هل بات انتحار الشبان في قطاع غزة هروبا؟
محمد أبو فياض
أمس في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة ألقى شاب نفسه من علو منتحرا واضعا حدا لحياته، وقبله بأيام رب عائلة أحرق نفسه حتى الموت في مستشفى وسط القطاع، وثالث شنق نفسه في منطقة زراعية، ورابع ألقى بنفسه من علو في رفح، وغيرهم ممن حاول الانتحار، فمنهم من قضى جراء ذلك، ومنهم من تم تداركه وعلاجه، ونجاته من الموت، ومعظمهم من فئة الشباب.
فهل بات انتحار الشبان في القطاع هروبا من واقع أليم.. وغياب الأمل نحو مستقبل آمن؟ خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الناتج عن حصار مشدد تفرضه إسرائيل منذ سنوات، وويلات ثلاث حروب قاسية شنتها في أقل من خمس سنوات، بالتزامن مع التضييق الداخلي في القطاع، وهل أصبح ظاهرة داخل قطاع غزة؟ في ظل حرمة هذا النوع من القتل، مع تباين وجهات نظر خبراء علم النفس في هذا الإطار.
أخصائية علم النفس د.رانية اللوح تبين أن هذه ظاهرة حديثة، ناتجة عن ضغط نفسي ناجم عن ظروف مجتمعية، أو أسرية، أو اقتصادية صعبة، كون المواطن يمر بظروف مادية صعبة، وغير مسبوقة، فيضطر للقيام بالانتحار جراء هذا الضغط، خاصة عقب وصوله إلى مرحلة من الاكتئاب الحاد.
وتتابع اللوح: وصول المنتحر لهذه الحالة تنتج عن إصابته بحالة من الشلل الفكري، يليها اقدامه على الانتحار، دون أن يفكر بالتراجع عن ذلك، لأنه وصل إلى مرحلة لا رجعة، وهنا على الجميع سواء من الدولة، وصولا إلى وسائل الإعلام، والدين، والمؤسسات المجتمعية بتحمل مسؤولياتهم لمواجهة هذه الظاهرة.
خبير علم النفس د. جمال أبو نحل دق ناقوس الخطر في هذا الموضوع، مشيرا إلى أن الانتحار ظاهرة جديدة وغريبة على ثقافة شعبنا الفلسطيني، والأمر بحاجة إلى مراجعة، ووضع حلول مناسبة وعاجلة.
وقال: هناك أربعة أسباب نفسية تدفع الأشخاص للانتحار، أولها: الاكتئاب العقلي، وهو مرض نفسي يشعر بمقتضاه المريض أنه السبب في كل المآسي التي يعانيها، ما يجعله يعتقد أن انتحاره سيضع حدا لذلك.
والسبب الثاني: يُعرف بـ"الاضطرابات الشخصية" الذي يصيب شخصيات تعاني من الهشاشة النفسية عقب تعرضها لأزمة تعجز عن إيجاد حل لها، وهنا يفكر المنتحر في طريقة استعراضية ينهي بها حياته كي يلفت أنظار المجتمع إليه، على اعتبار أنه يلوم المجتمع ويحمله مسؤولية ما آلت إليه أموره.
وأردف أبو نحل: يعرف السبب النفسي الثالث بين أطباء علم النفس بـ"فقدان العقل"، الذي يدفع المنتحر لإنهاء حياته، كي يلفت نظر الناس لقضية يتبناها، ويريد أن ينتصر لها، لدرجة تفقده عقله، وتجعله يقرر إنهاء حياته. والسبب الأخير يشار إليه بـ"الانتحار العاطفي"، الذي يُقدم عليه أشخاص مروا بتجربة عاطفية مؤلمة، وتكونت لديهم قناعة نفسية بأن حياتهم انتهت مع انتهاء هذه التجربة.
وعزا الانتحار في قطاع غزة إلى عدة أسباب، منها: البطالة المتفشية كانتشار النار بالهشيم، والفقر المدقع؛ وغياب العدل، والظلم المنتشر في كل مكان، موضحا أن المنتحرين غالبيتهم من الشباب؛ لأن هذه المرحلة العمرية بالذات مرتبطة بتحقيق إنجازات، وأمل، وتفاؤل لتحقيق الذات، فإذا ما عجز الشاب عن تحقيق كل ذلك، أصبح عمره دافعا مثاليا للانتحار.
وأكد أبو نحل ضرورة وضع حد للانتحار في فلسطين عمومًا وفي قطاع غزة، خاصة في القطاع من خلال تحقيق العدالة الغائبة في فلسطين وخاصة في قطاع غزة، حيث أن الانقسام السبب الأساسي لتدمير مستقبل شعبنا الفلسطيني.
من جانبه، قال خبير علم النفس التربوي د.أكرم شعث: إن الانتحار هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمدا في موت نفسه، وتُرتكب جريمة الانتحار غالبا بسبب اليأس، والذي كثيرا ما يُعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب، أو الهوس الاكتئابي، أو الفصام، وغالبا ما تلعب عوامل الإجهاد، مثل: الصعوبات المالية، أو المشكلات الشخصية دورا في ذلك.
وأضاف شعث" تعاني الفئة الشابة في قطاع غزة حالة من الإحباط، وانعدام المستقبل، حيث يعيشون في فراغ نفسي، نتيجة انسداد الأمل، ويعتقدون أن أفضل أسلوب للتخلص من ذلك هي هذه النهاية السيئة".
وتابع: يعيش المواطنون في القطاع حالة من "الضنك والكدر النفسي"، ويبدو ذلك واضحا في أداء الناس الذين يشكون من التوتر، والضيق النفسي، وهنا يحاول الإنسان التخلص بواسطة الانتحار من ظروف معينة، مشيرا إلى أن الواقع في قطاع غزة بشكل عام متأزم، ومرير، ويجعل الإنسان في حالة من التوتر، والضيق، والتأزم النفسي.
بدوره، أوضح خبير علم الاجتماع عوض توفيق: الانتحار هي محاولة ناجحة أو فاشلة لإنهاء الحياة عن قصد، بإيذاء الجسم بهدف الموت، وينظر مجتمعنا الفلسطيني إلى "المنتحر" بطريقة قاسية، لأن الانتحار يعتبر من المحرمات، ولا يمكن تقبلها.
وأضاف: نسمع عن حالات انتحار، وبالأغلب بين الشبان، خاصة المتزوجين منهم، والذين لديهم رواسب اجتماعية معقدة، ولا يملك أحد إحصائيات دقيقة عن عدد من نفذوا انتحارا فعليا، ولكن هذه الحالات لا تسجل بالغالب بمصطلح "الانتحار"، بسبب عوامل وتأثيرات اجتماعية كثيرة.
وتابع: تعتبر ظاهرة الانتحار أمرا خطيرا يستدعي علاجه، والعلاج هنا يكمن في عدة أمور، ومن كافة الزوايا المجتمعية، والمرضية، والنفسية، والأخلاقية، والسلوكية، والقدرات الشخصية، والوازع الديني، فلا فرق هنا بين وأد البنات في الجاهلية خشية إملاق، أو وأد الروح والنفس خشية فقر وعوز وحاجة.
وقال: كل من يحاول الانتحار سواء بتناول الأدوية، او المواد السامة، أو سكب مواد حارقة على جسده، أو إشعال النار بنفسه، او القفز من فوق بناية، أو أي سبب آخر يجب ألا يتوقف الأمر عند "نجاته"، بل يجب تقييم مثل تلك الحالات من قبل مختصين نفسانيين، لدراستها من كافة الجانب وتقديم الحلول، مع العلم أن هذه الظاهرة أو الحوادث ليست مقتصرة على الشعوب الفقيرة، أو التي تعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية وبطالة وفقدان الأمل في المستقبل، بل تعتبر ظاهرة عالمية.
وأضاف: الانسحاب من مواجهة الحياة، وسيطرة الاكتئاب، وفقدان الأمل، والشعور باليأس والإهانة، والإحباط على شخص المقدم على الانتحار تجعله في "لحظة الفعل" لا يميز بين الخطأ والصواب، فهو يفقد الاهتمام بما حوله، ويعتقد أن كل شيء يسبب له الفشل والدمار، وربما يصاب بلوثة عقلية، أو جنون مؤقت، أو فقدان التمييز، وتغيرات في الشخصية أو العادات، والتوتر أو القلق، والشعور بالعجز، وعدم القدرة على التمتع بالحياة، والعصبية، والتهور، والأرق، وفقدان الشهية، وفقدان وزن الجسم، والإهانة وسوء المعاملة، وإعطاء الممتلكات للآخرين دون مقابل، ويمكن لمن يعيشون معه، أو الجيران، أو الأصدقاء أن يلاحظوا هذه التغيرات عليه، لذلك يمكن تفادي وقوعه في "لحظة التنفيذ" وإنقاذه من ذلك، كون خُمس المنتحرين يتركون رسائل وعلامات تشير إلى انتحارهم - حسب احصائيات عالمية.
وبين توفيق "وسائل التواصل الاجتماعي تتناول هذا الموضوع من جوانب عديدة، ولا تغيب الحالة السياسية والانقسام عن ذلك، وربما السبب الرئيس الذي يجمع عليه الكثيرون هو "الأوضاع الصعبة" التي يعيشها قطاع غزة، خاصة والآلاف عاطلين عن العمل، ولا يمكن أن نبرئ "الاحتلال"، كونه العائق الأساسي في استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في القطاع.
الخبير الاقتصادي ماهر الطباع يوضح "أن الانتحار نابع من حالة اليأس الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء شعبنا في القطاع، بسبب الحصار المشدد منذ سنوات، وخوضه لثلاث حروب في فترات زمنية قصيرة، فكل هذه الأسباب مجتمعة ولدت حالة من الإحباط، وأدت إلى التفكير بالانتحار، وعليه لا بد من تقديم حلول نهائية لجميع مشاكل القطاع، من أجل القضاء على هذه الظاهرة.
وإعلاميا، قال الخبير الإعلامي أحمد حماد: تعددت الأسباب التي أدت إلى زيادة نسبة الانتحار في القطاع، منها: اقتصادية، واجتماعية، علاوة على الانقسام، ما انعكس سلبا على المجتمع عامة، وفئة الشباب خاصة، حيث تعاني من البطالة، وقلة الوظائف، وفرص الحصول على عمل.
وأضاف حماد : الإعلام يعمل على تشخيص هذه الظاهرة، وإبرازها إخباريا، وعلى وسائل الإعلام إيلاء هذه الظاهرة اهتماما كبيرا، خاصة في مجال تقديم الاستشارات الاجتماعية، والنفسية، والندوات، والبرامج الإذاعية، واستشارة أهل الدين، والثقافة في ذلك.
الشيخ عمر فياض أوضح رأي الدين في هذه الظاهرة، بقوله: الانتحار حرام شرعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالروح هبة من الله وحده، يهبها ويقبضها كيفما ووقتما شاء، لذلك لا يجوز لأي شخص وضع حد لحياته.
وأضاف، "أن عقوبة المنتحر قاتل نفسه يعد مرتكبا لكبيرة من الكبائر، وهناك عقوبة آخروية علاوة على ذلك في الآخرة إذا أقدم الشخص على الانتحار وذلك بنص حديث النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام.