شتان ما بين ثقافتين
في الوقت الذي كان يربت فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، على كتف الجندي الذي اجهز خلافا لكل الاعراف الانسانية و"الطهر العسكري" على الشاب الجريح عبد الفتاح الشريف، من خلال بيان مكتبه الذي تغنى باخلاق جيشه (..!!)
في هذا الوقت الذي كان نتنياهو يدعو فيه فعلا، من خلال هذا البيان لمكتبه الى تعزيز ثقافة العنف والقتل والحرب، بين اوساط جيشه ومجتمعه، كان الرئيس ابو مازن يستقبل في مقره برام الله، وفد ائتلاف اليهود الشرقيين في اسرائيل ليقول لهم انطلاقا من ثقافة السلام وسعيا الى تعزيزها "اننا نعيش اياما صعبة ورغم كل ما يجري فاننا لا نزال نمد ايادينا لكم، لتحقيق السلام وانهاء العداوة والدماء بيننا" وهذا الخطاب لكل الاسرائيليين وليس لفئة محددة منكم، لأننا نسعى للحوار مع كل اطياف المجتمع الاسرائيلي.
وفي هذا اللقاء لم يستخدم الرئيس ابو مازن ايا من مفردات لغة الكراهية والعنصرية، ولا اي تعبير من تعابيرها، لا لحسن الضيافة كما قد يعتقد البعض، وحسن الضيافة أمر مفروغ منه عند العرب بل لأن الرئيس لا يعرف تلك اللغة من اساسها, ولا يعترف بها، وليس لها اي مكان او قبول في ثقافته، ثقافة فلسطين الانسانية، وثقافة مشروعها التحرري، كما ان الرئيس لم يذهب الى لغة السياسة بتحريضاتها الانتهازية، فلم يخاطب وفد الائتلاف بغير لغة الانسان، بكامل بساطتها وصراحتها وصدقها، وهي لغة الناس كلما ادركوا ان المستقبل يكمن دائما في العيش المشترك بأمن وسلام واستقرار.
وما من تحريض اجمل واكثر مشروعية، من التحريض على نبذ العنف والارهاب وعلى مواصلة السعي في طريق الحق، لتحقيق السلام، ومع ذلك لم يكن الرئيس ابو مازن يحرض ضيوفه من اليهود الشرقيين على ذلك، بقدر ما كان يدعوهم للعمل سوية في هذه الطريق، وبالقدر نفسه الذي كان يدعوهم فيه الى حماية مستقبلهم، بوضع هذا المستقبل امامهم لا خلفهم، لأن الاحتلال في المحصلة الى زوال طال الزمن ام قصر، ولا مستقبل بطبيعة الحال مع الاحتلال، لا مستقبل مع غطرسة القوة وفكرتها العنصرية.
والحق ان وفد ائتلاف اليهود الشرقيين الذي ترأسه اليهودي المغربي الاسرائيلي سام بن شطريت كان مستمعا جيدا وايجابيا، بالتصفيق الذي قاطع فيه اكثر من مرة كلمة الرئيس ابو مازن، واكثر من ذلك اجمع الوفد بكلمات "بن شطريت" واخرون تكلموا فرادى على تأييد ما ذهب اليه الرئيس ابو مازن، بأن السلام هو الطريق الامثل للمستقبل الافضل، راجين منه تواصل هذه اللقاءات لتثمر في المحصلة تفاهما وخطوات مشتركة على طريق السعي لتحقيق السلام في اطار حل الدولتين لتعيشا جنبا الى جنب بحسن الجيرة.
وبالطبع شتان ما بين لغة الحرب، ومباركة العنف بالتربيت على كتف الجندي الذي اجهز على الجريح عبد الفتاح الشريف، ولغة الانسان التي تدعو الى الحق والعدل والسلام، وعلى العالم عقد المقارنات التي يريد، ان شاء موقفا ينهي فيه لغة الحرب، لغة الموت والظلم والظلام.
كلمة الحياة الجديدة _ رئيس التحرير