الموسيقى.. قيثارة الروح ترتلها أوتار بأصوات شجية
بيسان رداد- تضع كتبها الجامعية على مقربة منها، تسير بين الطرقات التي تأخذها إلى مكان كليتها، وتتكئ في زاوية تحدث صدى لكل من يخطو بقدميه تجاهها، تشعر بحنين يشدها نحو الأشياء هناك، فتمسك بين أناملها هاتفها الذكي وتضع على الفور سماعتين صغيرتين ينبعث منهما أجمل النوتات والكلمات الموسيقية، ليرسل لها هاتفها الذكي إشعارا "استمتعي في سماعك للموسيقى"، لربما ستختار أن تسمع لكوكب الشرق "أم كلثوم"، أو للعندليب الأسمر، أو لسيمفونيات بيتهوفن الشهيرة، أو موسيقى صاخبة، لا أحد يستطيع أن يقرر ماذا عليها أن تختار، تضغط على ما يناسبها من موسيقى تنسجم مع الإنسان الذي داخلها، حينها تبقى شاردة الذهن، وكأن لا أحد يحيط بعالمها، ترسم أحداثا خيالية وتضيف شخصيات جديدة إلى هذه القوقعة التي تعيش فيها، ولا تشعر بهمسات كل من في الجوار، وحدها هناك، ولا أحد سواها .
بعيونها اللامعة استهلت الطالبة في كلية القانون شهد برهم حديثها قائلة: "هل يوجد غير الموسيقى من يعطينا شهوة الحلم والذهاب بعيدا في حنيننا؟ نتحمل قسوة الحياة وصرامتها، لكن الموسيقى من حين لآخر تفاجئنا بعنفوانها ودهشتها وتشعرنا بطفولتنا الدائمة، وإلا من يملأ هذا الخواء المفجع الذي يزداد اتساعا فينا كل يوم؟".
وترى برهم سماعها للموسيقى هو جزء من موهبة لا تمل منها، حيث تسمع العديد من الأغاني خصوصا أغاني الراب والأغاني المستمدة من الشعر الصوفي، والأغاني البديلة مثل مشروع لليلى وأتوستراد.
تقول برهم: "جعلني التعمق في الاستماع إلى التأثير على نفسي بشكل إيجابي، ففي أحد الأيام كنت استمع لأغنية، ما دفعني للتعرف على شخص كنت أنوي التعرف عليه، وفي الوقت الحالي أتعلم العزف على الجيتار، وأطمح لأن أكون مبدعة في عزفه".
أما الطالبة بيان أبو بكر فتروي سبب عشقها للموسيقى خاصة الهادئة منها، قائلة انه عند سماعها للموسيقى "يطير قلبها فرحا وتذهب في جولة إلى جزر المالديف وسلسلة جبال الألب، وتنتهي تلك الجولة الجميلة حين توقف الأغاني الهادئة، وبدء الموسيقى الصاخبة التي تزعج أذنيها وتعكر مزاجها".
وتضيف: "في أحد الأيام وبعد انتهاء دوامي خرجت من الجامعة، وعلامات التعب والإرهاق والضغط النفسي من الامتحانات والأبحاث، فأخذت تكسي لتقلني إلى المجمع الغربي، لكن تلك العلامات اختفت ببدء الموسيقى الهادئة التي غذت روحي، ولم أذهب إلى المكان المراد بل أكملت إلى آخر موقف للركاب".
وتتحدث الطالبة روز قائلة: "عندما أضع سماعتي في أذني أشعر بأني أعيش في قلب الأغنية وأنني بطلة قصة من قصص الحب التي تتحدث عنها الأغنية، خاصة الأغاني الطربية القديمة التي تحمل معنى غنائيا راقيا لعمالقة الفن أمثال فيروز وكاظم الساهر ومارسيل خليفة، وتمنحني جرعة موسيقية أنيقة، وفي العادة استمع للموسيقى ليلا فاعتبر أن الليل هو للعاشقين أو في طريق عودتي للبيت، وتشعرني الموسيقى بالهدوء والابتعاد عن الواقع والمجتمع قليلا، فعندما أحزن يزيد استماعي لها لأنني اشعر بأنها تأخذني بعيدا للتفكير بشكل إيجابي".
ويعبر الطالب ضياء شقور عن شغفه بالاستماع للأغاني الحديثة بشكل عام والصاخبة بشكل خاص ويشير إلى انه يستمع لها خلال ذهابه للجامعة وللنادي الرياضي إذا أنها تحفزه نشاطيا".
الدكتور خليفة جاد الله المحاضر في جامعة النجاح الوطنية يقول: أهمية الموسيقى توزع على كل من الإنسان والحيوان والنبات، ويكمن تأثيرها في الإنسان، وحسب الدراسات فان لها علاقة في التحصيل العلمي عند الطلبة في المدارس وتساهم في تنمية الفكر والمساعدة في التفكير الناقد وفي صقل الأمور الفنية والأمور التقنية وتهذيب المواهب عند الأطفال، ولها تأثير كبير على جوانب حياة الإنسان، والموسيقى التي تؤثر في إنسان ما يمكن ألا تؤثر في إنسان آخر فهي تختلف حسب ميول ورغبات كل شخص".
ويضيف: "الموسيقى التي تؤثر في البشر هي موسيقى الثلاثة عصور الذهبية، عصر الباروك، والكلاسيكي، والرومنسي، وأهمها الموسيقى التي كانت في العصر الكلاسيكي لأن الإنسان عند سماعه لها للمرة الأولى يمكن ألا يتقبلها ولكن مع التوضيح يستمع إليها وتؤثر فيه".
ويعبر جاد الله عن سعيه من خلال الجامعات والمعاهد والمدارس أن نعطي فكرة للأشخاص في كيفية انتقاء الموسيقى الجيدة، خاصة اننا نلاحظ في فلسطين وجود اهتمام في استخدام الموسيقى في فن المقاومة، حيث يوجد مطربين فلسطينيين يحافظون على التراث والغناء الوطني والديني، يوجد من يغني الغناء الهابط من خلال تلويث التراث سواء بصورة مباشره أم لا.
ومن خلال تجربته يقول الدكتور جاد الله "قديما كنا نستمع للآلات أصيلة مثل العود والبيانو والكمان ونشعر بجوهر وأهمية هذه الآلات وعراقتها، ولكن اليوم وبسبب التطورات، يكون الصوت سيئا ويتم تحسينه من خلال أجهزت الصوت المختلفة، اصافة الى استخدام آلات موسيقية على الكهرباء ما أدى لدخول موسيقى لا نعلم هل هي حقا من صوت وأداء المغني أم فقط تحسينات من خلال الآلات الحديثة".
وتشير دكتورة علم النفس الاجتماعي أفنان دروزة الى أن الموسيقى تشكل عاملا محفزا بكل ما قد مر به الإنسان من ذكريات، وهي أول مظهر من مظاهر التأثير حيث تبعث على كل الذكريات التي مر بها الإنسان، وهي تحيي الذكريات ولكن تختلف بين فرد وآخر تبعا لاتجاهات الأفراد والميول والأحداث.
ويرتبط عامل الموسيقى دائما بالتأثير الفسيولوجي على دماغ الإنسان، أي أن الدماغ عند سماعه للموسيقى يتحرك، ما يؤدي إلى عمل استرخاء لكل وظائف الدماغ ولكل المدركات الحسية، والتي من ناحية أخرى نعبر عنها بالطرب، وعامل الشد والانتباه يتوقف على ميول ورغبة الإنسان، وفي حال وجود هذه الرغبة والميول يكون التأثر بالموسيقى بشكل أكبر .
وتضيف دروزة "الموسيقى تستخدم في علاج العديد من الأمراض منها الأمراض النفسية، حيث يمكن من خلال الاستماع إلى الموسيقى الشفاء، كون الموسيقى تتسرب للدماغ، وتعمل على التنفيس، فعند الاستماع للموسيقى يتم ترجمة كافة المشاعر والأحاسيس الداخلية للإنسان مما تزيد من الدافعية للفرد، وأيضا تعمل على تخفيف التوتر والألم".
وأكد الدكتور ناصر الأسمر المحاضر في جامعة النجاح الوطنية أن الموسيقى صالحة لكل زمان ومكان، حيث تعمل على إحداث توازن عاطفي ونفسي، فالإنسان يتكون من الجانب المعنوي والمادي. ومن خلال الجانب المعنوي يتم تذوق الموسيقى الجيدة التي توصل فكرة أو معلومة معينة، وهي أمر فطري تعمل على إشباع الرغبات، وتفتح المجال للتفكر في العديد من الأمور، ويوجد في كل إنسان جانب ترفيهي يسعى من خلال الموسيقى إشباعه للخروج من جو الرتابة والملل .
ويعتبر الأسمر أن دوافع الاستماع للموسيقى تختلف حسب حالة الفرد تجاه مشاعر معينة مثل الحب والاهتمام، أو رغبته في الاستماع لموعظة أو حكمة ولكن من خلال الموسيقى، وقد يكون كلام يرغب في الحديث عنه لكن يتراجع، فالموسيقى ذبذبات واهتزازات تؤثر في الدماغ وتعمل على تشكيل روح الإنسان، وتعمل الموسيقى على إيقاظ ضميري بشكل شخصي وأنا أتناول الجانب الإيجابي فيها".
يذكر أن بداية الموسيقى تعود إلى الفراعنة في مصر حيث استخدمت في العلاج والترويح عن النفس والطقوس والعبادات وكانت شيئا عظيما لأنها كانت شيء خاص بالآلهة والكهنة، وتطورت وازدهرت في مصر بسبب وجود شعب ومكان تقبل الموسيقى بكافة أشكالها ورحب بها.