مسرح الحرية يذبل بعد اغتيال جوليانو
غاب إيقاع مسرح الحرية بمخيم جنين بعد رحيل مؤسسه جوليانو مير خميس، فلا صوت في المسرح ولا فنانون يرسمون على خشبته رواية لغسان كنفاني، ولأن المسرح فكرة والفكرة لا تموت كما يرى المخرج نبيل الراعي، إلا أن العمل في نفس المكان الذي قتل فيه جوليانو بات بالأمر الصعب.
يقول الراعي بصوت غاضب "لماذا قتل؟ لماذا مات بهذه الطريقة البشعة الصعبة؟ لماذا؟" تساءل الراعي من فوق خشبة المسرح التي طالما جمعته بصديقه خميس، وقد بدت عيناه غارقتان بالدموع التي أبت أن تسقط على وجنتيه، بينما كان نصف وجهه المضيء مغطى بلمحات الغضب والحزن.
كان مسرح الحرية أوسع بوابة للثقافة والحياة في مخيم جنين، وارتبط اسمه بأطفال المخيم ومقاتليه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، لكن شاء من شاء بأن لا يعيش المسرح في المخيم أكثر من ذلك، وباتت فكرة واحدة تلوح في الأفق بعد الاغتيال، وهي نقل المسرح إلى مركز مدينة جنين بعيدا عن المخيم.
قالت روند عرقاوي منسقة مدرسة التمثيل في المسرح والدموع تضيء خديها "الناس لا يعرفون ماذا كان جوليانو بالنسبة لنا، منذ متى كان المسرح خاليا كما اليوم؟ نحن لم يبق لنا أي شيء بعد جوليانو".
بات المسرح مهجورا مرعبا لكل من عرف جوليانو، الساحات تغيرت، الجدران رائحتها اختلفت وازداد سوادها بعد اغتيال شمعتها.
يقول زكريا الزبيدي المقاتل السابق والداعم للمسرح "مهمتنا الآن الحفاظ على الداعمين الأجانب كي نستمر في العمل. أعلم أن أي بناء إذا فقد عاموده الرئيسي سيتصدع، والمسرح تصدع باستشهاد جوليانو لكنه لم ينهار، ويمكننا ترميمه والاستمرار في العمل".
لكن نبيل الراعي المخرج الأكثر قربا من جوليانو وفنه لم يُخف صعوبة الاستمرار في المسرح، وقال "سنستمر في العمل من أجل الصغار لا الكبار، لكن هذا صعب لأنني لم أعد قادرا على رؤية المسرح ولا المخيم، ولا أستطيع أن أُحب الناس كثيرا، لأن ردود الفعل بعد عملية القتل قتلت فينا الروح أكثر من الاغتيال نفسه".
بعض أهالي المخيم الذين لم يكن لهم علاقة بالمسرح ولم يزوروه ولو لمرة واحدة رفضوا الحديث، لكنهم لم يخفوا عدم ارتياحهم لأفكار جوليانو وانفتاحه، وهذا ما خلق إحباطا كبيرا في نفوس العاملين في المسرح والمحبين للمخيم.
يقول الراعي رداً على وجهة نظر الناس الرافضين للمسرح "إذ لم نؤمن بأن المسرح يقاوم جنبا إلى جنب مع البندقية لن نتحرر أبدا".
يذكر أن مسرح الحرية عمل لأكثر من ربع قرن على نشر الوعي الثقافي والثوري في مخيم جنين، ولفت أنظار العالم للمخيم بما كان ينتجه من مسرحيات وأفلام رفعت صوت اللاجئين وأحلامهم.