في موسم "النبي موسى" تتجلى الروحانيات
- بسام أبو الرب
على إحدى التلال المنتشرة الى الجنوب من مدينة أريحا، وعلى بعد ثمانية كيلومترات، يقع أحد أهم مقامات فلسطين؛ "مقام النبي موسى" المشهور بضخامة أبنيته التي تعلوها القباب، والذي بني في عهد صلاح الدين الأيوبي.
في إحدى الغرف المنتشرة داخل المبنى المحاط بالأسوار، افترشت بعض النسوة أرضها وأخذن يرتبن ما جلبن معهن من طعام وفراش ومستلزمات، فيما تحاول امرأة في العشرينات من عمرها جر عربة طفلها الرضيع عبر الباب الغربي الرئيسي الذي يعتبر المدخل والمخرج للزائرين رغم وجود أكثر من باب.
أمس الجمعة، انطلقت فعاليات موسم النبي موسى، بحضور وزير الأوقاف والشؤون الدينية يوسف ادعيس، ومحافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني، ووزير القدس ومحافظها عدنان الحسيني، والقنصل التركي في القدس مصطفى سرنيج، وعدد من ممثلي الهيئات الرسمية والشعبية، وبتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ورعاية وكالة التعاون والتنسيق "تيكا"، ومشاركة فرق من الصوفية فلسطينية، وفرقة "المولوية الصوفية التركية".
بعد أن دخل الوفد التركي ساحة المقام الأولى التي تتوسطها بئر لها بابان، توجهت الغالبية العظمى إلى الطابق العلوي للاستمتاع بذلك المشهد الروحاني.
مقام موسى الذي لم يثبت أنه دفن فيه أو له أي علاقة تاريخية، فيه قبر مغطى بقطعة قماش لونها أخضر، ومسجد صغير فيه جدار يقسمه إلى قسمين؛ قسم للرجال فيه محراب ومنبر، والآخر للنساء، فيما تنتشر عدد من القبور خارج أسوار المبنى، إضافة إلى مقامي السيدة عائشة ومقام الراعي.
وتستمر فعاليات الموسم لمدة أسبوع، يشاهد فيها الزائر الكثير من الصناعات الفلسطينية ومعارض الأشغال اليدوية، والرسم بالحناء، إضافة إلى تذوق حلاوة النبي موسى كما يطلق عليها الباعة هناك، حيث يعتبر الموسم رافدا اقتصاديا لعدد من التجار. فيما يقول البعض أنه يمكث لأيام عدة لمشاهده فعاليات هذا الموسم.
قبل البدء في انطلاق فعاليات الموسم عزفت فرق الكشافة ألحانها ودقت طبولها بصحبة فرق من الصوفين الذين جاءوا في الغالبية العظمى من مدينة نابلس، فيما التف الحشد حول المنصة الرئيسية لمشاهدة عروض فرقة "المولوية الصوفية التركية".
ويعتبر إحياء موسم النبي موسى كما باقي المواسم تمسكا بالموروث الثقافي الفلسطيني، حسب ما قاله محافظ أريحا ماجد الفتياني، مؤكدا التمسك بالتراث الفلسطيني والأرض، والبقاء فيها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياسة الاستيطان.
بدوره، قال ادعيس، إن إحياء مثل هذه المواسم والاحتفال بها يعتبر رافعة سياسية ووطنية فلسطينية، وتأكيد على استمرار الفعاليات والحكومة تبدي الاهتمام الكبير بالاستمرار بفعاليات موسم النبي موسى.
وأضاف، "منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، أولت الدول المتعاقبة على فلسطين الأهمية البالغة لاستمرار الفعاليات، وأضفت الخلافة العثمانية عليه طابعا رسميا من خلال مشاركة الفرق العسكرية وموسيقاها في الاحتفال".
وأكد أنه "منذ عام 2014 ومؤسسة (تيكا) الداعم الرسمي للحفل، وتبدي اهتماما كبيرا في إحيائه".
من جانبه، قال السفير التركي لدى فلسطين مصطفى سرنيج، "إن مشاركته في الحفل تعبير عن مدى التقارب التاريخي والديني بين الشعبين الفلسطيني والتركي، مشيرا إلى أن بلاده تبدي اهتماما كبيرا بالقضية الفلسطينية وتقدم الدعم المالي والسياسي لها.
ولفت حسب ما نقلته وكالة الأناضول التركية، إلى أن "الحكومة التركية تواصل دعم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال المشاريع وبناء المؤسسات وتطوير الكادر الفلسطيني من أجل تحسين معيشة الشعب الفلسطيني الذي تربطه بالشعب التركي علاقات أخوية".
وأضاف، "لن نترككم وحدكم، وسنكون معكم وبجانبكم ولن نتخلى عن تقديم الدعم حتى إنهاء الاحتلال، وهو الضمانة للوصول للأمن والاستقرار وجلب السكينة والطمأنينة".
موسم النبي موسى، الذي بدأ منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، يحتفل المسلمون به سنويا، وتوقف منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وعاد لينظم مرة واحدة في 1987، ومنذ عام 1997 أعادت الحكومة الفلسطينية تنظيمه من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.