دماء غزال جفت بلا إجابة؟! منتصر حمدان
مضت 6 أيام على وفاة المواطن محمد عبد الرحمن غزال بعد حرقه لنفسه في داخل المستشفى وسط غزة، دون الافصاح عن نتائج التحقيقات التي تعهدت بها الجهات الرسمية للكشف عن دوافع واسباب اقدام مواطن فلسطيني في منتصف عمره على قتل نفسه حرقا داخل مؤسسة رسمية. دوافع غزال لحرق نفسه من الواضح ان لها تعبيرات وحيثيات حاولت بعض الجهات الادعاء بانه ناتج عن مرض نفسي وان له سوابق لمحاولات الانتحار بسبب مرضه، ومنهم من حاول تفسير هذه الدوافع بانها نتاج وضعه الاقتصادي؟، ورغم كل هذه المبررات الا ان اقدام مواطن على حرق نفسه لا يجب ان يمر مرور الكرام، والتعامل معه على انه حدث عابر، وبدلا من محاولات الهروب والتهرب من المسؤولية فانه لا بد من تفحص الاسباب والدوافع الحقيقية لمثل هذا السلوك الذي يمثل صرخة مدوية لجميع الفلسطينيين، الشعب، القادة السياسيين، الدبلوماسيين، الاقتصاديين، الخبراء الاجتماعيين، المعلمين، العمال، اصحاب المصانع، قادة الاحزاب والفصائل، نواب التشريعي، ممثلي المؤسسات الاهلية، ممثلي القطاع الخاص، الاهالي واولياء الامور، الازواج، العائلات والعشائر، رجالات الامن والمقاومة بكافة اشكالها، رجال الدين، ...الخ، نعم انها صرخة حقيقية تكشف عوراتنا جميعا ولا يجب القبول بمنطق تبريري مهما كانت قوة الحجة ، لان دماء المواطن غزال التي جفت بـ"الحرق"، هي كغيرها من دماء ابناء شعبنا أمانة في اعناقكم جميعا لا يجوز التهاون والاستهانة بها حينما تسيل او تجف. صرخة غزال.. صرخة موجعة تمزق القلوب وتقول لكم جميعا بان نار جهنم بدأت تنزل الى الارض فما انتم فاعلون، ولن تفيدكم تبريراتكم ومحاولاتكم المكشوفة للهروب من المسؤولية عما حدث وعما سيحدث في المستقبل، خاصة ان اغلبية من الشبان والمواطنين هناك يجاهرون برغبتهم في الهجرة وترك وطنهم الذي قدموا كل شيء من اجله لكن سياستكم عملت على تشويه صورته الجميلة في عقول اجيالنا الجديدة. من يحاول تبرير حرق غزال بـ"البنزين"، بسبب مرضه النفسي، فالرد عليه، لماذا لم يتم علاجه ولم يحظ برعاية صحية ملائمة؟ ولماذا لم يجد الدواء اللازم له؟ ومن يحاول تبرير ذلك باحتجاجه على وضعه الاقتصادي، فالرد عليه من المسؤول عن تردي اوضاع شعبنا الاقتصادية؟ ومن هو الذي اوصلنا الى هذا المستوى من الشرذمة والتفتت وحالة الضيق التي تصل الى مستوى الكارثة!!. صحيح ان الحصار المفروض على شعبنا له انعكاساته على حياة المواطنين، لكن الهروب من تحمل المسؤوليات تجاه شعبنا بالحديث عن الحصار الخارجي، لن ينفي حقيقة تأثيرات وانعكاسات الحصار الداخلي الذي يعاني شعبنا الذي يتجسد في الملاحقات وكبت الحريات ومحاولة الحكم بـ"القبضة الحديدية"، وفرض الضرائب الجديدة ورفع الاسعار والتحكم في رقاب العباد، وحجب المعلومات والسيطرة على وسائل الاعلام، والتهديد والوعيد والتربص والترصد لكل من يحاول اعلاء صوته رفضا لاستمرار هذا الوضع الكارثي الذي يمهد الطريق لخلق البيئة المواتية للانفجار والتدمير الذاتي الذي لن تحمد عقباه. غزال مات محروقا بنيرانه، لكن مماته يجب ان يشعل فينا بريق الأمل والتوقف مليا لمراجعة ومحاسبة الذات، وتحديد المسارات القادمة لتعزيز خلاصنا الجمعي وانهاء مرحلة الخلاص الفردي التي تكرست في حياتنا رغم استمرار الاحتلال وتوسع استيطانه، والوقوف عند الاسباب الحقيقية للكارثة التي نعيشها باشكال وانواع متعددة، وتقديم الحلول المبنية على العقل والمنطق ومغادرة مربعات دغدغة المشاعر والمعتقدات لان مواصلة هذا النهج يعني تجاهل صرخة غزال وحشرها في واد عميق، والاستهانة بدماء سالت وسوف تسيل .