للزاوية بيوتها وللغول الباقي
يزن طه
يشوب بلدة الزاوية حالة من الخوف والحذر، بعد تسلم بلديتها قرارا من ما تسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية يقضي بالاستيلاء على أراضيها لصالح التغول الاستيطاني، يستثنى منها المساحة المقامة عليها البلدة.
القرار الصادر عن سلطات الاحتلال، والمؤرخ بالرابع عشر من نيسان الجاري، ينص على الاستيلاء على أراضي في عشرة مواقع في البلدة، يعرفها الأهالي جيدا، فهي مواقع أثرية وتاريخية، كمنطقة دير قسيس الواقعة غرب البلدة، وهي المنطقة التي توجد تحتها مدينة قديمة وبواقي حصون ومتاريس ومنصات مدفعية، ما تزال آثارها واضحة للعيان.
قبل عامين كانت "وفا" هناك، وشهدت على فرحة الأهالي بعدما استعادوا أراضي البلدة المهددة بالمصادرة بعد نضال يومي غذاه تصميم الاهالي على صد محاولات الاستيلاء على أرضهم، وقد انعكس تعلق الكبار بأرضهم على صغارهم الذين زادوا إرادة بالتمسك بحقهم. واليوم المشاعر مختلفة والهم اكبر والقلق اعظم، فالارض ستضيع إذا نفذ قرار الاستيلاء.
تاريخ الأطماع الاستيطانية والتوسعية الإسرائيلية
في بلدة الزاوية جنوب غرب مدينة نابلس والتي تبعد عنها 35 كم وإلى غربها مدينة كفر قاسم، برزت الأطماع الاستيطانية منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية عام 1967، إذ سارع الاحتلال إلى توطين عشرات المستوطنين وبناء المستوطنات على أراضي البلدة، فستولت على بئر المياه المعروف بـ"بئر الزاوية"، والذي يعتبر أكبر مخزون للمياه في فلسطين.
وبعد عام 1978 استولت "الإدارة المدنية" على مناطق زراعية بحجة عدم زراعتها بالأشجار، وأقامت عليها تجمعات استيطانية، كمستوطنة "الكناه" المقامة في المنطقة الشمالية الغربية للبلدة، ومستوطنة 'شعري تكفا'، كما صادرت أراض لصالح طريق يمر بالمنطقة نفسها لربط بعض المواقع داخل أراضي الـ48 بقريتي مسحة وبديا القريبتين، وهي الطريق التي اصطلح على تسميتها "عابر السامرة".
وفي عام 1985 أعلنت 'الإدارة المدنية' المنطقة الغربية للبلدة منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت وصول المواطنين إليها، وعام 1997 عمدت سلطات الاحتلال على شق طريق بطول 4 كيلو مترات، وعرض ثمانين مترا، ليقطّع البلدة.
يوم 5 حزيران عام 2004، في ذكرى احتلال الضفة الغربية، بدأت قوات الاحتلال تجريف المنطقة الغربية من البلدة، من أجل بناء جدار الضم والتوسع، الذي كان يبعد عن مدرسة ذكور الزاوية الثانوية مسافة لا تزيد عن عشرين مترا، لتبدأ المقاومة الشعبية الشاملة في البلدة.
اليوم تعود سلطات الاحتلال لتفعيل قرار المصادرة، لكن هذه المرة بشكل أشمل وأوسع، ليبقى للأهالي ما مجموعه ما بين 1200 دونم إلى 1500 دونم في أحسن الأحوال، من أصل 24 ألف دونم هي المساحة الإجمالية للبلدة، كما يقول منسق العلاقات العامة والإعلام في بلدية الزاوية والناشط عزمي عبد الكريم شقير.
شقير من أبرز وجوه البلدة، يصطحب الوفود دائما لإطلاعهم على انتهاكات الاحتلال، واعتداءاته، ويأخذهم إلى الأراضي المصادرة في الجهة الشمالية للبلدة، وتلك المهددة وفقا للقرار الجديد والواقعة في الجهة الغربية، ويرتب للقاء متضررين من البلدة ممن صودرت أراضيهم، أو الذين منعوا من الدخول إليها، أو ممن يدخلونها بتصاريح تمنحها لهم سلطات الاحتلال.
وبخصوص التصاريح، فإنها وفقا لروايات بعض حامليها، مرهونة بمزاج حراس المستوطنات أو جنود الاحتلال، فلا أحد يستطيع منع جندي من إخراج فلاح من أرضه، ولا يحول التصريح في كثير من الأحيان من منع المستوطنين من النزول في الأرض واقتلاع الأشجار، أو التجريف.
الحاج سامي يوسف عبد القادر (63 عاما)، حاله مثل قبل عامين، صلب وصامد ومستعد للموت في سبيل أرضه، ففي نهاية شهر تشرين الثاني الماضي تعرض لاعتداء بالضرب من المستوطنين كاد أن يودي بحياته، فقد شجوا رأسه وأدموه، عولج وقطب 9 غرز في وجهه ورأسه.
يردد الحاج سامي: "بقدرش أترك الأرض، إذا يوم ما بروح عليها، بلاقيها ثاني يوم مجرفة". ورغم أن القرار الجديد لا يؤثر عليه، كون أراضيه، البالغة مساحتها 200 دونم، واقعة جميعها خلف الجدار، إلا أنه يبدي استعدادا ليكون في مقدمة المتصدين لهذا القرار، لأنه "لا فرق بين أرض وأرض، ولا هذه أرض فلان أو علان، هذه كلها أرضنا، وكلنا ندافع عنها".
يجلس الحاج عبد الرحمن حمودة المعروف في أوساط بلدته بـ"أبو جبريل" على كرسي أمام بيته المبني بحجارة قديمة بارزة، الذي يتوسط أرضه المزروعة في شقها الأيمن بمختلف أنواع الحمضيات، وكروم العنب، واللوز، والزيتون، وغيرها، وفي شقيها الأيسر زُرع القمح.
أبو جبريل، في عامه الخامس بعد الثمانين، له أربعين دونما مزروعة بـ 400 شجرة زيتون عمرها يقترب من 40 عاما، جميعها ستضيع في حال تنفيذ القرار، يقول "سمعت من الناس إنه في قرار جديد علشان الأرض في الجهة الغربية، لكن إحنا متعودين عليهم، هم بحطوا لافتات، واحنا بنخلع".
وعند سؤاله: إذا نفذ قرار الاستيلاء ماذا سيفعل؟ أجاب بثقة وحزم: "يا موت يا حياة، على شو بدي أندم، بعد الأرض شو إلنا؟!".
يردف أبو جبريل: "ما بدي كفن ولا شايش، وصيتي غطوني بقصاقيص من الزيتونات، وحطوا علي شوية حجار".
من أبطال القصص الصحفية حول المتشبثين بأرضهم جزيلة شقير "أم يوسف"، التي دخلت "وفا" عليها برفقة الحاجة حمدة "ام الصادق" التي ربطت دابتها بعد عودتها من الأرض، كانت "أم يوسف" تجلس على فراش في ساحة منزلها المتواضع، تحتضن "سخلا" حديث الولادة تشربه الحليب برضاعة خاصة.
أم يوسف وأم الصادق، تسيران يوميا مع شروق الشمس، مسافة لا تقل عن سبعة كيلومترات، للوصول إلى أرضهما وحيدتين، فلا يأذن لغيرهما الدخول، تحملان تصاريحهما الخاصة، وتسيران.
هما كما الحاج سامي، تتعرضان لمضايقات من المستوطنين وجنود الاحتلال، لكن هذا لا يثنيهما أبدا عن الذهاب للأرض يوميا واستصلاحها وتنظيفها ورعايتها.
أم الصادق خضعت لعملية في عينيها، نتيجة آثار الغاز المسيل للدموع الذي كانت تستنشقه خلال محاولات جيش الاحتلال قمع الحراك الشعبي السلمي في القرية عام 2004 والذي استمر 40 يوما متواصلة، وهذا لم يمنعها عن ممارسة دورها في مقاومة الاحتلال وقواته، وهي تبدي اليوم الصلابة ذاتها: "خلوني قدام الجرافات، بس ما نتنازل ويوخذوا الأرض".
وكأنها في مسيرة شعبية، حين دمعت عيناها وهي تنادي: "اصمدوا ما حدا يخاف، ما بدنا نخليهم يوخذوها، موتوا فيها ولا يوخذوها، لليش حياتنا إذا راحت الأرض".
طلبت أم الصادق في نهاية حديثها مساندة أهالي البلدة من قبل محامين، وقالت: "بدنا محاميين يدافعوا عن الأرض، وبدنا يساعدونا في استصلاحها، بدناش نكون سبب ضياعها".