التعليم في فلسطين: بين الإخضاع للتلقين والاستتابة - حسن سليم
الأصوات المطالبة بتعديل منهجية التعليم وفكره، لم تتوقف من زمن بعيد، وان كانت تلك الأصوات مشرذمة، ولم تشكل ضغطا جمعيا، كما لم تستطع أن تقدم تصوراً متكاملا للتغيير المطلوب، إلا أنها جميعها تشترك في ذات المطلب، وهو التغيير.
لطالما انشغلنا فرحا، أن نسبة الأمية في فلسطين هي الأقل في الوطن العربي، في وقت تتنافس فيه الدول على المراتب العليا في جودة التعليم ونوعيته، لتكون المنافسة بين "العدم ومجرد الوجود"، وبالطبع ليس هذا هو المطلوب. مليون ومئتا ألف طالب وطالبة، أكثر من نصفهم إناث، هم طلبة في 2856 مدرسة في الضفة وقطاع غزة، فيما التحق في العام الماضي لمؤسسات التعليم العالي قرابة 40 ألفاً، ليصل عدد المسجلين الملتحقين فعلا ما يقارب ربع مليون، هم عدد طلاب الجامعات والكليات والمعاهد، لكن نسبة البطالة بين الخريجين تبلغ 32%. نسبة البطالة المفزعة قد يعيدها البعض الى طبيعة الواقع المعاش تحت الاحتلال، إلا أن المسؤولية تقتضي أن نخرج من تلك الأعذار، الى مربع الفعل العملي، والبدء بالمواجهة الخلاقة، من خلال مناسبة بين الموجود من نوعية التعليم، والمطلوب لسوق العمل والحياة.
نوعية التعليم المتردية، التي لم ترتق الى مستوى العلمية، زادها على الطين بلة، ما هو متبع في غزة، حيث نموذج تطبيق قانون التعليم الصادر عن سلطة حماس ويحمل رقم (1) لسنة 2013، وكشف عن تطبيقه العملي الفيديو الأخير الذي تم تداوله، ويظهر فيه "رجال الوعظ والارشاد"، بالتنسيق مع "وزارة حماس للتربية والتعليم"، كيف يستتيبون أطفالا لم يبلغوا سن الحلم، وفق ما أظهرته مشاهد الفيديو المتداول، والتي لم تكن تستدعي الاستغراب منها، كونها تشكل تطبيقا عمليا لذلك القانون، الذي حول المدارس الى "حضرات دينية"، والمناهج الى غيبيات، وركل المعرفة والعلم الى أسفل سلم الأولويات لأهداف التعليم.
مشهد الفيديو المسرب لعملية الإخضاع لأطفال لم يحفظوا بعد من الدنيا غير اسمها، وهم يسجدون ودموعهم تنهمر على وجوههم خشية مما يقرأ على مسامعهم، ليعلو العويل، ويتم اختتام الطقوس بسجدة وتكبير، يستدعي الفزع لوقف ما سمي بمسرحية التوبة، أو قارب النجاة، التي ليس ثمة وصف يليق بها غير مجزرة للتعليم، والتي لم تكن بدايتها في المدرسة التي اشتهرت بالفيديو، بل كانت تحمل الرقم الأربعين، وستستمر، كون الأمر نهجا وفكرة يجري تنفيذها، لغسل الأدمغة، وتحويل أصحابها مطواعين لـ " أولي الأمر ".
ان البدء بأعمال ورشة التعليم أصبحت ضرورة لا تحتمل التأجيل، حيث ان المخرجات لا تبشر بالخير المنشود، لما تحمله من مضامين، كما لا تؤسس لمحارب في الحياة، قادر على مواجهة التحديات، وواضح انها لم تستطع إنتاج مشاركة خلاقة للمساهمة في عملية البناء والتطوير، وفي مساحة أخرى نسمع جرس الإنذار يقرع فزعا محذرا من ثقافة التعصب، والانغلاق، وهذا ليس أبدا، لم يكن من أهداف التعليم، كما لم يكن من أهداف التربية.