احمد عبد الرحمن في يوم الوفاء لعرفات- حسن سليم
في متحف محمود درويش برام الله، الشاعر العام، كما وصفه أحمد عبد الرحمن في كتابه الذي أهداه لروحه، ولروح الخالد ياسر عرفات القائد العام، وفي حفل اشهار الكتاب وتوقيعه، كان المنتظر أن يتحدث أحمد عبد الرحمن عن فصول الكتاب، بعد تقديمه من قبل الروائي يحيى يخلف والباحث عزيز العصا، لكنه اكتفى بما تم من تقديم، وفضل النهوض من كرسيه، ليتحدث واقفاً صادحاً مدافعاً عن عرفاتيته.
وقف أحمد عبد الرحمن ليتحدث عن الظلم التاريخي لشعبنا ولياسر عرفات، الذي جسد الشخصية الوطنية على مدى أربعة عقود، تحمل ظلم ذوي القربى، وواجه الخصوم بشجاعة وشرف، مقابل أن يعود الى حيث وعد شعبه، وليقيم دولته ولو كانت على القليل الممكن، الذي تبقى منه على أقل من ربع مساحة ارضه. وفي الجبهة الداخلية ليتعامل بحكمة مع الثغرة التي كانت تتسع رويداً رويداً، وتتمثل ببعض القوى التي تقاتل من أجل أفكارها وليس من أجل فلسطين.
مهمة ياسر عرفات لم تكن سهلة، كما يقول احمد الرحمن، وهو يواجه السيل الاستيطاني، والسرقة لما تبقى من الارض، ولا يملك غير الدهاء في المعركة السياسية، ليشكل السد بالتثبت والبناء على الأرض ليصده، مقابل عدو يعرف باليقين انه لن يتملك الارض بمجرد قصاصات ودق ممهورة بتوقيع. ولهذا كان يعلم ويعي ياسر عرفات ما أعد لنفسه من مكانة في تاريخ العالم المعاصر، وأشرف بنفسه على توفير وجع ضروري للفصل الاخير من اسطورته الحية، كما رثاه محمود درويش.
في تقديمه للكتاب والكاتب كان قد طالب الروائي يخلف بان لا يتم تناول ياسر عرفات مقدسا دون أخطاء، كونه بشر، يصيب ويخطأ، وهو ما لم يرق للمؤلف احمد عبد الرحمن، الذي استدعى التاريخ بجملة مواقف ليبرهن صوابية موقفنا السياسي، رافضا وجود ما نخجل منه، ما يتطلب مواجهة فزاعة الرواية الاسرائيلية، بكل شجاعة، حتى لا ندخل في فوبيا، نهرب من مواجهتها، وهي في الحقيقة مزورة، لا أصل لها.
الرواية المزورة لاسرائيل ورعاتها، كما يقول أحمد عبد الرحمن كانت الحافز له ليكتب ويوثق الأحداث والمواقف التي كما وصفها يحيى يخلف في تقديمه، بانها لم تكن مستندة الى مراجع، بل الى ما قرأه أحمد عبد الرحمن في ياسر عرفات، والى إحداث ومواقف عاشها معه، والى ما تفاكر معه من مواقف بصوت عال، لتشكل بمجموعها نصوص الكتاب "عرفات، حياته كما ارادها "، ومن قبله كتاب" عشت في زمن عرفات"، الذي فاز بجائزة الدولة.
وما كان ملفتاً، يستحق الذكر بان يصف الرجل الذي عمل في الإعلام لأكثر من أربعة عقود، نفسه ب" الهاوٍ" وليس الكاتب، وهو الذي قاد المجلة السياسية الأهم، في العالم العربي، "فلسطين الثورة "، لعشرين عاما، والتي كان العالم ينتظر ما سيرد في افتتاحيتها، لما تتضمن من تحديد لوجهة الموقف وبيان خط سيره، ومسؤولاً للاعلام وناطقاً رسمياً باسم المنظمة لاثني عشر عاماً، وأميناً عاماً لاتحاد الكتاب والصحفيين لعشرين عاماً، وكتب مذكراته، ويومياته، على مدار اربعة عقود، ولا يترك شاردة ولا وارده الا ودونها، وهو صاحب الجملة السياسية التي لا تقبل الخدش، ولا تتطوع لأكثر من معنى، ومؤتمناً على موقف وخطاب ياسر عرفات السياسي لأكثر من ثلاثة عقود.
دعوة أحمد عبد الرحمن لحفظ الرواية والتاريخ، كانت لأنها الأهم اليوم في ظل مواجهة دولة لا تاريخ لها، سوى ما كتبته زوراً، وتزويراً، وما تريدنا والعالم ان نصدقه، وهذا ما يحتاج لأكثر من مجرد تأليف كتاب أو مقالة، حتى نحمي ونحصن الوعي والرواية الفلسطينية من الاختطاف والعبث بمكوناتها.
حفل إشهار كتاب "عرفات، حياته كما أرادها"، وصادف يوم الكرامة، كان مناسبة من العرفاتيين لتجديد الوفاء للخالد ياسر عرفات، ولمدرسته الثورية، ولنهجه الكفاحي، الذي دفع حياته ثمناً لأجله، وللاعتزاز بيوم الكرامة الذي قاتل فيه ياسر عرفات وانتصر.
أذكر أنني سألت أحمد عبد الرحمن يوما عن سر كتابته لإسم "ابو عمار"، في كتابه "عشت في زمن عرفات"، دون تغييرها، رغم ورودها في مواضع تستوجب النصب أو الجر، وليس الرفع فقط، كان جوابه، بأن ياسر عرفات لا يتغير بتغير المواضع. جواب كان يكفي للتعرف على من هو " ياسر عرفات " وفق منظور العرفاتي أحمد عبد الرحمن.
hasan.media@yahoo.com