كاميرات نشطاء الخليل.. صورة تتحدث ودليل إدانة قاطع
دعاء زاهدة
صباح الرابع والعشرين من آذار، هدوء حذر للمواطنين القاطنين بجوار أكثر مستوطني الضفة الغربية تطرفا في حي تل ارميدة وسط مدينة الخليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
حمل طلاب المدارس حقائبهم على أكتافهم، ووقفوا على الأبواب الخارجية لمنازلهم، تلفتوا يمينا ويسارا، تأكدوا من أن الشارع خالٍ من المستوطنين المتربصين بهم، أحكموا إغلاق أبواب المنازل، أمسكوا بأيدي من يثقون بهم، ليلاقيهم في منتصف الطريق جندي يقف بشكل شبه دائم يضع إصبعه على الزناد، متأهبا لإطلاق النار.
تجاوزت الساعة الثامنة ببضع دقائق، صوت أجنحة الحمام تضرب الهواء هربا، ونعيق غراب اتخذ من نافذة أحد المنازل عشا صغيرا له، أصوات طلقات نارية متفرقة، تلاها وابل كثيف أيقظ هدوء الشارع الخالي، أنين خافت لجريح مضرج بدمائه، رصاصة أخيرة وسكون.
على الناصية تماما يقف عماد أبو شمسية ممسكا كاميرته لتوثيق الحدث، شابان على الأرض والدماء تشكل خطوطا طولية على الإسفلت، يقول أبو شمسية: "كنت أشرب القهوة في البيت أنا وزوجتي صباحا، سمعت عدة طلقات نارية، حملت كاميراتي وتوجهت لمكان الحدث، وأول ما شاهدته كان شخصا ملقى على الأرض، وما كنت متحققا إن كان فلسطينيا أو إسرائيليا، وسمعت صوت وجع خافت وجهت العدسة بالاتجاه الآخر فشاهدت شابا ثانيا مضرجا بالدماء وكانت الدماء تخرج من وجهه ورأسه".
يضيف: "أيقنت أن هذين فلسطينيين، صوت أنفاس الشباب عبد الفتاح الشريف أوضحت أنه كان على قيد الحياة ما استدعاني لتركيز عدسة الكاميرا عليه، في هذه الأثناء قدموا الإسعافات لمن يدعون أنه جندي مصاب، وعندما وضعوا الجندي في سيارة الإسعاف سمعت جنديا إسرائيليا يحضر في سلاحه لإطلاق النار فركزت عليه، لحظتها تقدم عدة خطوات وصوب سلاحه إلى رأس الشهيد عبد الفتاح الشريف وأطلق النار عليه، وأدى ذلك إلى تفجير رأسه واستشهاده على الفور".
يسكن عماد في منطقة تل ارميدة، ومنذ سنوات طويلة يعمل على توثيق ومتابعة كافة الانتهاكات التي يتعرض لها السكان، خاصة بعد تزايد عملية الإعدامات التي نفذها جنود الاحتلال الإسرائيلي في منطقتي تل ارميدة وشارع الشهداء.
يقول أبو شمسية: "منزلي تعرض لعشرات الاعتداءات من قبل المستوطنين، فوجدت أن الوسيلة الوحيدة للدفاع عن نفسي هي توثيق ما يجري من اعتداءات على أطفالي والمجاورين، فهذا هو السلاح الوحيد للدفاع عن نفسنا وفضح جرائم الجنود والمستوطنين".
رائد أبو إرميلة أيضا يسكن بجانب الحرم الإبراهيمي الشريف، ومنذ ست سنوات وبكاميراته يصور كافة الأحداث التي تجري في محيط المنطقة، وكيف يتعامل الجنود مع المواطنين في حالات الاعتقال أو إطلاق النار.
يقول أبو ارميلة: "تختلف الظروف في كل إطلاق نار على أي مواطن أو مواطنه من التحركات العسكرية والإجراءات التي يتبعها الجنود، كما أنها تختلف من حاجز إلى آخر، الرعب الذي يصيبنا في حالات التوثيق واضح وأكبر دليل لحظات توثيق حالة ياسمين الزرو التي أطلق عليها الجنود الرصاص بالقرب من الحرم الإبراهيمي وتركوها تنزف على الأرض دون تقديم أي إسعافات طبية رغم وجود سيارة إسعاف إسرائيلية، لما وصلنا إلى هناك وبدأنا بالتصوير أطلق الجنود علينا قنابل الصوت، وبدأوا بضرب الناس والاعتداء على المواطنين الموجودين".
إعدام الاحتلال لشابين تحت مسمى "تحييد المهاجمين" وعدم تقديم أي إسعاف لهم، وإطلاق الرصاص بشكل مباشر على الرأس بهدف القتل، كلها أدلة تثبت تورط الاحتلال في جرائم إعدامات، وتستدعي النظر في كافة التهم التي وجهوها إلى العديد من الشبان بزعم محاولة طعن أو تنفيذ عمليات دهس.
يقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في الخليل فريد الأطرش: "ما ارتكب بحق الشباب الشريف وغيره يعتبر جريمة حرب مخالفة للقانون الدولي، ويجب أن تكون هناك محاكمة للجندي، حيث يعتبر هذا الفيديو دليلا داعما مع شهود العيان الذين صوروا هذا الشريط لإثبات صحة هذا التسجيل، وسيستخدم في المحاكم الجنائية الدولية والمحاكم المختصة لإدانة الاحتلال".
عماد أبو شمسية الذي تلقى بلاغا من الشرطة الإسرائيلية وتم التحقيق معه على خلفية شريط الفيديو، إضافة إلى تلقيه تهديدا على الهاتف بحرقه وعائلته، ورائد الذي تعرض خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 7 محاولات للدهس بسيارات الشرطة الإسرائيلية وملاحقته وأبناءه على الحواجز واعتقالهم وتوقيفهم، استطاعا توثيق دليل إدانة واضحة لسياسة جنود الاحتلال، تعتبر شاهدا في الحركة وبالصورة والصوت وستعمل على تعزيز موقف القيادة السياسية الفلسطينية من أجل حمل هذا الشريط إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة دولة الاحتلال.