار التوراة الخمسة، شروطا تتعلق بتناول الطعام وطريقة إعداده.
ويستطيع السامريون تناول الخضروات والفواكه بعد شرائها من الأسواق، لكن الأمر يختلف بالنسبة للمنتجات الحيوانية، فشريعتهم تحتم عليهم الفصل بين الحليب ومشتقات اللحوم على المائدة، إذ لا يجوز الجمع في طعامهم بين روحين.
وتشير أم واصف إلى أن الطائفة تستخدم بذور العصفر لتخثير الحليب لصنع الجبنة، بدلا من استخدام "المساة" أو "المنفحة" التي تستخرج من معدة العجول؛ كون أن السامريين لا يجمعون في طعامهم بين روحين، بمعنى أنهم لا يأكلون اللحوم والألبان في نفس الوقت.
و"المنفحة" مادة إنزيمية مساعدة لصناعة الجبن، يمكن أن تكون سائلة أو جافة، وتستخرج من معدة العجول الرضيعة التي تعتمد على الحليب في تغذيتها، وتحتوي على أنزيم "الرنين" الذي يعمل على تخثير الحليب لصنع الجبن.
وعادة ما يستخدم صانعو الجبنة "المنفحة" لتخثير الحليب، إلا أن دراسات علمية عديدة أثبتت إمكانية استخدام الإنزيمات النباتية لإنتاج الجبنة، وأظهرت نتائج دراسات بحثية أن الجبن المحضر من بذور العصفر ذو نوعية عالية ونكهة مرغوبة وخالٍ من المرارة.
وتوضح أم واصف أنها تتكفل سنويا بتجهيز الجبنة لعائلتها وبعض الأقارب، حيث يحتاج لتر الحليب الواحد لملعقة كبيرة من بذر العصفر التي توضع بكيس من القماش، وتستمر بتحريكه على موقد من النار حتى يصل الحليب لدرجة معينة من السخونة.
وخلال شهري آذار ونيسان تنشط العائلات السامرية في صناعة الجبنة والألبان.
"كل ما يتعلق بالعيد من مأكولات يحضر يدويا هنا في قمة جرزيم" قالت أم واصف، التي جلبت التمر و"الزفر" والمكسرات لتحميصها يدويا استعدادا للعيد.
وتشير إلى أنها أحضرت أكثر من 100 كغم من دقيق القمح لخبزه وتجهزيه لعائلتها وابنتها التي تسكن في حولون قرب تل أبيب وبعض الأقارب، مشيرة إلى أنها ستجهز الخبز هذا العام على "عجانة" بعد أن كانت تعده يدويا.
ويبلغ تعداد الطائفة السامرية، والتي تعد أصغر طائفة دينية في العالم، 800 نسمة، موزعين بين جبل جرزيم في بنابلس، ومنطقة حولون، قرب تل أبيب.
ويعد عيد "الفسح" أهم أعياد الطائفة السامرية منذ أكثر من 3600 عام، حيث يحيون فيه ذكرى خروجهم من أراضي مصر كما يقولون.
جبل جرزيم موقع مقدس لهذه الطائفة، ويحجون إليه ثلاثة مرات سنويا، خلال أعياد "الفسح" و"الحصاد" و"العرش"، فيما يحتفلون بأعياد التوراة السبعة، وتضم إضافة إلى الثلاثة السابقة كلاً من: أعياد "الفطير"، رأس السنة العبرية، عيد الغفران، العيد الثامن "فرحة التوراة".