بين اليمن وفلسطين.. شهداء وذكريات
يامن نوباني
في ظل غياب الإحصائيات الرسمية حول عدد الشهداء اليمنيين لصالح القضية الفلسطينية، تشير بعض المصادر الفلسطينية إلى أن عدد الشهداء اليمنيين تجاوز الألف، خاضوا المعارك إلى جانب جنسيات عربية وغير عربية، في محطات مهمة من تاريخ الثورة الفلسطينية، ولعل أبرز الشهداء اليمنيين محمد حسين الشمري، وعبد الرؤوف عبد السلام علي، وهما من أبطال عملية الساحل التي نفذتها حركة فتح في آذار 1978.
واليمن من الدول التي استقبلت العشرات من مقاتلي الثورة الفلسطينية، بعد خروجهم من لبنان عام 1982، وافتتحوا قواعد عسكرية في مدينة عدن، كما أن شوارع اليمن وتحديدًا صنعاء، غصّت بالجماهير الداعمة لانتفاضة الأقصى في العام 2000، حيث شهدت في سنوات سابقة مسيرات حاشدة نصرة للشعب الفلسطيني، كما أن القائد الشهيد ياسر عرفات قال في اليمن: فلسطين هي الشطر الثالث من اليمن الموحد.
كان يجلس قربي، على مقعد مخصّص للمدخنين، بجوار إحدى صالات العرض في حي دبي للتصميم. كُنا ضيوفًا على معرض دبي للصورة (2) في منتصف آذار الجاري، تبادلنا التحية، عرفت أنه يمني، وعرف أنني فلسطيني، قال: أعرف وكالة "وفا" والتقيت أبو عمار ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ سبعينيات القرن الماضي، والتقطت صورًا لتلك المرحلة، فقد درست السينما في مؤسسة السينما الفلسطينية واشتغلنا أعمالا كنا نعرضها على أبو عمار، حدث ذلك بين عامي 1974 و1975.
المصور عبد الرحمن الغابري من مواليد العام 1956، مخرج سينمائي ومسرحي، ومصور فوتوغرافي، أقام نحو 65 معرضاً شخصياً داخل و خارج اليمن، وعمل في عدد من الصحف الخارجية منها: جريدة الشرق الأوسط، ومجلة المجلة، ومجلة الوسط، وعرب نيوز، وعدد من الصحف المحلية.
حول إحدى صوره المرتبطة بالقضية الفلسطينية، حيث يظهر الشاعر عبد الله البردوني، والشاعر عمر الجاوي يتحدثان، ومن خلفهما منشور طبعت عليه صورة طفل يلقي الحجارة على جنود الاحتلال، وخُط عليها: يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، يروي الغابري حكاية الصورة لـ"وفا": كان ذلك في العام 1988، في مركز الدراسات والبحوث اليمني، في تلك الندوة جرت مناقشة الانتفاضة من بوابة كيف يجب أن تنجح، كونها الطريق الأسلم والحضاري لنيل استقلال فلسطين، وحشد مناصرين لمسار الانتصار، وأعتقد أن تلك الندوة مسجلة لدى منظمة التحرير الفلسطينية في صنعاء.
وأضاف: عبدالله البردوني شاعر أممي كبير، وفيلسوف، كتبه متعددة الرؤى، وتعتبر دليلا نظريا للمجتمعات العربية واليمنية خصوصا، لأن هذه الكتب تبحث وتدلل على استنهاض الأمم من براثن الاستعمارين الأجنبي والمحلي الإسلامي، بمبررات نشر الدين والفتوحات إلى طواغيت السياسة العربية الملتبسة والمتلبسة بالدين والقومية ،والتي أحدثت شروخا في المجتمعات هي مذهبية بالدرجة الأولى، واشتهر بقصيدة "يوم الميعاد" والتي خص بها فلسطين، كما أن عمر الجاوي يعتبر رمزا نضاليا وثقافيا كبيرا وقوميا لا يضاهيه أحد.
وأشار الغابري إلى أن البردوني والجاوي، كان همهما القضية الفلسطينية، يعقدان الندوات تلو الندوات لمناقشتها وفضح قوى أحبطت مسار القضية، هذه الكيانات أجلت انتصار القضية الفلسطينية، باندساس عملاء في الشأن الفلسطيني وبإنشاء كيانات مناقضة للتوجه القومي التواق للانتصار، وأبرز مثال "الإخوان المسلمين".
ويتابع الغابري: كان الشعب اليمني، صغيره وكبيره، مثقفوه وعامته، من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية، وكانوا يدفعون من قوتهم ومالهم لتنتصر القضية، إلى أن جاء "الإخوان المسلمين" وبدأوا بفرز الناس، فعملوا على تشويه صورة منظمة التحرير عامة وحركة فتح خاصة، فبثوا في أوساط الجماهير أن المنظمة والحركة شيوعيتان وتتبعان الاتحاد السوفييتي، ويجب محاربة المنظمتين قبل محاربة الاحتلال الإسرائيلي. هذا منطقهم وفعلا أحدثوا شرخا في دعم فلسطين، والنتيجة كما نراها اليوم، لم يعد للقضية الفلسطينية ذلك الزخم الجماهيري العربي والدولي، وقد أصبح العالم العربي مفككا ولديه قضايا داخلية أكبر بكثير من القضية الفلسطينية.
يشار إلى أن حيا معينا في صنعاء يضم حارة تُسمى القدس، وأن شارعا في غرب صنعاء يحمل اسم محمد الدرة، اضافة الى مستشفى محمد الدرة، وفي محافظة صعدة مدرسة محمد الدرة، وفي المقابل لا تنسى فلسطين اليمن من جغرافيتها، ففي بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، يوجد حي اليمن.