مروان والسلام عدوان لإسرائيل - حسن سليم
العمل التنظيمي المحترف، والسياسي الوطني، ليس بالأمر السهل الجمع بينهما في شخصية واحدة، وان يلقى ايضا صاحب تلك الشخصية إجماعا شعبيا، بمن فيهم من يختلفون معه سياسيا أو فكريا.
مروان البرغوثي الذي تواصل إسرائيل اختطافه منذ خمسة عشر عاما، وتعزله في زنازينها، استطاع أن يجسد تلك الشخصية، وان يجمع فسيفساء العمل الوطني، رغم كل التناقضات التي نعيشها، واستطاع أن يبقى حاضرا بمبادراته الوازنة، وخطابه الرصين الحريص على مستقبل المشروع الوطني.
لم يكن مروان البرغوثي عدواً للسلام، ولا عدوانياً، ولا دمويا بطبعه، كما تدعي اسرائيل، بل كان وما زال من المؤمنين بحل الدولتين، وبأن الخلاص للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لن يتحقق إلا بسلام عادل، يضمد الجراح، وينهي الى الأبد هذا النزيف اليومي من المعاناة والألم، ويستبدله بغدٍ يحمل الأمل.
لكن إسرائيل وهي تستمر باختطاف مروان البرغوثي، إنما ترتكب حماقة كبيرة، بشكل موازٍ لحماقتها في وضع العصي في دواليب جهود الرئيس أبو مازن الساعية لتحقيق السلام، ومن قبله الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وجميعهم أصحاب أصحاب عقيدة الايمان المطلق به، والمدافعين عنه، بفكرهم وسلوكهم السياسي.
إسرائيل التي لم تعزل مروان البرغوثي فقط في سجنه، بل فعلت كل ما بوسعها، لطمس صوته أن يصل، كون آراءه ومواقفه من شأنها أن تزعزع الأكاذيب والأضاليل التي تنتهجها حكومتها، بل وحاربت كل من حاول التواصل معه، وهددته بالقتل كما فعلت مع النواب أيمن عوده ومحمد بركة والطيبي وغيرهم، ورفضت العشرات من الطلبات التي تقدمت بها وسائل الإعلام العربية والدولية والإسرائيلية، لمقابلته، وذلك بادّعاء أن تصريحاته "تعرّض الأمن الإسرائيلي للخطر"، ونذكر جميعا كيف طالب عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب الليكود "داني دنون" في آذار 2011، من الأديب الإسرائيلي "عاموس عوز" إعادة جائزة إسرائيل في الأدب، ردا على إعلانه بأنه سيزور مروان البرغوثي في سجنه وإهدائه روايته "الحب والظلام".
نموذج مروان البرغوثي الذي تم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام وهو المؤمن به، وهو بذات القدر المتصلب خلف الحقوق الوطنية، وعدالة القضية، ومشروعية النضال لأجلها، بالطبع يزعج إسرائيل، لانه صوت وصل للعالمية، وحكايته تعدت جدران زنزانته، ليميط اللثام عن وجهها المخادع، وهي الرافضة لاستقرار المنطقة، بل وتعمل باصرار على إبقائها على صفيح ساخن، لتستخدمها كذريعه تكسب بها المزيد من الوقت لاستكمال مشروعها التوسعي الاستيطاني.
وداخليا، ورغم بقاء مروان البرغوثي مختطفا، على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، ومن قبلها، لم يستطع احد حشر مواقفه في صندوق الحزبية التقليدي، بل كانت دائما خارجه، وكانت ذو نظرة ثاقبة تعبر عن إدراك عميق لخطورة المرحلة السياسية، ولقادم الأيام، وما تحمل من تحديات واجبة الإعداد اللازم للمواجهة، ولعل تجربته في الساحة الطلابية في جامعة بيرزيت، التي أنبأت بشكل مبكر عن مواقفه الوحدوية الوطنية، وجهده الراقي للمحافظة على بيت الشرعية من اي مساس ببنيانه، خير شاهد عليها، وكان من ثمارها التحالفات في الانتخابات الطلابية، التي ضمت مع حركة فتح كل من "الشعبية" و"الديمقراطية" والحزب الشيوعي، رغم عدم قبول القواعد في حينها لتلك التحالفات، بسبب القوة التي كانت تتمتع بها حركة فتح، وقدرتها على الفوز بسهولة دون تحالف، لكن مروان أراده نصرا يجمع الكل تحت لواء الشرعية، وليس نصراً بلون واحد، أو نصراً لمروان.
ان سرعة الإفراج عن مروان البرغوثي اليوم قبل الغد، انما يمثل ضرورة لا تخدم وحدة الشارع الفلسطيني والنسيج الوطني، فقط، وليس لأنه يشكل ضمانة لوحدة حركة فتح، بل يخدم ايضا الافراج عنه إسرائيل، إذا أعملت عقلها ولو لحظة، وتفاكرت مع " العقلاء " من أركان قيادتها بأهمية دور شخصية بحجم مروان، وما يمكن إن يؤثر نحو تحشيد الشارع لخدمة خيار السلام، الذي يؤمن به، ولطالما عمل لأجل حمايته، منذ بداية عمله السياسي، ان كانت هي فعلا تؤمن به، لكن الحقيقة الساطعة أن إسرائيل ترى في مروان والسلام معا عدوان لها، تصر على محاربتهما، لانها نقيض السلام.
hasan.media@yahoo.com