وصلت الصورة.. وغاب المصور
يامن نوباني
قال المتحدث: "محور الأب والابن، المركز الخامس، صابر نور الدين من فلسطين". صفق الجمهور الغفير بحرارة، لكن أحدًا لم يمشِ إلى عتبات المنصة، ساد صمت لثوانٍ معدودة، قبل أن يُعلن اسم الفائز التالي، والذي تقدم مسرعًا وسعيدًا وهو يتسلم جائزته من وزيرة السعادة في دولة الامارات، عهود الرومي.
"لم يمكنني الحصار المفروض على قطاع غزة من حضور الحفل الختامي لإعلان أسماء الفائزين بجائزة الشيخ حمدان بن محمد الدولية للتصوير الضوئي، لحظة كان اسمي "صابر نور الدين" من فلسطين، يتردد على منصة توزيع الجوائز، كنتُ نائمًا، لجأت إلى ذلك لشعوري بالإحباط بعد عدم تمكني من السفر، قبل أن يجتمع الأهل والأقارب والأصدقاء فوق رأسي للاحتفال بحصولي على المركز الخامس في "محور الأب والابن" للدورة الخامسة من الجائزة والتي حملت عنوان "السعادة"، يقول المصور الصحفي صابر نور الدين.
خلال الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة في صيف العام 2014، فقد أفراد عائلة النملة أطرافهم، عندما هربوا من منزلهم للوصول الى مكان آمن، لكنهم لم يستطيعوا تفادي القصف العشوائي من قبل الطائرات الحربية الاسرائيلية وقد أصيب الأب وائل، (27 عاما) والذي فقد قدمه اليمنى والأم اسراء، (21 عاما) والتي فقدت قدميها وطفلهم شريف، (3 سنوات) والذي فقد قدمه اليسرى.
يقول نور الدين: كانت الفكرة لدي هي الحصول على صورة واحدة تجمع أفراد العائلة المصابين ولكن للأسف لم أستطع إلّا الحصول على صورة للأب وائل النملة، 27 سنة والابن شريف وائل النملة، 3 سنوات. وعندما فشلت في الحصول على صورة جماعية وذلك لسوء الحالة الصحية للأم اسراء التي فقدت قدميها الاثنتين، اضطررت للمكوث مع العائلة لمدة أطول استمرت أكثر من 5 ساعات للاقتراب من أفراد العائلة أكثر والحصول على قصة مصورة قصيرة تتحدث عن معاناة هذه العائلة المنكوبة، وكانت من بين هذه الصور، صورة الأب والابن وائل وشريف النملة وقد ظهر فيها الأب وائل وهو يداعب طفله شريف ويستمتع بالاستماع اليه والذي ظهرت علي جسده آثار الاصابة تماما كوالده.
عرف نور الدين، التصوير في سن السادسة عشرة، على يد شقيقه الصحفي والمصور فايز نور الدين، بعد عام امتلك كاميرا "كانون فيلم"، وبدأ العمل لوكالة الانباء الفرنسة في عام 1997، كمصور مبتدئ إلى جانب فايز الذي كان يعمل لنفس الوكالة.
يقول نور الدين: ما بين عام 1997 و عام 2003 تعلمت الكثير على يد استاذي فايز نور الدين والذي يقيم ويعمل الآن في المملكة العربية السعودية في مكتب وكالة الأنباء الفرنسية AFP بعد انتقاله للعمل خارج فلسطين منذ أكثر من 12 عاما، في 2003 انتقلت للعمل مع الوكالة الأوروبية EPA بعد ان أنهيت شراكة العمل مع وكالة الأنباء الفرنسية AFP دامت سنين، وقد اختارتني الوكالة الاوروبية للعمل ضمن طاقم مصوري الوكالة في الشرق الاوسط وتحديدا في قطاع غزة، وكانت هذه بداية التجربة الأفضل والأقوى في حياتي العملية والتي ساعدتني على تطوير نفسي خطوة تلو الأخرى، وما زلت على راس عملي مع الوكالة الأوروبية EPA.
ويتابع، أعمل على نقل قضية ومعاناة شعبي بواسطة الصورة، إلى العالم، دون أن أنسَ نقل الأشياء الجميلة التي تحدث له، في العام 1997 كُنت قريبا من الشهيد الراحل ياسر عرفات، حيث لم يكن هناك أكثر من 20 مصورًا في القطاع، شهدت أحداثًا كثيرة، بعيني وعدستي، وكان أصعبها حين وقفت مع عدد من الزملاء الصحفيين على بعد مئة متر من حادثة إعدام الطفل محمد الدرة، إضافة الى وجودي قريبا من حادثة اغتيال صلاح شحادة، كنا نلتقط الصور ونحن مصدومون مما نراه وننقله بعدساتنا.
ويضيف حول شعوره كمصور وصل العالمية بعدسته ودقة إبرازه لما يحدث فوق أرض فلسطين: كان شعوري بالفوز رائعًا، خاصة وأننا كصحفيين فلسطينيين لم نكن ننصف من قبل لجان التحكيم في الجوائز العالمية، بمجرد أن يفوز فلسطينيان بالجائزة لأول مرة منذ انشاء الجائزة لهو شعور مشرف خاصة أن الجائزة أصبحت من أقوى الجوائز العالمية متابعة ومشاركة، فأن تكون فائزا من بين اكثر من 32 الف مصور مشارك من جميع أنحاء دول العالم فهذا شرف كبير ونجاح عظيم في توصيل رسالة شعبنا.
وحول انجازاته يقول نور الدين: في العام الماضي فزت بإحدى عشرة جائزة عن صورة أب يحمل طفله الشهيد (6 سنوات) بعد استشهاده مع أكثر من أحد عشر طفلا في أول أيام عيد الفطر في مخيم الشاطئ، أثناء لهوهم، كما ترشحت صورتي ايضا من بين أفضل ثلاث صور لجائزة الصحافة العربية في الدورة الرابعة عشرة في دبي.. و في عام 2010 - 2011 اخترت بين أفضل 13 مصورا تحت سن 30 عاما من قبل جائزة world press photo.
خلف الإضاءة المتوهجة، والموسيقى الفنية المُبهرة للحفل الختامي، في وسط دبي، حيث مئات الكاميرات تضبط عدساتها على الحدث، والمياه الصاعدة للأعلى من نافورة حديقة البرج، تُراقص الحضور وتزيدهم شغفًا، كان صابر نور الدين يُتابع عبر شاشة التلفزة، حفلًا يعنيه شخصيًا، حفلًا يحتفل بصورة التقطتها عدسته لأب وطفل فقد كل منهما قدما، فيما لم تطأ قدما صابر نور الدين أرض دبي.