"جايسون العرب" يحلم بالعالمية
خضر الزعنون
لا يواجه محمد بركة ذو العشرين عاماً وصاحب القوة الخارقة، أي عناء بسحب حافلة ركاب تتسع لأربعين راكباً بأسنانه، وسط اندهاش المارين وتقليد الفتية له في مدينته دير البلح وسط قطاع غزة.
وتمكن محمد من سحب الحافلة، التي تزن 12 طنا بأسنانه أمام أعين عشرات المواطنين من المارة وأصدقائه ومحبيه، الذين تعالت هتافاتهم التشجيعية والتصفيق.
أصدقاء محمد يطلقون عليه لقب "شمشون غزة"، لكنه يفضل لقب "جايسون العرب"، ويتمنى أن يصل إلى المشاركة في المنافسات العالمية، لكن الحصار المفروض على قطاع غزة يحرمه من هذه الأمنية.
اصطفف المواطنون على جانبي الطريق لمشاهدة محمد، وهو يسحب حافلة الركاب، شكّل مفاجأة وذهولا وسط تصفيق وصيحات الناظرين.
الناظر للوهلة الأولى إلى جسد محمد، يظن أنه إنسان عادي، لكن طاقة هائلة تكمن داخل هذا الجسد النحيف، إذ لديه من القوة ما يجعله ضمن قلة قليلة ممن يوصفون بـ"الخوارق".
وقال محمد في حديث لـ"وفـــا"، إنه يمارس هذه "اللعبة" الخارقة منذ عام، لكن بدأ وهو تلميذ في المرحلة الإعدادية، بتقديم عروض مدهشة في المدرسة كالقفز وسط دائرة ملتهبة بالنار، وجر دراجة نارية بأسنانه، وكان يلقى تشجيعاً كبيراً من والده وأصدقائه.
وأضاف أنه لا يستخدم أي وسائل للحماية. لا مشدات ولا أربطة ولا تغذية خاصة، وكل هذه الأشياء هو بحاجة إليها.
يبغ طول محمد 191 سنتيمتراً، ووزنه 65 كيلوغراماً، وهو طالب في السنة الثانية في قسم الفندقة السياحية في كلية فلسطين التقنية بدير البلح، ويقول إنه تواصل مع كثير من الأندية المحلية لمساعدته، ولكن غالبيتها رفض لأنها لا تستطيع أن ترعى موهبته، أو مساعدته في السفر للانضمام لأنية عربية أو دولية.
وناشد جهات الاختصاص مساعدته في السفر للالتحاق بأحد الأندية، للمشاركة في الألعاب بالمحافل الدولية. وقال إنه يحلم بالمشاركة في مسابقات أجنبية "حتى نثبت ذاتنا كفلسطينيين في المحافل الدولية"، كما يحلم بدخول موسوعة "غينيس"، ويعتبر نفسه أصغر لاعب على مستوى العالم لهذه الألعاب، وأول لاعب على مستوى فلسطين".
تجربة محمد الناجحة الأولى كانت سحب جرافة تزن 13 طنا بذراعيه، إذ يقول صديقه محمد الفليت "أبناء غزة لديهم المقدرة والموهبة والإبداع، وإن توفرت الإمكانات ننافس على بطولات عالمية،. أنا زملائي نتطوع لبث أخبار وصور وفيديوهات لأعمال محمد بركة الخارقة، على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "فيسبوك"، ولدينا آلاف المعجبين والمشجعين".
ولا يكف محمد عن سحب الحافلات والمركبات الثقيلة هنا وهناك، وقال "إذا جاءتني فكرة وإن كانت مجنونة أطبقها فوراً. أنا سعيد جداً لأنني نجحت بسحب الباص الكبير وأدخلت الفرحة على قلوب الأطفال والحاضرين".
وبين أن "الشباب في غزة لديهم الإبداع والمقدرة لتقديم الكثير، لكنهم بحاجة إلى الحرية، حرية التنقل والسفر، وآمل أن يتبناني ناد عربي أو عالمي"، لكن إسرائيل تفرض على قطاع غزة (1.8 مليون نسمة) حصاراً برياً وبحرياً وجوياً مشدداً منتصف 2006.
ويؤكد محمد أنه يقلد ما يشاهده في أفلام الحركة وعلى "يوتيوب" لأبطال عالميين، خصوصاً البريطاني جايسون ستاثام.
أما والده كمال بركة (55 عاماً)، الذي يعمل مرشداً تربوياً في مدرسة المنفلوطي الثانوية بدير البلح، فيشجعه ويوفر له ما يحتاج.
يقول محمد "والدي يشجعني يوفر لي المعدات التي أحتاجها، ويساعدني وقت العروض بربط الأحزمة". "في بداية الأمر كان يعارض ما أقوم به من مخاطر خوفاً عليَّ من الإصابة، لكن عندما رآني متمكنا وفعلاً عندي القدرة على أداء العروض ورأى الإعلام مهتما بي، صار يشجعني وصارت ثقته عالية بي وأنا أمارس هذه العروض".
ويعبّر الوالد عن فخره بابنه محمد، لكنه يشكو من قلة الإمكانات في غزة، وعدم وجود رعاية لهذه الطاقات الشبابية، ولا توجد أندية أو مؤسسات ترعى هذه الرياضات.
ودعا إلى "تبني محمد وضمه لأحد الأندية في الخارج لتأهيله لمسابقات دولية"، مؤكداً أن محمد قادر على رفع اسم فلسطين عالياً، وبإبداعه هذا يسلط الضوء على شبان غزة الممنوعين من السفر، والمحرومين من أي فرصة لصناعة مستقبل أفضل في ظل حالة الإحباط والبطالة.
وتصل نسبة البطالة في قطاع غزة إلى 45% وفق تقارير الأمم المتحدة، فيما تزيد عن 60% في صفوف الشبان، وفقا لجهاز الإحصاء في ظل تحذيرات مسؤولين من وقوع كارثة إنسانية.
وأظهر محمد بركة المزيد من هواياته، كالمشي على أرض مفروشة بالمسامير المشتعلة بالنار، وتحطيم الطوب على صدره وظهره، فيما يرى مختصون أن محمد بحاجة إلى تدريب مهني في أندية متميزة.