الجيل يضيق ذرعاً من خطاب بعض الأئمة "المأزومين"
محمد مسالمة- يتسبب انفعال خطباء الدين بنفور بعض الشباب عن الدين، كما ان الفتاوى المتعددة في ذات القضية وعدم قدرة الخطاب على الاقناع، يزيد النقاش حول جودة الخطاب الديني الاسلامي ومدى التزام الأئمة بالأسس الدينية الاصيلة التي حفظت الدين من كل التحولات التي مرت به عبر العصور.
"سامر" الاسم غير الحقيقي لشاب فلسطيني يرى ان الخطاب الديني المتطرف يكبح الحريات، ويبدي هذا الشاب استعداده في حديث لـ "الحياة الجديدة" بأن يتخلى عن بعض القواعد والنصوص الارضية والتعاليم للحصول على حريته، والتي لا تتعارض مع الدين الاسلامي التي يفهمها نظرياً كما يرى الباحث في الشريعة الاسلامية والمختص في التنمية البشرية حسن مفارجة.
الحياة الواقعية
في حديثنا مع سامر، يقول بأن الخطاب الديني الذي يصدر من بعض رجال الدين أو المختصين في الشريعة الاسلامية، بات يحرّم غالبية السلوكيات، وبالتالي يذهب في تفكيره الى الانحصار والانعزال عن الحياة الواقعية، اذ يروح به تفكيره الى التخلي عن الدين بسبب التزمت والجمود الذي يعتريه على حد قوله.
وكأنه يتطلع بنظرة اعمق للتاريخ، ويرى تصلّب الأوامر والنواهي الدينية، التي بدأت تتشدد بتعدد المصادر وتنوعها والابتعاد عن بداية الدعوة الاسلامية، ويشير سامر الى تخبّط كبير في عديد من الأوقات يقع به الخطباء، ويتعارض ويختلف به الأئمة والمجتهدين في الفتاوى، ما يجعله يرى طريق الهداية تفرّع ولا يدري ايهما يسلك.
انحراف عن اصل
ويعلّق مفارجة على قول الشاب "سامر" بأن الحالة التي يعيشها بعض المجتمعات الاسلامية فيها انحراف عن أصل الفكر، بمعنى أن الافتاء في قضية معينة يتم بالاعتماد الدائم على تفسير لأحد المجتهدين، مع نسيان النص الأصيل، وكأن تفسير المجتهد بات المرجع الأساسي لتلك القضية.
ويطرح مثالاً حياً على هذا الواقع، الى: "قضية لباس المرأة، في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان اللباس ملوّن، والصحابيات وزوجات النبي لبسنه، لكن اليوم لو سألنا معظم رجال الدين، ما هو مواصفات اللباس الديني للمرأة؟ أول ما يقول: لونه اسود ! وهذا يتنافى مع - عهد النبوة- ولا يوجد هناك سند نص يقول ان اللباس يجب أن يكون اسوداً، وبالتالي فان هذا يقيّد الحرية في اختيار اللون مثلاً، ما يزيد الحياة ضيقاً، ومسألة اخرى أن علاقة الرجل بالمرأة كانت في عهد النبوة منفتحة وتناقش العديد من القضايا التي نحرم نقاشها في الوقت الحالي، كقضية الحيض واحكامه".
اشكاليات "الخطاب الديني"
يظهر لنا من رد المختص في الشريعة الاسلامية حسن مفارجة على الشاب "سامر" أن هناك معضلة حقيقية في الخطاب الديني الحالي، ووجهنا السؤال عن وصف للخطاب الديني في شكله ومضمونه، وحول عدم مقدرة رجل الدين على الاقناع، قال مفارجة ان الخطاب يعتريه اشكاليتين في الوقت الحالي، أما الأولى فتكمن في طبيعته، حيث أصبح غير ممنهج ويعتمد على الفعل ورد الفعل في الدرجة الأولى، وأن بعض الآراء التي يتضمنها الخطباء ناتجة عن ردود أفعال بعيدة عن المنهج الاسلامي الأصيل، وينتج عن ذلك تسويق لهذا الرأي في فترة زمنية مؤقتة ثم يغيب.
أما الاشكالية الأخرى، فتتلخص في أسلوب الخطاب الذي يعتمد على الانفعال، فيما يقول الله تعالى في القران الكريم "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، ويرى مفارجة أن اسلوب الخطاب يعكس رغبة المتكلم ويبرزها بشكل كبير، ولا يحتوي على رغبة المستمع، وبالتالي ايصال الرسالة بالانفعال والصراح ناجم عن عدم مقدرة المتحدث على ايصال الفكرة بطريقة سليمة.
وأضاف أن المتكلم شديد الانفعال يعبر عن حالة نفسية مأزومة في داخلة، وعند الحديث بالحالة المأزومة ينتج خطاباً مأزوماً وضيقاً، "والكثير يتسائل، لماذا خطيب المسجد يتكلم بصوت مرتفع؟ لماذا لا يبتسم ؟ لماذا يبكي احياناً، ويضطر لسرد قصص تؤثر في خيال الناس؟ لماذا يركز على التأثير في العاطفة وليس بالعقل؟ مع ان المنهج الاسلامي هو منهج خطاب العقل، والنتيجة أن الخطاب يخرج ابن البيئة وليس ابن الفكر الاصيل".
"العقل والخطاب الديني"
وفي سياقٍ موازٍ، التقينا شاباً ثلاثينياً تحدّث عن حالة من النفور من بعض رجال الدين، جراء الاختلاف في حديثهم عن القضايا التي يتعرضون لها، بالاضافة الى أن بعضهم يدعون الى عبادة الله من خلال أشياء بالنسبة له ممسرحة، ولا يتقبلها عقله، مع الاشارة الى أن العلم وصل بهذا الشاب الى درجة اكاديمية عليا.
ويدعي هذا الشاب أن العلم لا يمكن له أن يلتقي مع ما يقوله بعض رجال الدين نتيجة فهمهم وانتمائهم المتطرف، وهذا التعارض أحدث عنده فجوة لم يعد يتقبلها في حياته، لدرجة انه يقول فيها أن ايمانه بالعلوم والنظريات التي يمكن أن تتبدل وتتغير في يوم من الايام، هو ايمان أكبر من ايمانه بما يدعو اليه هؤلاء المتطرفين.
ويظهر لنا من عدم رغبة الشابين في الكشف عن هويتهم، بأنهم يعبرون عن خلافهم وهروبهم من التشدد الديني في اطار ضيق، وليس خوفاً من وازع ديني، ولكن حسب قولهم يكون خوفاً من العيب وحديث المجتمع.
ما هو الحل؟!
وهنا يعلّق المختص في الشريعة الاسلامية والتنمية البشرية حسن مفارجة أن من لديه اشكالية مع الخطاب، عليه أن يعود ويقرأ اصول الدين ويرى ما هي أسس المنهج ويصحح المسار.
ويؤكد مفارجة أن المتكلم المأزوم في خطابه، عادة ما يروح باتجاه التضييق على الناس، ما يجعل البعض يعيش في حالة احباط ومرض فكري يتسبب في صناعة "الجمود الذهني" عند المتكلمين في أمور الدين.
ويتطلب من الخطباء من وجهة نظر مفارجة أن يذهبوا باتجاه أساليب وأسس الخطاب الحديث الذي يعكس الوعي والقيم، وهي القضايا التي بدأ بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، عندما جاءته الرسالة من فوق سبع سموات وهي رسالة هداية وخلاص، في الاية الكريمة التي تحض على المعرفة والعلم بقوله تعالى " اقرأ " للتدليل على أن حالة التردي تحتاج إلى الوعي لكي ينهض المجتمع، كما أن الخطاب الديني الاسلامي يجب أن يتولى مهمة تشكيل القيم التي تسد الفراغ الروحي وتعزز السلوك الايجابي.
يحتاج الخطاب الديني الى دقة وحذر اكبر حتى لا يؤدي مهمة معاكسة لوظيفته، فالتضييق على الناس يخلق حالة التطرف في المجتمعات، ويهدم ثقافة قبول الآخر ويجعل الصراخ سيّد الحوار.