الاحتلال تحريض وعنصريته توفر الغطاء للقتلة والارهابيين ! د.محمود خليفة
"إنه حي، يجب أن يموت" هذه عبارات الجندي القاتل قبل أن يطلق النار على عبد الفتاح الشريف الشاب الفلسطيني الجريح، الممدد على الأرض بلا حراك، يكاد يلتقط أنفاسه تحت عدسات المصورين، ومسعفي نجمة داوود الذين لم يقتربوا من الشريف لحظة اصابته بالطلقات النارية أو بعد اعدامه بدم بارد! بينما انبرى مسعفو نجمة داوود الذين تجاوز عددهم السته للإحاطة بالجندي المستعمر وهو يسير على قدميه ولم نرى جرحاً له.
عندما تُطلق النار بهدف متعة القتل، هناك خلل ما، غسيل دماغ بفعل التحريض المتواصل، كراهية بلا حدود، حملت الكائن الحي من كونه كائنا بشريا الى شيء آخر، تجاوز صفات البشر، يجب معالجتها قبل أن تعم الكارثة؛ وهي نتاج فكر تحريضي كريه بغيض، تحمله شخصيات اسرائيلية "دينية، سياسية، حزبية" تحرض على القتل لا لشيء سوى أن الآخر مختلف، وهذا أمر سينقل الكارثة أبعد مما تتصور البشرية. لقد تجاوز خيال بعضهم، خيال كتاب سيناريوهات بعض أفلام هوليوود خاصة أفلام الاثارة والزمبي المتسلسلة، والتي نشاهد كيف يتم فيها غرس صور منمطة لبعض الثقافات والشعوب، بل تفوقوا على أفضل المخرجين في وضع الحبكات النهائية ولا أقول الختامية.
منظومة العمل الاسرائيلية المتطرفة، تذهب نحو الخاتمة المحبوكة "باعتقادهم" لا تحتاج للتأويل، نحو الهدف أو الاستهداف مباشرة، غير أنها مفتوحة على شتى الاحتمالات، منظومة متكاملة، توجه وتحمي وتحيك لأفرادها القصص والروايات كخاتمة للجرائم التي يرتكبوها أو ينفذوها بقرار وتحريض على التنفيذ مهما كانت الاسباب والنتائج. هذه العقلية لا ترى العالم ولا تريده أن يرى سوى بمنظارها؛ فالضحية دوماً مشبوهة وعليها أن تعود للحياة لإثبات براءتها، فيما القاتل دوماً يتسم بالبطولة لأنه حال دون وقوع جريمة! لا أحد يملك الحقيقة بتفاصيلها سوى من أعد مسرح الجريمة، وهي في كل الأحوال سلطة الإحتلال وأدواتها من جنود ومستعمرين، هكذا قتل جنود اسرائيليون مستعمراً يهودياً إثيوبياً في محطة حافلات بئر السبع أواسط أكتوبر"18/10/2015"، وآخر مستعمر يهودي إسرائيلي في القدس في 21/10/2015 لأن أحدهم صاح أنه عربي، هو المختلف إذاً!
وهنا يرتد التحريض إلى الذات دون أن يفكر هؤلاء أن نقاء الجنس لم يعد موجوداً، غير أن صوابية الفكر أو التفوق يجب أن تتفوق على العدمية أو الفوقية، لأن التفوق يجب أن يكون محكوماً بالعقل والقيم والأخلاق، أما الفوقية فهي حدود الهوس أو الجنون الذي أدى وسيؤدي إلى عمليات تطهير عرقي، وقدم التاريخ الكثير من هذه الأمثلة التي دفعت العالم إلى كوارث بشرية لا زال يعاني من آثارها، إقرأوا كتاب ايلان بابه "التطهير العرقي". عندما تتصرف سلطة احتلال كسلطة فوق القانون، تمارس الارهاب والجريمة والقتل علانية؛ وكافة المنظمات الدولية ومنها الانسانية ترى وتسمع ولا تتكلم؛ عندما يُقتل الانسان لأنه إنسان، من المؤكد أن خللا أصاب النظام الدولي ويجب إصلاحة قبل فوات الآوان، حتى لا يصبح الشذوذ قاعدة!. وحتى لا يطغى شذوذ القاعدة، أدعو كل اسرائيلي غيور على القيم البشرية قراءة عميقة لملاحظة الكاتب ناحوم برنيع " رصاصة في الرأس- يديعوت 28 آذار/مارس 2016 .
التحريض والكراهية والقتل، جريمة وجبن وتراجع في القيم والأخلاق التي يدعيها نتنياهو ووزير حربه،حينما لا يكتفي جنود الاحتلال الاسرائيلي بالضغط على الزناد نحو أطفالنا، ولا يشبع شهوة المستعمر خطف فتى وحرقة، تستعر الكراهية أكثر لتذهب نحو حرق الطفولة فتحرق شموع عائلة دوابشة وهم نيام في قرية دوما الفلسطينية (جنوب نابلس).
يكون من واجب مجلس الأمن الدولي إتخاذ القرارات المناسبة لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل ومعاقبة المعتدين، أما صمت المجلس حيال هذه الجرائم فهي بمثابة إسناد لقوى التطرف في سلطة اسرائيل الاحتلالية التي تتوحد على طريقتها، لاستهداف الشعب الفلسطيني الأعزل الذي آمن بمنظومة العدالة الدولية، التي يريدها البعض عرجاء،لا ترى لا تسمع لا تتكلم. عندما يفتي حاخامات سلطة الاحتلال بالقتل، وإطلاق الأوصاف والنعوت التحقيرية، وتنبري قوى التطرف من قيادات سياسية وحزبية في سلطة الاحتلال نحو الإيغال في دم الأطفال الفلسطيني والدفاع عن القتلة، وتتشدق بالقيم والأخلاق، هنا لا بد من قرع كل الطبول، وإشعال كل الأضواء الحمراء؛ لأن الانسانية باتت في خطر؛ فالارهاب وقوى التطرف بدأت تفرض سلوكها الشاذ، وتتسلل بأسماء مختلفة، مرة باسم الدين، ومرة أخرى بالفوقية، والجميع واحد وإن إختلفت المسميات من داعش إلى اسرائيل. تعيدنا تفوهات الحاخام الأكبر في اسرائيل، يتسحاق يوسف، إلى سجل عنصرية وكراهية سوداء، لم تكن بالطبع بداية التطرف والإنكار مع وصف حاخامه السابق " الملهم" لسلطة الاحتلال، الإسلام بـالقبيح، والعرب بالصراصير والأفاعي يجب إبادتهم، ولا دعواته بالموت للشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس "أبو مازن، وهذا السجل العدواني له جذوره وتاريخه.
من جديد، نعيش اليوم مع منهج كراهية مماثل، يقف خلفه الحاخام يتسحاق يوسف، الذي يبيح قتل الفلسطيني، وطرده من وطنه، ليس لسبب سوى أنه ليس يهودياً. قد لا يُعبر ذلك عن رأي شخصي، وإنما يمثل نهجًا و"استلهاماً" للإسرائيليين المتطرفين أمثاله.
عندما تنبري سلطة بأكملها وأدعياء الدين للدفاع عن القتلة، فإنهم شركاء في جرائم قتل الطفل محمد أبو خضير وعائلة دوابشة حرقاً، وذلك نتاج للتحريض المتواصل للنيل من حياة الفلسطيني، وهو تحريض لُقنوه في دور الحضانة والمدرسة والجامعة والجيش والمؤسسة، وتشربوه من وسائل الإعلام والسياسيين والمعارضين ورجال الدين وغلاة المستعمرين؛ عندما لا تكون الحياة متساوية بين بني البشر، لتبكي ألف أم فلسطينية على أن لا تبك أم إسرائيلية كما يتبجح ديختر رئيس جهاز المخابرات.
وللأسف يستقوي القتلة "بعدالتكم العمياء العرجاء؟!" على المستضعفين في الأرض، وأدعياء الإنسانية ورعاة المجتمع الدولي ينصاعون للأقوياء، علينا أن ندق ناقوس الخطر لعلنا نلتقط إنسانيتنا بين الحطام!!.
لم نسمع حتى الآن إدانة، لا إسرائيلية ولا دولية على دعوات الحاخام يوسف الخطيرة جداً بإجازة قتل الفلسطيني، ولو كان الأمر مختلفاً وصاحب الفتوى فلسطيني أو عربي، لوقفت إسرائيل وحلفاؤها على قدم واحدة، ولاستنفذت كل عبارات الشجب والاستنكار والإدانة والمطالبة بمحاكمة دولية سريعة لتحريض وتفوهات تعادي السامية. يقف الإسرائيليون، والمتحالفون معهم والمدافعون عنهم اليوم أمام امتحان أخلاقي، قبل أن يكون سياسياً أو إنسانياً، فعليهم أن يعلنوا بشكل جلي موقفهم من الذين يطلقون الفتاوى بقتل الآخر لأنه حسب وصفهم "غوييم" أي آخر مختلف. على القوى العقلانية في المجتمع الاسرائيلي أن تتحرك، وتواجه هؤلاء القتلة، لا أن تحتفي بتصريحات يوسيف وبينت وليبرمان ونتنياهو وغيرهم. تذكروا أن جزءاً ممن تريدون قتلهم يشكلون نحو 22% من دافعي الضرائب في إسرائيل، هم فلسطينيون عرب، يتعرضون للتمييز في كل مناحي الحياة والوظائف والموازنات وكل شيء؟! وأن خلف الجدار العنصري حياة وبشر، يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش، يحلمون ويأملون ويتألمون مثلكم، يبحثون عن الأمن والاستقرار والمستقبل كما أنتم، ارتضوا أن يكونو شركاء في صناعة سلام ومستقبل مستقر، فهل أنتم جاهزون لذلك؟؟ نحن جاهزون. نتنياهو يخدعكم يا سادة ، وحكومتكم تسوق لكم الأكاذيب، والذين يمثلون الدين أمثال عوفاديا ويتسحاق يدفعون بكم لمساحات عدمية سوداء. فلم يعد هناك زمن للأغيار وآخر لسواهم، هناك زمن واحد للإنسانية، التي يوحدها مواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب أياً كان مصدره والمروج له والمحرض عليه.
إلى أن يدفن زمن آخر احتلال يشيع الكراهية والحقد، وحتى ينتصر العالم الحر وعقلاء إسرائيل للإنسانية، ونجد الشريك الذي يؤمن بأن لا خيار سوى الكف عن شيطنة الآخر وقتله وحرقه. لن نسامح على ما لحق بنا من آلام، ولن نغفر لمن سفك دم أطفالنا وشبابنا ونسائنا، ولن ننسى من تآمر على حياتنا. سؤال أخير برسم كل المنظمات الانسانية: كيف يمكن نحت مصطلح جديد لتسمية مجرم قاتل ينفذ جريمته بدم بارد أمام الجميع، دون اكتراث الجنود أو مسعفي نجمة داود؟ يهرب من العقاب باسناد جمهور فاشي تظاهر دفاعاً عن سلوكه الإجرامي !!!!!؟؟؟