شركات حج وعمرة حبر على ورق
شهر ونصف وشكوى للمعتمرين قيد المتابعة
هدى حبايب
أثارت فاجعة المعتمرين الأخيرة التي راح ضحيتها 16 شهيدا، كانوا في طريقهم إلى الديار الحجازية، حالة من الاستياء لدى المواطنين، متسائلين عن الأسباب الحقيقية وراء وقوع هذا الحادث وغيره من الحوادث المماثلة.
ورأى كثير من المعتمرين أن مسؤولية هذه الحوادث بعد القضاء والقدر، تتحملها شركات الحج والعمرة، التي تتبنى رحلات العمرة والحج وتتسابق في جذب أكبر عدد ممكن من المواطنين، الراغبين في تأدية مناسك العمرة، عبر مجموعة من الامتيازات والتسهيلات التي تعرضها على المستفيدين، منها ما ينفذ، فيما الكثير يبقى مجرد حبر على ورق، فتقع عندها المشكلة.
الحادث الأخير الذي وقع يوم الخميس الماضي، فتح أبواب تفاصيل لأحداثٍ مشابهة، وحوادث كادت أن تقع وتزهق فيها الأرواح، سردها مواطنون في طولكرم لمراسلة "وفا"، تعرضوا لها خلال رحلتهم إلى الديار الحجازية.
وأجمع هؤلاء أن السبب الرئيسي وراء معظم الحوادث، وجود سائق واحد في الحافلة التي تقلهم من الأردن إلى السعودية لمسافة آلاف الكيلومترات، وهم على علم بوجود سائقين اثنين على الأقل، إضافة إلى الخلل في الحافلات، مما أوقعهم في المشاكل ووقعوا عرضة للحوادث بسبب نوم السائق وسهوه وبالتالي سيطرة القلق والخوف على المسافرين من مصير مجهول قد ينتظرهم.
طولكرم وتحديدا بلدة دير الغصون شمال المحافظة، فقدت 4 معتمرين خلال الحادثة الأخيرة، وعدد من الإصابات ما زال يتلقى العلاج في المستشفيات الأردنية، السبب حسب "شهادة الناجين من الحادث" هو سهو السائق عدة مرات، مما أدى إلى انحراف الباص عن مساره وانقلابه.
رواية أحد الناجين من الحادث
محمود محمد صالح خليل أصيب برضوض في مختلف أنحاء جسمه، فقد زوجته سماح محمد علي خليل، وابن عمه وزوجته، وزوجة ابن عمه الآخر الذي أصيب بكسور في أضلاعه ويعالج في المستشفيات الأردنية
اضطر محمود إلى وقف علاجه في المستشفى وعلى مسؤوليته الخاصة والعودة إلى بلدته للمشاركة في تشييع جثامين من فقد، على أن يعود مرة أخرى إلى هناك لإكمال العلاج.
يقول: توجهنا إلى الأردن عبر الجسر، تعرضنا للتأخير 3 ساعات عند الجانب الإسرائيلي، وعند إنهاء الإجراءات خرجنا نحو الباص الذي كان بانتظارنا، ولم أعلم بأن هناك سائق واحد، وإلا لم أكن لأركب الحافلة.
وأضاف: وصلنا إلى النقطة التي تبعد 40 كم عن الحدود السعودية الأردنية، وكنا بين الحين والآخر نشعر بأن الباص قد انحرف عن مساره بسبب سهو السائق، فطلبنا منه أن يقف للاستراحة قليلاً، إلا أنه رفض بحجة أنه لم يتبق سوى مسافة قليلة للوصول للحدود بمدة ثلث إلى نصف ساعة، وهناك سيستريح في فترة الانتظار التي تطال خمس إلى ست ساعات لحظة الصفر.
وأضاف محمود أن الباص كان يسير على جهة اليمين، وفجأة ظهر انعطاف في الطريق، فانحرف الباص إلى جهة اليسار، وأصبح يمشي على عجلين لمسافة 20 مترا إلى أن انقلب على جنبه، وانسحل على الأرض مسافة 100-150 مترا، فوقع حينها الشهداء والجرحى.
ما حدث وضع محمود أمام حقيقة مفادها، أن هناك خللا ما قد حصل في ترتيب إجراءات السفر، قائلا "من غير المعقول أن يكون هناك سائق واحد لرحلة طويلة تحتاج إلى الراحة بين الفترة والأخرى".
ونوه إلى أن الشركة التي تعاقد معها هي إحدى الشركات المعروفة في طولكرم، وهناك عقد موقع بين المعتمرين والشركة، من ضمن البنود أن تكون الباصات التي تقلهم إلى السعودية عمرها ليس أقل من عام 2009، والفنادق قريبة من الحرم.
ولفت إلى أن مسؤول الشركة اتصل هاتفياً معهم وهم في المستشفى، للاستفسار عن الحادث، ومن بعدها لم يشاهدوا أحدا، أو حتى اتصال آخر منهم.
رواية مجموعة معتمري مستشفى الهلال الأحمر
رواية أخرى لمجموعة من المعتمرين من أطباء وممرضين وإداريين من مستشفى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في طولكرم، خرجوا قبل شهر ونصف معاً بمجموعتين لأداء مناسك العمرة من خلال إحدى شركات الحج والعمرة في طولكرم، مع عائلاتهم أطفالاً ونساء.
تعرضت هذه المجموعة لمواقف صعبة خلال الرحلة مخالفة لكل الاتفاقيات مع الشركة والتوقعات التي كانوا ينتظرونها برحلة دينية روحانية مريحة، فوقعوا فريسة لأطماع وتجاوزات هذه الشركة كادت أن تودي بحياتهم، لولا لطف الله بهم (حسب روايتهم).
خروجهم للحديث على الملأ في هذا الوقت بالذات، ليس وليد صدفة، بل نتيجة لتكرار حوادث المعتمرين ووقوع الضحايا، من ضمنهم زميلة لهم تعمل ممرضة في مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي توفيت في الحادث الأخير، في رسالة للمواطن بضرورة أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع هذه الشركات.
ويقول الدكتور جهاد حسونة، من بداية الرحلة، كان هناك عدم تنظيم، حيث المماطلة في مواعيد السفر بحجة عدم وصول جوازات السفر، ثم وضعهم في سيارات الأجرة ذات السبعة ركاب بعدد يفوق العدد المسوح به لإيصالهم إلى الجسر، فتم تجميع كل 11 راكبا في سيارة واحدة بذريعة كسب الوقت كون الجوازات تنتظرهم على الجانب الأردني.
وأضاف: انتظرتنا مفاجآت سيئة لم تكن في الحسبان، حيث لا عقد موقع مع الشركة عن تفاصيل الرحلة، الباص لا يضم سوى سائق واحد كان منهكاً بسبب وصوله للتو من رحلة عمرة ولم يتسن له الاستراحة بسبب رحلتنا، مع وجود خلل تقني في الباص واتضح ذلك من خلال الأصوات التي كانت تصدر عنه، وإخبار السائق لهم بأن الباص بحاجة إلى صيانة في مكة ولم يتمكن من تنفيذها بسبب هذه الرحلة، مع عدم وجود مرشد ديني أو إداري بل كان هناك أحد الأشخاص بمسمى إداري (وهمي)، لم يمتلك أي صلاحية خلال الرحلة ولم يكن بحوزته حتى رصيد في جهاز الجوال للإعلام عن أي طارئ ممكن أن يحدث.
وأضاف، خلال رحلة المسير بالباص الذي كان يسير بسرعة 120-130 كيلومترا، انحرف الباص عن مساره 4 مرات كان يتعرض حينها للاهتزاز، مما تسبب في بث الخوف والهلع في صفوف المعتمرين، فاتضح أن السائق قد سهى قليلاً، وكاد أن يغط بالنوم لولا يقظة المسافرين وتنبيههم له عدة مرات.
الممرض نضال عامر، تزوج حديثاً وأعلن نيته السفر إلى العمرة هو وزوجته احتفالاً بهذه المناسبة، فاضطر إلى أخذ سلفة من المستشفى هو وبعض زملائه لاستيفاء مصاريف الرحلة، ولم يكن يعلم أن كل ما جمعه سيصرف على المواصلات في مكة والمدينة بسبب عدم تأمين الشركة مواصلات مجانية توصلهم إلى الحرم أسوة بباقي الشركات، فاضطر إلى الاستدانة من أحد زملائه بعد نفاذ ما معه من مال.
ويستكمل حسونة حديثه.. خلال المكوث في مكة، حضر ياسر شاهين مدير الرقابة في دائرة الحج والعمرة، تم اطلاعه على حيثيات الرحلة والخلل الحاصل، وقام بتدوين ما سمعه، وطلب منهم كتابة كتاب رسمي وإرساله إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وبالفعل تم كتابة الشكوى إلى وزير الأوقاف وإرسالها من خلال مديرية أوقاف طولكرم، مشيراً إلى أن ذلك كان قبل شهر ونصف دون أن يتلقوا أي إجابة حول الموضوع حتى الآن، أو إجراء أي تحقيق في القصة.
فحوى الشكوى المقدمة لوزارة الأوقاف
اشتكى هؤلاء المعتمرون في كتابهم، من إخلال الشركة بالوعود معهم، ووقوعهم في مشاكل عدة كادت أن تودي بحياتهم، وذكروا فيه أن الشركة المذكورة قامت باستغلالهم والكذب عليهم، ولم تفِ بالتزاماتها تجاههم، بل كان هناك استهتار وتقصير بأرواح المعتمرين، وعدم القيام بأي واجب شرعي وإداري من ناحية الإرشاد لهذه الرحلة، مطالبين الوزير بالنظر في هذه الشكوى واتخاذ ما هو مناسب حتى لا يتكرر هذا الأمر، علماً أن الكتاب موقع بأسماء المعتمرين وتواقيعهم وأرقام هواتفهم.
بنود اتفاق المعتمرين مع الشركة
وتنص بنود الاتفاق مع الشركة التي وعدت بتنفيذها، كما سردها حسونة، بأن تكون هذه الرحلة مميزة لهذه المجموعة، من خلال باص مميز، يقوده أكثر من سائق وتكون الإقامة في مكة المكرمة في فندق درجة ممتازة وقريب جدا من الحرم، بحيث يبعد عنه مسافة 300- 500 متر فقط، ويكون الفندق مجهزا بخدمة الانترنت أيضاً، والمواصلات مؤمنة من الفندق لباب الحرم على مدار الساعة مجانية، كما تم إبلاغ البعض بوجود وجبة فطور مجاناً، وتكون مدة الإقامة في مكة 6 ليالٍ كاملة.
هذا الاتفاق لم يطبق منه بند واحد، قال حسونة، فالفندق يبعد مسافة أكثر من ألف و200 متر، ولا يحوي على وسيلة مواصلات، مما أضطرهم إلى استخدام سيارات الأجرة على حسابهم الشخصي، ما أثقل كاهلهم وكلفهم أعباء مالية كبيرة لم تكن بالحسبان، وتقلصت مدة الإقامة إلى خمسة أيام وأربع ليال في مكة فقط.
ولفت حسونة إلى أن أحد المعتمرين من كبار السن تعرض لأزمة صدرية عند ذهابه إلى الحرم مشياً على الأقدام لأداء الصلاة، وتم نقله إلى المستشفى من قبل الشرطة هناك، وكانوا يجهلون أية معلومة عنه، بسبب عدم توفير أي وسيلة اتصال مع الإداري الوهمي، الذي قال لهم أكثر من مرة بأنه لا علاقة له فيهم.
تجاوزات هذه الشركة كما قال حسونة وصلت إلى عدم إبرازها لأي عقد للتوقيع عليه كما هو مفروض ومتبع حسب شروط وزارة الأوقاف، ولم يكن هناك أي بطاقة تعريف بالمعتمرين وبعناوينهم وأرقام هواتفهم في مكة والمدينة، في حال حدوث طارئ، كما لم ينظم رحلة للمزارات في مكة المكرمة كما هو معتاد، واضطروا إلى الذهاب إلى جدة على حسابهم وبمبلغ كبير.
يقول الممرض عامر، أن الشركة حاولت حل المشكلة بشكل شخصي بتفويض أحد الشيوخ المعروفين في طولكرم، والطلب منهم سحب الشكوى، وإرضاء بعض الأطراف بالتوقيع على عقود بأثر رجعي مقابل أن تدفع لمن يوقع مبلغ ألف شيكل إلا أن عامر رفض ذلك، وغيره الكثيرين.
حسونة وعامر اعتبرا ما يحدث وما سيحدث من بعض هذه الشركات ما هو إلا جشع منها لكسب الأموال، وتجارة بالدين والأرواح والناس، موضحاً أن همّ المواطن الذي ينوي العمرة منذ سنوات، هو جمع ما بحوزته من مال للذهاب للرحلة متغلباً على الوضع الاقتصادي الصعب من أجل رحلة دينية روحانية، لتكون نهايته مأساوية بسبب الإهمال.
ردود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على الشكوى المقدمة
ياسر شاهين مدير الرقابة في دائرة الحج والعمرة أكد علمه بتفاصيل الشكوى المقدمة من مجموعة المعتمرين من مستشفى الهلال الأحمر، كونه التقى بهم في السعودية، مشيراً إلى أنها قيد المتابعة في دائرة الحج والعمرة.
أوضح شاهين أنه يتابع أداء الشركات في رحلات العمرة طوال 24 ساعة، من خلال تواجده سواء على استراحة أريحا أو في مكة والمدينة، ويقوم بكتابة أية شكوى ترده ورفعها إلى المسؤولين في الوزارة لمتابعة حيثياتها، وإيجاد حلول لها.
فيما رأى سليم الأشقر مدير عام الحج والعمرة، أن فحوى الشكوى المقدمة من معتمري الهلال الأحمر غير مقنع، لعدم وجود بعض البنود والأدلة فيها، إلا أنه أكد أنها قيد المتابعة، مشيراً إلى أنه "كلف أحد الأخوة من الوزارة لمتابعة الموضوع مع الشركة، وإذا ثبت أي شئ ضدها سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية".
وقال إن هناك إشراف لرحلات العمرة من خلال طواقم الوزارة، والتأكد من التزام الشركات بالتعليمات، وأي شكوى تصل للدائرة تتم متابعتها، لافتاً إلى أن الوزارة تلزم الشركات بتوقيع عقد مع المعتمرين، وفي الوقت ذاته تهيب بالمواطنين توقيع عقود مع الشركات، وأي إخلال بالعقد ستكون هناك محاسبة لها.
واختتم بأن دور الوزارة هو التسهيل على المواطنين وحمايتهم من جشع الشركات، لكن في الوقت ذاته قال أن هناك بعض التجني من قبل المواطنين على الشركات، وهذا لا يمنع من تتبع أي شكوى تصل للوزارة.
وزير الأوقاف والشؤون الدينية الشيخ يوسف إدعيس قال في بداية الحديث أنه لم تصله الشكوى ولم يطلع عليها، الا أنه أكد أن الوزارة تبحث في كافة الشكاوي المقدمة لها، وفي الوقت ذاته تتأنى في اتخاذ القرار، "فهذه الشركات هي أرزاق لأناس يعتاشون عليها ويجب أن يكون القرار النهائي حكيماً، لا ظلم لأحد فيه"، في الوقت ذاته شدد على أن الوزارة لن تتوانى في حالة ثبوت التهم المنسوبة على أي شركة في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
ولفت إلى أن نتائج التحقيق بالحادث الأخير ما زالت مستمرة في الأردن وأن وزارته على متابعة حثيثة وتواصل مع وزارة الأوقاف الأردنية والسفارة الفلسطينية هناك، وبانتظار شهادة رسمية من السائق الذي لا يزال قيد العلاج، بعد أن يستعيد كامل قواه الجسمية والعقلية.
وأكد أن أي شكوى لدى المواطن من أي شركة لم تلتزم بالاتفاقيات والتعليمات سيتم اتخاذ الإجراءات لمتابعتها.
وأهاب الشيخ ادعيس بكافة المواطنين بعدم التعامل إلا مع الشركات التي تم تأهيلها من قبل الوزارة حفاظا على حقوقهم ومصالحهم حيث أن الوزارة تتابع عمل هذه الشركات، وتتابع سفر المعتمرين من مختلف المحافظات عبر المعابر ونقاط الحدود، وكذلك متابعة سفرهم وإقامتهم في الديار الحجازية من خلال طواقم العمل التي تشرف وبشكل مباشر على أداء شركات الحج والعمرة المؤهلة وتتابع كافة القضايا المتعلقة بالمعتمرين.
وشدد على وجوب إلزام شركات النقل العام بتوفير سبل الراحة للمسافرين، بتوفير سائقين اثنين في كل حافلة، التي يجب أن تكون بأعلى المواصفات والمقاييس، وأخذ قسط من الراحة في مواقع الاستراحات خلال الطريق، لافتاً إلى أن المسافر أحيانا يساهم في الخطأ الواقع على السائق من خلال الإلحاح عليه بزيادة السرعة.
وأعلنت وزارة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية في الأردن يوم الأحد المنصرم، قرارا بفرض وجود سائق ومعاون له على كافة الحافلات المتوجهة إلى الديار المقدسة، ويشمل القرار كافة حافلات الحج والعمرة التي تمر عبر الأردن.
ترحيب بتحفظ
ردود المسؤولين في وزارة الأوقاف لاقت ترحيبا من هؤلاء المعتمرين، إلا أنهم في الوقت ذاته أبدوا تحفظاً تجاه تصريحاتهم بشأن متابعة الشكوى التي طال أمدها دون أن تصل ليد الوزير صاحب الكلمة النهائية، متنقلة من دائرة إلى أخرى ومن مدير إلى آخر، دون أن تلقى آذان صاغية حتى اللحظة.
السؤال المطروح: ما المدة الزمنية التي تستغرقها المتابعة لإعلان نتائجها على الأرض، شكوى رسمية تقدموا بها مباشرة إلى وزير الأوقاف قبل أكثر من شهر ونصف يشرحون فيها ما تعرضوا له من ظلم وقع عليهم من شركة همها الربح على حساب أرواح المواطنين، بانتظار بث قرار فيها كان من الممكن أن يحول دون وقوع الكارثة الأخيرة، هل ينتظر أن تزهق أرواح أخرى للبث في الشكوى بشكل جدي ونهائي؟