لوحات ترصد رحلات ما بين رام الله ونابلس في معرض للفنان اسعد
"التفاف"، هو عنوان المعرض الشخصي الجديد للفنان الفلسطيني رأفت أسعد، ويفتتح مساء غد، في مقر "جاليري 1" بمدينة رام الله.
ويأتي المعرض بعد سلسلة معارض شخصية تناولت الطبيعة الفلسطينية بأشكال متنوعة في السنوات العشرة الأخيرة، كان أولها معرض "رواية" وكان معرضاً تجريدياً حول الطبيعة، تلاه معرض "خرائط الطبيعة"، وتعامل فيه مع ثقافة استخدام الخريطة في تحديد الأماكن، وأطلقه في العاصمة البريطانية لندن، ليتكرس بالثالث "مرج بن عامر" العام الماضي، حيث تعامل مع المناظر الطبيعية (Land Scape) بلغة مغايرة، قبل أن يعيد في "التفاف" صياغة ما جاء في "مرج بن عامر"، مع تسليط الضوء على تأثير الإنسان وعلاقته بالطبيعة ومعها، وحضوره فيها سلباً وإيجاباً، حيث "اللوحات الإعلانية الضخمة"، والإسفلت الذي يأكل الطبيعة.
وقال أسعد: إن فكرة "التفاف" تقوم أيضاً على تسليط الضوء، بشكل أو بآخر، على كيف تحولت الطرق الالتفافية أو فلسفة "الالتفاف" إلى ثقافة فلسطينية منذ العام 2002، مع تقطيع أوصال الضفة الغربية بمئات الحواجز العسكرية، إضافة إلى جدار الفصل العنصري .. معرض "التفاف" يسلط الضوء على رحلاتي ما بين رام الله ونابلس في الخمس عشرة سنة الأخيرة، وجدليات الطريق، والوصول، والطبيعة ما بين الانتباه والإهمال، وما بين العموميات والتفاصيل.
ويقول الفنان التشكيلي والمخرج جون حلقة، عن المعرض: تبحث لوحات رأفت أسعد الجديدة في الهوّة بين البيت والوطن عبر صور قاتمة تعكس الوضع الحالي لأوديسة فلسطينية لا تزال معاصرة وتُفرَضُ بقسوة على الفلسطينيين. لا شك أن أعمال الفنان الأولى تناولت الأزمة الوجودية التي نشبت جراء النزوح الكارثي، لكن لوحاته هذه تمثُل في صدارة وجدارة تقليد تصويري آخذ في التطور والتبلور في بحثه بموضوعات شتّى، الفقد، المقاومة، الأوهام .. وكل ما له علاقة في الرحلة الملحمية للفلسطينيين.
وأضاف: تطرح هذه الأعمال العديد من الأسئلة الآنية حول الطرق والحواجز والآفاق المتعذر بلوغها والمرتبطة بنهاية المطاف بما يلوح مباشرة بعد "المنعطف المقبل على الطريق". ينأى أسعد عن استخدام الرموز والأشكال المباشرة والمساحات المتعارف عليها والرموز السياسية العلانية، من هنا، فإن هذا التقشف يجبر المشاهد على التمعن بهذا المنعطف الحاسم في رحلة الفلسطينيين التاريخية على "درب الدموع".
أما البروفيسور والفنان التشكيلي البريطاني رئيس دائرة الرسم والتصوير للبكالوريس في جامعة سليد للفنون الجميلة آندرو ستال، فقال: من خلال أسفاره الاعتيادية بين نابلس ورام الله يقوم رأفت أسعد بذائقة الفنان وحس ومشاعر الإنسان برصد كل ما تقع عليه عينه من مشاهد للطبيعة التي تكسو ريف فلسطين بحلّة يختلط في نسيجها الفطري بجمالياته والطارئ الذي يحرف روح الطبيعة عن مسارها صوب حواجز مفروضة ومغروزة في الأرض.. يحاول هذا العمل مجتهداً أن يقدم ومضات سريعة من خلال الرصد البصري الذي تسمح به حركة سير العربة السريع على طريقٍ تحث على ما هو أسرع حيث يستقر ما أنجزه البصر في وعاء البصيرة.
وأضاف ستال: إنها رحلة يشوبها الشقاء والشعور بالاغتراب، جمالية المشهد وما يشوبه من ضبابية بعيدة، كل هذا ينسكب على لمسات الطبيعة الحانية.. يؤطرها بخيوط تتجلى فيها عذوبة وخصوبة اللون الأخضر الذي يفترض وحده أن يفترش البصر والبصيرة ولكن، تجتاحها بقسوة تدخلات بشرية عابثة ولاهثة خلف مصالحها الضيقة التي تفترس بكورة هذا الجمال دون رحمة، يد عالم حديث تعبث بفطره عالم قديم. وأكد هذه اللوحات الرمزية لا تكشف سرداً بسيطاً فهي تتناول الغموض الذي يلتف بالمشهد وتسعى من خلال ذلك إلى تقديم تحليل أكثر تعقيدا. تناقض منظر الإسمنت والإشارات على الطريق والسياج مع المشهد الطبيعي الرومانسي وهذا ينذر بتعنت العصر الذي نعيشه، حيث تُمارس فيه السيطرة والقمع من خلال التكنولوجيا.. تطرح هذه الأعمال موضوع الحواجز السياسية والحبس داخل إطار الحداثة، حيث نقبع في فخ مشهدٍ صنعته يد الإنسان ،مما يعجزنا عن الوصول إلى ما هو جميل وطبيعي، لذلك، كل ما نستطيع فعله هو النظر إليها من بعيد، وربما تكون هذه الإشارات وتلك الهياكل الطارئة بحد ذاتها جميلة لو تناغمت مع روح هذه الطبيعة.