في البريج.. أسطح المنازل لسد حاجة العائلة من الخضراوات ومصدر للرزق
توفيق المصري- تتخذ النسوة في مخيم البريج جنوب قطاع غزة من أسطح المنازل ملاذا للعمل والانتاج في ظل الظروف المعيشية الصعبة، فيعملن على زراعة المساحات الضيقة المتاحة من أجل سد الحاجة المنزلية من الخضراوات، وبعضهن يتخذنه مصدراً للرزق.
وبهذه الطريقة استطاعت سامية أبو السعود "40 عاماً" إعالة أسرتها المكونة من 10 أفراد في ظل تعطل زوجها عن العمل، وإعالة اثنين إخوة زوجها المعاقين. وتقول أبو السعود ان تجربتها في هذا المشروع نجحت بعد ان شاركت في دورات استمرت عدة اشهر لتنجح بعد ذلك في استغلال الحيز الضيف في الزراعة الآمنة.
وأشارت إلى أن هوايتها كانت في الصوف والتطريز بعد ان اجتازت دورة تدريبية بتقدير امتياز، وبعدها انتقلت لدورة تجميل وحظيت فيها بتقدير ممتاز أيضاً. ولفتت إلى أن حصولها على درجات الامتياز قد لفت عناية المركز لمساعدتها في مشروع يدر عليها وعلى عائلتها دخلاً.
وقالت أبو السعود: "لاحظ المركز المنظم للدورات حصولي على درجات الامتياز، فأحبو يساعدونني، وسألوني عن المجال الذي أرغب بالعمل فيه، وكنت أشعر بأن عملي آذنة غير لائق بي (...) وكنت أفضل شيئا أكثر من ذلك، فاخترت منذ عام 2008 أن أزرع الفطر".
وتضيف: "زراعة الفطر كان شيئا غريبا في المجتمع الفلسطيني كما انه مادة رخيصة بالنسبة لسعر الدجاج علما انه يحتوي على البروتين كما اللحوم".
وقالت أبو السعود ان زراعة الفطر لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، ولا تحتاج لتربة وتوضع في مكان آمن ولا تستخدم في زراعته أية مواد كيميائية".
وتابعت: "أنشأت مشروعي حينما كان هناك تمويل لمشروع (الزراعة الحضرية) المخصص للسيدات، وأنا قلت ان مشروعي سيتخصص في "زراعة الفطر" حين شعرت بأن المشروع لافت بعدما أبدى مهندس المشروع سعادته بزراعتي وتخصصي بالفطر، لا سيما أن زراعته ضئيلة في قطاع غزة، فأخذت هذا المشروع انطلاقة لدعم الأسرة وللتجارة".
وعن دخل المشروع قالت أبو السعود: "زراعة الفطر مفيدة ولا تستهلك في البيت شيئا، ولا تستهلك وقتا، وتحتاج لاهتمام بسيط ولا تستهلك ماء حيث يتم ريه بالبخاخ فقط، وزراعته تكون في سلال، وتبلغ تكلفة كل سلة كمادة خام 20 شيقلا، ويكون إنتاجها 90 شيقلا، وأنا انتجه على مدار السنة".
ولفتت أبو السعود إلى أنها تقوم بالزراعة حسب طلب الزبائن من 20 إلى 30 سلة، وأنها مبدئياً تتعامل مع الناس في البيوت.
وتقول: "أوصي ابني الجامعي بالتوصيل والتسويق(...) وأحياناً أبيع بـ 200 شيقل في الإسبوع فأي شاب لا يقدر على جلبهم باسبوع في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة".
وتسعى سامية أبو السعود لأن تطور مشروعها بقدرتها على زراعة 100 سلة و200 سلة.
وتمنت أبو السعود نجاح مشروعها وبأن يعرفها الناس، وطالبت الجهات الحكومية بدعم هذه الزراعة، ودعم مشاريع الزراعة على أسطح المنازل كونها توفر مصدر دخل لكثير من الأسر في ظل تآكل المساحات المزروعة.
قصص لسيدات مبادرات
أما أم فراس مغاري "40 عاماً" فأصرت على أن يكون مشروعها زراعيا، لكن بأن يختلف عن باقي مشاريع النساء الأخريات، فكان مشروعها عبارة عن "تشتيل" لأصناف المزروعات، وذلك لإعالة أسرتها المكونة من 5 أفراد ولمساعدة زوجها المتعطل عن العمل.
وعن مبادرتها في الزراعة تقول السيدة مغاري: "عندي قطعة أرض صغيرة ولا يوجد لدي أي مصدر دخل، ولم أجد لي غير أن أقوم بالتشتيل بيدي وأزرع الأرض(...) فشتلت وزرعتها وفعلاً نجحت بإشراف مهندس".
وقامت مغاري بزراعة عدة أصناف إلى جانب تشتيلها فزرعت القمبوطة والفلفل، وتحضر لشهر رمضان لزراعة البقدونس والعين جرادة.
وتقول: "المركز وفر لي شغلات كتير ولم يكن لديَّ مكان للمشتل ووجهزوا لي "دفيئة" على السطح ومواد السمادة، ووفر المركز قاعدة وأساسيات لانطلاق المشروع".
ولفتت السيدة مغاري إلى خوضها في مجال الزراعة عن خبرة سابقة في الزراعة مع العائلة في القدم حيث كانت تشارك والدها وأجدادها في الزراعة، وتدربت في المركز.
وأشارت إلى هذا المشروع أصبح يوفر مصدر دخل للأسرة ويكفي احتياجات البيت في بعض الاحتياجات من خضراوات.
وتمنت بأن يكبر مشروعها ويكبر ليصل لـ 20 و 30 مشتلا بعدما كانت انطلاقتها من مشتل واحد، كما وتمنت من الجهات الرسمية الحكومية أن تكثف جهودها في مجال الزراعة؛ لأن الزراعة شبه انقرضت في بعض المناطق في قطاع غزة.
وأوصت بدعم النساء في البيوت في مشاريع الزراعة أو التطريز وغيرها من المشاريع التي تنتشل الأسر من حالتها.
الأول من نوعه
مركز العائلة بمخيم البريج هو من أطلق مشروع الزراعة على أسطح المنازل ويهتم بدعم السيدات وتدريبهن مهنياً في شتى المجالات سواء في التجميل أو التصنيع الغذائي أو الحرف اليدوية بالاضافة للتشغيل في مجال الأطفال والمساندة التعليمية.
وتوضح منسقة مركز العائلة في مخيم البريج الأستاذة نهال الصفطاوي: "مركز العائلة يمكن السيدات في شتى المجالات ومن ضمن أحد الأنشطة التي كانت مهمة والتي برزت في مركز العائلة الزراعة الحضرية على أسطح المنازل".
وتقول الصفطاوي: "الفكرة انطلقت من احتياج المنطقة للمساحات الخضراء، ولأنه بسبب الامتداد العمراني في المخيم قضى على أكثر من نصف الأراضي الزراعية".
وأضافت الصفطاوي أن الكثير من السيدات أهلها نابعة من مناطق زراعية فقدوا الاهتمام بالزراعة لأنهم أصبحوا في جو مخيم وبيوت متلاصقة وغيرها.
وتقول: إن الفكرة كانت مشجعة لكثير من السيدات.. في البداية تم عرضها على السيدات وشعرنا بإقبال، بعدها تم وضع "بروبوزل" في مشروع كامل في هذا النشاط الذي يتعلق في الزراعة الحضرية، وبالدرجة الأولى قمنا بتدريب مجموعة من السيدات في ورش سريعة توعوية حول الزراعة الحضرية، ومن هذه الورش اخترنا مجموعة من السيدات أطلقنا معهم تدريبا مكثفا حول الاهتمام بالزراعة بشكل مخصص على الأسطح، ومن حيث كيف نوجد طرقا بديلة لتوفير احتياجاتنا بأقل المصروفات وكيف نوفر على أنفسنا اقتصادياً من بعض المواد التي من الممكن أن تمول مطبخنا بالدرجة الأولى أو مطبخ السيدات، وبعد مدة وفترة من هذا التدريب اخترنا 5 سيدات وانطلقنا لبيوتهم، وكان الاختيار ضمن معايير معينة، من ناحية صعوبة وضعهم الاقتصادي، وأغلب المخيم وضعه الاقتصادي سيئ، والمعيار القوي بأن يكون لديهم خلفية عن كيفية الزراعة وعن الاهتمام الزراعي والرغبة القوية من السيدة نفسها بأنها تنشئ حديقة منزلية على سطحها ودافع بأنها تستمر في الزراعة، وفعلاً قمنا في البداية بإنشاء مودل أو نموذج على سطح جمعية البيت الفلسطيني الذي ينفذه احد مراكزها مركز بيت العائلة فيها وكنا ندربهم عملياً بعد التدريبات النظرية على الاهتمام بالزراعة بشكل مواز لإنشاء حدائقهم في منازلهم".
ولفتت الصفطاوي إلى أن عدة سيدات اخترن محاصيل زراعية وعدة أفكار متنوعة في زراعة المشروم أو الفطر، وزراعة المواد الأساسية مثل الملوخية والسبانخ والبقدونس والنعنع وغيرها، وسيدات كانت أفكارها منوعة ما بين فواكه وخضراوات وشتلات مختلفة، وأن أحد السيدات تميزت في اختيارها موضوع "التشتيل" وذلك من أجل التجارة.
وأشارت الصفطاوي إلى أن هذا المشروع قد تم بإشراف مركز العمل التنموي معاً والذي له باع في المجال الزراعي وفي مجال دعم المزارعين وانتاجهم، وبتنفيذ ومركز العائلة وبدعمgiz "الحكومة الألمانية". وأضافت: "بدأنا بتمديد المشروع لمدة عاميين وفي العاميين يوجد خطة مستقبلية لتمويل 10 عائلات بنفس الفكرة".
وتبلغ تكلفة المشروع ما بين 300- 500 يورو للعائلة الواحدة.
وتقول الصفطاوي: "بأقل الإمكانيات ممكن أي عائلة في المخيم أن تنشأ على سطح منزلها حديقة إلها علاقة بالزراعة الحضرية، ولأن أغلب المواد المستخدمة في مشاريع النساء هي من البيئة، مثلاً الجالونات والزجاجات وغيره، وهذا من أجل إيصال رسالة للناس، بأنه يمكن استغلال المواد المتاحة وشراء شتلات ونبدأ مشروعنا الخاص فينا بأقل الإمكانيات".
وأضافت الصفطاوي: "تشجعت النساء في مشروع الزراعة الحضارية خاصة أنه لا يستخدم أي نوع من الأسمدة الكيميائية حتى لو بدرجات قليلة بل يستخدم أسمدة عضوية كاملة من منتجات الحيوانات ويوجد في المشروع إنتاج حيواني له علاقة بالأسماك ومياهها تتجدد وترجع للزراعة الموجودة على السطح بنظام متكامل، حيث أن مياه الأسماك ترجع في جالونات كبيرة وبنظام رش وتنقيط ترجع على الزراعة؛ من أجل الاسغناء عن الأسمدة الكيمائية".
وطالبت الصفطاوي بضرورة نقل فكرة الزراعة الحضرية والتوعية بخصوصها لأكثر من مؤسسة من المؤسسات المحيطة؛ لأنهم كمركز عائلة لا يقدروا على تغطية منطقة الوسطى أو منطقة قطاع غزة بشكل كاف.
ووجهت الصفطاوي رسالة للمؤسسات ذات الاختصاص وغير الاختصاص بضرورة العمل على مشروع الزراعة الحضرية بشكل عميق.
وعن آلية العمل في مشروع الزراعة الحضرية أوضحت الصفطاوي أنه" حاولنا بأن تكون الزراعة بأحواض مرتفعة عن السطح بسنتيمترات؛ من أجل أن لا يضر المزروعات من الرطوبة والبناء، والأحواض المستخدمة حاولنا أن ننوع ما بين جالونات وأشياء متوفرة في البيت ويمكن استخدمها بعد إعادة تصنيع لها أو إعادة استخدامها، وحاولنا أن ندخل خطوط المياه "المواسير" في موضوع جديد وهو الزراعة المائية مثل زراعة الخس من دون رمال أو أي أو استخدام تربة، والانتاج الحيواني حاولنا تعزيزه بجانب الإنتاج الزراعي لأنه يوفر الأسمدة العضوية".
وأوضحت الصفطاوي أن مشاريع النساء تمت بإشراف مهندسين يقومون بإعطاء ورشات التوعية والنصيحة والدورات المكثفة للأهالي.
وتمنت الصفطاوي بأن تصل الفكرة وأن تنضج أكثر وان تصل لكل الناس ولكل مخيمات اللاجئين.
عن الحياة الجديدة