"شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله فكاهة لاذعة ورصد لمعاناة العاديين
عبد الرحمن القاسم
أبدى البعض تحفظه والبعض رفضه المطلق على الربط بين اسم شارون "أرئيل شارون" رئيس وزراء إسرائيل الاسبق، وبين الحماة التي تكون في حالات كثيرة اقرب الى الأم في حنانها وخوفها على "كنتها" واولاد ابنها من الضيف الجديد والدائم على العائلة الكنة.
في حين لم يختلف الحضور جميعا على اهمية وطرافة التجربة الكتابية الأولى وان احتاروا بالاسم، المهندسة او الكاتبة سعاد العامري.
ويُترِخ كتاب "شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله" لمرحلة مهمة وقاسية من حياة الشعب الفلسطيني بقلم "هاوية" لم تكن تقصد او تبيت النية بانها تكتب لتقرأ الاجيال لها وان تشير لها بالبنان.
يقول عضو صالون مي زيادة الثقافي الشيخ داود عريقات، اعتدنا في الصالون مناقشة قصص وروايات من الادب المحلي والعالمي في اطار انشطة الصالون بالمحافظة لإثراء الحركة الثقافية.
وتضيف آن الدحدح عضوة الصالون، وقع اختيارنا هذه المرة على كتاب "شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله", ليقرأه اعضاء الصالون وتتم مناقشته لتعميق الحوار والسمو بحاسة التذوق الادبي لدى الحضور، الى جانب تسليط الضوء على الانتاج الادبي والثقافي وفيها دعوة للغير بتنمية عادة القراءة.
والكتاب هو اقرب لمذكرات وملاحظات للكاتبة، والمفارقة ان الكاتبة سعاد العامري هي ناشطة سلام ومهندسة معمارية اضطرت الى قضاء أكثر من شهر مع حماتها أثناء الحصار الإسرائيلي لمقر الرئيس الشهيد ياسر عرفات. وتصف تلك الأيام الصعبة في كتابها الذي صدر بأكثر من لغة عالمية الى جانب العربية. والكاتبة كما افراد الشعب الفلسطيني تعاني وعلى مدى سنين الاحتلال من الإغلاق والحواجز والحصار، والذي يشتد في أحيان كثيرة ويأخذ اشكالا والوانا سوداوية لإعاقة المواطنين وحرمانهم من حق الطبيعي بان يمارسوا حقهم بالتنقل والعمل في وطنهم.
وبالعودة الى الكاتبة والتي حالها كحال الكثير من الناس، تضطر يوميا إلى اجتياز العديد من حواجز قوات الاحتلال في طريق الذهاب إلى العمل أو التسوق. وفي كتابها ترصد ذلك أثناء فترة حصار مكتب الرئيس الشهيد ياسر عرفات في صيف عام 2002 حيث تغيرت حياتها فجأة. وتصف سعاد الفترة ما بين الـ17 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 والـ26 من أيلول/ سبتمبر 2002 وتتناول أحداثا هزلية غير معقولة وأخرى مضحكة وحزينة، كانت تحدد مسار حياتها وحياة أصدقائها والأُسر التي في محيطها. وان قوات الاحتلال لم تحاصر فقط مكتب الرئيس الراحل، إنما حاصرت كذلك بيت حماتها البالغ عمرها 92 عامًا. هذا الحصار كان دافعًا لها كي تكتب يوميات خيالية: "شارون وحماتي - يوميات الحرب في رام الله". ولم تخل ثنايا الكتاب الفكاهة اللاذعة والرصد اليومي لمعاناة الناس العاديين من تصرفات ومضايقات جنود الاحتلال اليومية لهم. واضطرار المهندسة المعمارية وناشطة السلام العامري البقاء وحيدة مع حماتها البالغة 92 عاما حبيسة جدران المنزل. بينما كان شارون وجنود الاحتلال يجعل من حياة الفلسطينيين في الخارج جحيمًا، وأسلوب سعاد العامري اللاذع والفكاهي هو الذي يخلق صورة حية عن حياة الفلسطينيين. فهذا الأسلوب يتيح لنا نظرة أخرى إلى الواقع خلف الصور المعتادة لرماة الحجارة الشباب والاعتداءات. وتجلى في صور كثيرة منها عندما راحت سعاد العامري تبحث مع صديقتها عن ابنها، الذي قُتل فيما بعد برصاص الإسرائيليين. تختلط ذكريات قديمة مع القصص اليومية أثناء شهور الاحتلال البغيض لمدن الضفة الغربية.
وتقول المهندسة المعمارية في تصريحات سابقة، ولكن دون أن ننسى التاريخ الطويل لتشريد الشعب. لقد تم تشريد عائلة سعاد قبل 50 سنة من يافا:
"لا نستطيع إرجاع التاريخ إلى الوراء. هكذا هي مشكلة اللاجئين، فهي موجودة في كل مكان. وطني هو يافا وسيبقى يافا، ولا يجوز أن ننسى أن أكثر من 800 ألف فلسطيني طردوا مما يسمى اليوم إسرائيل.
والكاتبة المعمارية وهي في العقد الخامس من عمرها درست الهندسة المعمارية في بيروت والولايات المتحدة الأميركية وأسكوتلندا، وتعيش حاليًا في رام الله وتدرِّس في جامعة بيرزيت. كما تشغل منصب رئيسة "مركز المعمار الشعبي" المعروف باسم رواق، وهو منظمة أهلية غير ربحية تعنى بحماية وترميم المباني الفلسطينية. وصدر كتابها في البداية في إيطاليا ثم ترجم إلى الألمانية وعدة لغات الى جانب العربية ويقع في 224 صفحة من الحجم المتوسط. وهي ناشطة سلام دعتها في السبق عدة منظمات دولية للتحدث عن كاتبها ورؤيتها للسلام من وجهة نظر فلسطينية.
وتقول الناقدة الادبية دبسمات السلمان، اتسم الاسلوب بالعفوية والتلقائية والوجدانية والبساطة فهو اقرب الى الملاحظات والرصد اليومي لمواطن يعيش المعاناة وما زال يعيشها وان كان شارون رحل فإن الممارسات الاسرائيلية اليومية ما زالت قائمة، بل وتأخذ اشكالا جديدة من الانتهاكات اليومية لحياة المواطن.
وتؤكد المهندسة نظر الحلتة والتي استضافت اعضاء الصالون في بيتها بأريحا، الكتاب جدير بالقراءة والتحليل وفيه صورة قلمية رائعة عن مشهد تراجيدي تتخلله كوميديا سوداء لن ينتهي الا برحيل الاحتلال واقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.